فعلا من لا يتقدم في هذه الحياة فإنه يتقادم، بل ويندرس على صفحتها حتى يصير طللاً بالياً وهو لما يزل حياً فيها، ومن لم يزد عليها في شيء كان زائدا عليها، مقولتان لم أر كروعتهما في عالم التنمية البشرية، ولا أفضل منهما ظلالاً في الحياة من حولنا، ففيهما يكمن سر تلك التعاسة التي قد تعترينا في الحياة أو تعترض أحوالنا فيها. إن من أجل المفاهيم التي قد تغيب عنا وإليها ترجع أسباب إخفاقنا وكثير من شقائنا غياب المرجعية، والتي أقصد بها استشعارنا أن أسمى أهداف الإنسان المنضبط وغايته هي الوصول إلى أبعد نقطة من السعادة، وهل هناك نقطة بعد بلوغ الجنة لا أعتقد، إلا أنه ولمن أراد أن يبلغ هذه النقطة عليه أن يصرف حياته كلها في سبيل هذا الهدف، ومن المفترض أن يكون هذا الهدف أول الأولويات وأن تقاس باقي أهداف الإنسان من حيث أهميتها على هذا الهدف فالسعي لتحصيل المال كهدف مثلاً لابد أن يتماشى مع هذه الغاية في الوصول للجنة وكذلك الأمر مع أي هدف دنيوي آخر غير جمع المال. إن مما يساعدك في هذه الحياة على أن تتقدم فيها وألا تراوح في مكانك هو ألا تسمح لأحد أن يأخذ الأولوية في حياتك عندما تكون أنت خياراً ثانوياً في حياته، وكما يقال بأن الشخص الذي يستحق دموعك لن يدعك تبكي أبداً، وطبعاً على أن يكون تعاملك مع الآخرين بلطف وتهذيب حتى الناس المتجاوزين معك في حدود اللياقة واللباقة معك، ليس لأنهم غير لطيفين بل لأنك أنت لطيف وقلبك نظيف، وإذا أردت أن تبحث عن السعادة الذاتية فلا تبحث عن سعادتك في الآخرين وإلا ستجد نفسك وحيداً وحزين، بل ابحث عنها داخل نفسك وستشعر بالسعادة حتى لو بقيت وحيداً، وكن على يقين أن السعادة دائماً تبدو ضئيلة عندما نحملها بأيدينا الصغيرة لكن عندما نتعلم كيف نشارك بها، سندرك كم هي كبيرة وثمينة!. إن مما يجب على من أراد أن يرتقي بنفسه في الحياة إدراكه أن الحياة لا تتوقف عند أحد، فالوقت لا ينتظر أحدا لاستغلاله، فهو يتسع لمن يستغل كل دقيقة فيه، ويضمحل لمن يهدره، وإن كنت لا تعرف للوقت حقه في هذا السياق فباطن الأرض لك خير من ظاهرها ونبينا عليه الصلاة والسلام كان (يدعو اللهم أحيني ما علمت الحياة خيراً لي وأمتني ما علمت الممات خيراً لي). فعلاً.. إن الوقت لا ينتظر أحداً وكل لحظة تمتلكها هي ثروة ستستغلها أكثر إذا شاركت بها شخص غير عادي، ولكي تدرك قيمة الحياة، أسأل عن إحساس من على فراش الموت، ولكي تدرك قيمة ذكر الله مت وانظر ماذا فقدت من عمرك وأنت غافل.