ليس بإرادتهم تم الاختيار وإنما هي مشيئة الأقدار ، فمنهم من على بساط الفقر كان صراخهم الأول ومضجعهم والميلاد ومع مآسيه انطلقت رحلتهم صوب دروب الضياع حيث التصحر والذئاب ومن تلك الأرض القاحلة الجرداء التي تفتقر الى أدنى مقومات الإنسانية كان المثوى والمآب وبمشاركة فاعلة من أولياء امورهم تتمثل باللامبالاة وعدم الشعور بالمسؤولية واستبدالهم للأدوار .. فبدلاً من كفاحهم وعراكهم الشرش مع جبروت الفقر من اجل تنشئة فلذات اكبادهم ورعايتهم وتعليمهم بأيدهم يتم الدفع بفلذات الأكباد إلى أماكن الأعمال والتي لاتتناسب مع اعمارهم أو الى توابيت التسول حيث المذلة والهوان وتلك المدافن الضيقة لكرامة الإنسان ومن ثم تركهم المدرسة والتفرغ التام ومنهم من شاء لهم القدر تذوق مرارة اليتم مبكراًَ فأطفأت الفاقة نورهم وخطفت البسمة من سطورهم وشطب الفرح من قواميس طفولتهم ومنهم من اصيب اولياء أمورهم بعجز اقعدهم أو جنون رحلهم بعيداً خارج حدود المكان والوقت والزمن ومنهم من يرضخون تحت سقف التصدع الأسري الكبير ويعيشون تفاصيل اليتم في ظل وجود لاوجود له لأم حاضرة غائبة وأب حاضر غائب ومنهم,, ,, ومنهم,, , ,,, ومنهم. .فمن المسؤول هنا عن أطفال حيارى؟ , عن طفولة حائرة تنظر مذعورة إلى واقعها المرير وذاك الطوفان الذي يكتسح مستقبلها وطبقات الظلام التي تغشاها في مجتمع لايرحم ؟, من المسؤول عن تحريرهم من تلك السجون التي تكبل طموحهم والأماني وفي قلب الضياع تدفن عقولهم وتوأد الأفكار؟ ومن هنا نتساءل أيضاً عن معنى الوطن مأوى وحمى وسكن وانتماء؟ ونتساءل عن ووزارات واتفاقيات تتعلق بحقوق الطفل ورعايتهم والحماية ومنها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان , والذي جاء في المبدأ التاسع منه (يجب أن يتمتع الطفل بالحماية من جميع صور الإهمال والقسوة والاستغلال ويحظر الاتجار به على اية صورة ولايجوز استخدام الطفل قبل بلوغه السن الأدنى الملائم ويحظر في جميع الأحوال حمله على العمل أو تركه يعمل في أية مهنة أو صنعة تؤذي صحته أوتعليمه أو تعرقل نموه الجسمي أوالعقلي أوالخلقي). فلم لانجد تلك الحماية تحيط بتلك الطفولة البائسة التي رمت ببراءتها الظروف الى تلك الغابات حيث ذئاب البشر وسيوف الاسغلال؟ , وتحلق بنعومتها بعيداً عن سربها وفي أجواء لم تألفها يتزاحم في مرافئها وغاباتها والفضاء مزيج من صمت الإحساس وضجيج الأنانية وانهيار الوجدان واعتزال الضمير تكتظ بها ساحات الإعدام العلني للحب الإنساني وتحتفل عادة بالنفي والترحيل والإبادة لجميع صور الإحساس وتتمكن فيها تلك السيادة القوية للأطماع والأنانية والعبث والاستغلال وبلارحمة تمتهن الإتجار ببراءة الصغار وتتجلى فيهم معاملتهم اللا إنسانية واستغلالهم الكبير والمهين واستخدامهم للعمل في المهن التي تؤذيهم والأعمال التي لاتتناسب مع اعمارهم وبمقابل ضئيل جداً.. فما أقسى العيش في حنايا وطن يرنو فيه المسؤول من على منبر المنصب بعين اللامبالاة, الى تلك الطفولة التي نقرأ في سطورها الحزينة صرخة قوية لمن سيمد يد العون لإنقاذها والانتشال ,والتي تعيش بؤساً يمزق لناظره الكيان !, أما ذاك المسؤول فتراه ينظر وكأنه يشاهد فيلماً خرافياً بعيداً عن الواقع , ماتؤثر فيه توجس الصغار الذي تنطق به أعينهم وذاك الدمع الذي يندب وداعهم للمسقبل وضياعهم ومغادرتهم دنيا الأحلام, وينهمر سخطاً واستياءً يحاكي الرمل والصخر والشجر بعد يأسه من قلوب البشر وتجردها والرحيل والتصاقها بالوحل.. فهل ياترى سيأتي اليوم الذي سيدرك فيه المسؤول خطورة ذاك الضياع لصناع الغد, وتخبطهم في بطون تلك الغابة الكبرى التي تقطنها ذئاب بشرية متوحشة تستغل البراءة وتهرول بها كريشة تتهاوى في ألعوبة العاصفه؟