بعد أن صالت وجالت الدراما التركية وتوغلت كل بيت في العالم العربي وأصبح نجوم المسلسل مقدسين واُغِدقَ عليهم من الشهرة والمال أكثر من المستحق بل بالغوا فيه مع العلم إن جميع المسلسلات التركية ( المصورة على الطريقة المكسيكية ) ذات ال 200 حلقة هي متشابهة في القصص مختلفة في الأحداث وذات مضمون غربي صرف وهو الدعوة للانحلال اللاأخلاقي وتناسي قضية الشرف حيث أصبحت ( موضة ) قديمة أكل عليها الدهر وشرب والكثير مثل هكذا طروحات قدمتها الدراما التركية أو الدراما التغريبية للمجتمع العربي الإسلامي مع التذكير بأن أغلب الأتراك يعتنقون وبنسبة 80 بالمئة الدين الإسلامي , وجاءت الدراما الإيرانية بمسلسل يوزرسيف لتوجه الضربة القاضية للدراما اللا أخلاقية المتفشية في ذهن المجتمع العربي المسلم فالقصص القرآني لا يجاريه أي فرد أو جماعة فهو من عند الله وما كان عند الله خير والقرآن يزخر بقصص كثيرة وقد تناولتها الدراما الإيرانية بأكثر من عمل درامي متكامل منها مسلسل مريم العذراء ومسلسل أهل الكهف ومسلسل النبي إبراهيم وغيرها والأكثر روعة في هذا الأمر إنها ( أي الدراما الإيرانية ) تنتج العمل الدرامي وفقاً لكل شروط الإبداع من مخرج متمكن ومدير تصوير مبدع ومصور ومصمم إضاءة والأهم الماكياج والديكور اللذان لا يفوقهما أحد في الشرق الأوسط ولو أطلنا النظر بجميع المسلسلات الوارد ذكرها يجد المتتبع روعة التصميم والتنفيذ لهما ونموذجنا هو مسلسل يوسف الصديق ( يوزرسيف ) فديكور المعبد أمون كذلك ديكور الطرقات وديكور قصر عزيز مصر وقصر أمنحوتب وتماثيل الإله آمون المنتشر في كل مكان مع سائر الآله التي يعبدوها أهل مصر آنذاك ومخازن الغذاء وهندستها وتقريبها لذهن المشاهد و اكسسوارات الأسواق العامة ومحاريث الزراعة وآلية البناء كما اختيار الملابس بعناية والفرز الواضح بالتصميم بين طبقات المجتمع المختلفة واختيار الحجاب الملائم للموحدات وتمييز لباس الموحدين عن غيرهم من عبدة آمون وأهل كنعان كالنبي يعقوب وأولاده ونساء قومه وكذلك أهل بابل كمالك ومرافقه , أما المكياج فقد وفق تمام التوفيق بجميع الشخصيات الرئيسة والثانوية وحتى الكومبارس وبالأخص مكياج زليخا وأخناتون وكهنة المعبد , وبعد هذا كله فإن اللغة السينمائية التي عمل بها المخرج فرج الله سلحشور كانت مميزة بحركة الكاميرا وأحجام اللقطات وزوايا الكاميرا المدروسة بعناية فائقة والانتقالات العالية الترميز وصاحبة الجمالية في الانتقال الهندسي والجمالي عدا تأويل النص القرآني وفق ما يتطلب درامياً كدعوة يوسف لإخوته والتعرف من قبل بنيامين على أخيه يوسف عن طريق الوسم الذي بيده , وهناك بعض المشاهد التي حفرت بذهن المشاهد أولها وأهمها غلق الأبواب من قبل زليخا مع نجاحه في عدم استثارة الرغبة الجنسية وهو مشهد إغرائي وكذلك مشهد الحلمين الحلم الأول الأبقار السمان والأبقار الهزال والحلم الثاني السنابل الخضر والسنابل العجاف وعمل الكَرافيك لهما من أروع ما صمم من الأعمال المعروضة حالياً وبعد هذا أوضح السيناريست والمخرج سلحشور التفاصيل التي كانت غائبة عن المتفقهين بالدين لا على مستوى الفرد العادي الذي لم يتبحر في القصص القرآني وسيرة الأنبياء فكان سلحشور عدا ما ذكرناه عالماً بالسيرة وصاحب بحث ينال عليه شهادة الدكتوراه حيث جمع تفاسير الشيعة وتفاسير السنة والأشعار التي قيلت في الأدب العربي والأدب الفارسي والروايات والكتب المؤلفة والتوراة العهد القديم مع جعل هيئة استشارية له بهذا الشأن. يضيف فيصل كريم حول المقارنة بين الدراما التركية والدراما الإيرانية قائلاً: من المعروف أن أول من ابتدع بدعة دبلجة المسلسلات التركية للهجة السورية هي الست لورا أبو أسعد التي ما إن ثار الجدل حول الأعمال الساقطة أخلاقياً التي دبلجتها حتى استضافها فيصل القاسم ببرنامجه الاتجاه المعاكس. ونستطيع أن نستشف من كلامها أن الغرض من ذلك تجاري بحت، فإن كان كذلك فمن الطبيعي أن تتوجه لورا (وما أدراك ما لورا) ومن اقتدى بخط لورا لجماعة السقوط والهبوط الأخلاقي المادي بينما الإيرانيون لهم سقوطهم الآخر المتمثل بالسقوط الفكري، فهم محافظون على الإسلام شكلا أما جوهره وحقيقته فمسألة أخرى تماماً. أما المشاهد العربي فلا يقلق أحدنا عليه، فقد اعتاد أن يتلقى الحُقَن من كل حدب وصوب، لأن إنتاجه الفكري الذي يتلقاه يوازي الصفر بتربيعاته التامة، وبالتالي أصبح مستعدا للتلقيح الفكري بكافة أنواعه إلا من رحم ربي. وربما حكاية الدبلجة للأعمال الخارجية (خاصة الفنزويلية والمكسيكية والكولمبية) بدأتها بعض التلفزيونات اللبنانية في أواخر الثمانينيات ومستمرة بها حتى الآن حيث جلبت علينا ثقافة دخيلة وسيئة أفسدت أجيالاً بأكملها. أما عن المقارنة بين الدراما الإيرانية والتركية فأعتقد أن الأخيرة متفوقة عليها كثيرا. فالأتراك يتميزون بالخبرة الفنية العريقة، لكن الإيرانيون أخذوا ينافسون بمجال السينما -رغم تفوق الأتراك وخبرتهم- وتوج الإيرانيون هذا التقدم بالفوز بجائزة الأوسكار الموسم الماضي بفوز فيلم “انفصال” للمخرج أصغر فرهدي بجائزة أفضل فيلم أجنبي. ومثلت هذه مفاجأة كبرى بعالم السينما لا سيما وأن أحد المنافسين فيلم صهيوني.