عندما تكون الأغنية منسوبة إلى فنان كبير فمعنى ذلك أن كلماتها أتت أو ولدت من رحم عقل من العقول الأدبية التي لا تحبل ولا تلد إلا بكلمات وقصائد تخلق من رحم ذلك العقل وهي مكتملة البنية وعملاقة الفكر والمعاني لا تحتاج لأنابيب حضانة تكمل نموها ولا تريد مربية ترعى طفولتها وتراقب نشأتها حتى تصل إلى مرحلة سن البلوغ والكبر كون مثل هذه الأعمال وتلك القصائد الغنائية تأتي من المصنع وهو عقل الشاعر إلى المستهلك وهو المستمع بعد أن يكون الوسيط الموزع بين المصنع والمستهلك هو ذلك الفنان الكبير الذي يستطيع أن يزيّن بضاعته ويسوغ لها ماكياج الأناقة والتحسين والمتمثل باللحن والأداء وهذا هو حال الأغنية اليمنية التي بعضها قد مر من عمرها أكثر من نصف قرن ويزيد وهي ماتزال تردد اليوم بنكهتها وطعمها الحلو وكأنها ماتزال حديثة الولادة والجميع مشتاق لمتابعتها وسماعها في كل لحظة دون أي ملل، فيما الأغاني الشبابية التي تظهر وتبرز بجانبها هذا اليوم لتغيب ويأفل بريقها ورونقها باليوم التالي حتى تندثر الأغنية بكاملها من الساحة لتظل الأغاني القديمة والتراثية هي عروس الزمان والمكان وهي عطر المجالس الفواح ونسائم السحر المحملة بروائح الزهور ونكهة الصباح الباكر.. نعم هذه هي الأغاني الأصيلة التي أتت من حناجر وألسنة كبار فنانينا اليمنيين أمثال عملاق الأغنية الوطنية الحماسية ومدغدغ اللحن العاطفي ومحاكي الطبيعة بجبالها ووديانها وسهولها وأنهارها ومترجم حفيف الأشجار وخرير المياه ومرقص الطيور والجوالب ومردد الحان الشوق والمناجاة مع هديل الحمام ..إنه فنان الأرض والإنسان الفنان الكبير أيوب طارش نائف العبسي هذا الفنان الذي أتحفنا بألحانه وأغنياته العذبة الذي تنقل معنا داخل طبيعة هذا الوطن مسافراً مع كل الألوان ينتقي أعماله الفنية التي تأتيه من الشعراء بكل تذوق ولا يختار إلا زبدتها ومهما كان حجم وثقل الشاعر الذي يمده بالقصيدة إذا لم تكن مكتملة الأوصاف فلا يقتل موهبته بسلاح الإحراج والاستحياء من هامة ومكانة الشاعر كونه لم يجد نفسه إلا وسط الكلمات والأغنية المتشبعة بالمعاني والتشبيه أو المثقلة بالمعانات المستنسخة من توجع البعيد أو المهاجر أو العاشق إلا أن الأغنية الأيوبية التي أعجزت عشاق النغم وحيرت الكُتاب والأدباء والموثقين للتراث الأصيل هي أغنية (أحبك والدموع تشهد) والتي غناها الفنان الكبير بسبعينيات القرن الماضي تقريباً هذه الأغنية اختلف عنها الكثير لمن ينسبون كلماتها بعد أن انقسموا الجميع نصفين منهم من ينسبها للشاعر الراحل عبد الله هادي سبيت ومنهم من يقول إنها للشاعر صالح نصيب وأتذكر أنه في عام 2007 أو 2008تقريباً فتحت صحيفة الأيام جدلاً واسعاً عن هذه الأغنية وأظهرت التباين والتعقيبات بين الكُتاب والمحللين، فالبعض كان يظهر دلائل ومعلومات أن هذه الكلمات للشاعر صالح نصيب، فيما البعض الآخر كان يبرز المعاني ويقول: إن هذه الطريقة وهذا الأسلوب لم يكتبه سوى الشاعر عبدالله هادي سبيت وكما أوضح البعض أن كلمات أحبك والدموع تشهد كانت موجودة ضمن مخطوط نادر لديوان أغانٍ كتبه سبيت بيده وتحت عنوان «ألا لما متى يبعد وهو مني قريب» وكان حينها مهيأً للطباعة وبداخله توجد هذه الأغنية مع تاريخ كتابتها موثق بخط سبيت تاريخ تأليفها 2/2/1960م إلا أن الشاعر توفي قبل أن يُطبع الكتاب.. فيما كان الرأي الآخر يقول: إن الأغنية للشاعر صالح نصيب ومن ألحان فضل اللحجي واستدل هذا الرأي بأن الأغنية أتت ضمن كتاب صالح نصيب المعنون «الحب موش عيب» الطبعة الثانية عام 1981م وكان ترتيب الأغنية في الكتاب كأول قصيدة في الديوان ليضيف هذا الرأي معلومة أخرى تقول: إن صالح نصيب وأحمد صالح عيسى قد أعدا كتاباً تحت عنوان «فضل محمد اللحجي حياته وفنه» وأتت أغنية «أحبك» ضمن هذا الكتاب ومنسوبة إلى الشاعر صالح نصيب.. أنا شخصياً يوجد بين يدي كتاب الدموع الضاحكة لمؤلفه الشاعر عبدالله هادي سبيت ومطبوع على وجه الغلاف تاريخ يحمل الرقم 12/10/1983م حيث وجدت بين صفحاته أغنية «أحبك» وهي في الصفحة رقم 204و205و206 ومذيلة بتاريخ تأليفها «القاهرة 16 أغسطس 1961م » لكن للأسف أن كلمات القصيدة المكونة من 32بيتاً أتت بدايتها بنفس الأغنية التي تغنّى بها الفنان أيوب طارش عبسي وحتى البيت الرابع بينما بقية الأبيات أتت مغايرة عما غناها الفنان أيوب وإذا ما رجعنا إلى القصيدة المنسوبة لصالح نصيب فسوف نجد أنها هي الأغنية بكاملها التي غنى بها أيوب وإن كان البيت الرابع فقط والذي يقول فيه أيوب «وذقته يوم حرمتك وقلت من شاهدك يكفر» فهذا البيت بدايته ضمن قصيدة سبيت ونهايته من قصيدة نصيب لهذا نجد أن الرأي الأرجح هو الذي أعطى صالح نصيب أحقية تلك الأغنية؛ كون التوثيق المطبوع لعبدالله هادي سبيت في كتابه «الدموع الضاحكة» ربما فقط اقتبس الأربع الأبيات الأولى من قصيدة صالح نصيب ومن ثم لم تكن هي المغناة بصوت أيوب ..أو العكس أن صالح نصيب اقتبس بداية أبيات سبيت ومن ثم أكمل الأغنية من كلماته وهي المسموعة والمتعارف عليها فنياً بصوت أيوب، وقد يكون لتشابه الأبيات الأربعة في افتتاحية القصيدتين دور كبير في التباين بالآراء وتشتيت أفكار وعقول المتابعين بما فيهم حتى المؤرخين أو محبي التوثيق الفني والأدبي وكانت صحيفة الأيام قد فتحت في ذلك العام تلك المشكلة للمناقشة وحاول كل كاتب أو مؤرخ أن يبرز دلائله بأحقية صاحب القصيدة ومالكها الأصلي كل رأي كان يأتي حاملاً دلائل وحكايات توحي بالمصداقية ودقة المتابعة ليتوّه القارئ والمتابع بين دلائل الفكرين لكني أنا وكما أوضحت سابقاً ومن عنده كتاب «الدموع الضاحكة» لمؤلفه الشاعر سبيت أظن أن أغنية القصيدة هي للشاعر صالح نصيب والسبب أن قصيدة سبيت الموثقة في كتابه الدموع الضاحكة خرجت من بداية البيت الخامس عما نسمعها ملحنة ومغناة بصوت الفنان أيوب طارش. وذات مرة تعرّفت على أحد الشباب القريبين لسلالة الفنان أيوب ومجالسيه في منزله وقلت له: هل تستطيع أن تأتيني بالخبر اليقين من عند جدك أيوب لمن كانت أغنية أحبك والدموع تشهد ليأتيني بعدها بإجابة تقول: إن هذه الأغنية سوف تنزل قريباً ضمن كتاب جديد سوف يصدر تحت اسم «أيوب طارش.....» لذا نقول: هل يستطيع فعلاً الفنان الكبير أيوب طارش أن يقطع حبل الشك باليقين ليأتينا بالكلام النهائي والموثوق عمن هو الشاعر أم أننا سوف نصطدم أخيراً أن الفنان أيوب هو الآخر استلم القصيدة من أحد المعجبين بفنه لتصله مجهولة الهوية وأتت إليه يتيمة الأبوين؟.