يروي السعيد عن ذهابه إلى المانيا ،وتعلمه لأسس البحث العلمي ،وبداية مشروع رسالة الدكتوراه ،وباللغة الإنجليزية ،التي تعلمها بنفسه داخل السجن ،وبدأ مشواره مع أبحاث عن الناصرية والإخوان المسلمين ،ومصر الفتاة والوفد ،والحزب الوطني ،فتقاليد التسجيل للرسالة تقتضي خمسة عشر بحثاً منشورا ً، واستمر رفعت السعيد “يتعلم ويتعلم ويتعلم ويكتب ويكتب ويكتب «كي يصبح» مؤهلاً لأسجل دكتوراه العلوم عن “الحركة الماركسية في مصر عبر القرن العشرين ،كيف أثرت في مصر ،وكيف تأثرت بمصر”ص17. استمر رفعت السعيد مراهنا على صمود التجربة الاشتراكية في المانيا الديمقراطية ،فلقد عشق المانيا الديمقراطية، وتعلقت أبصاري بما تحقق من تقدم مذهل ،ثم كان المؤتمر الأخير للحزب ،ولبيت الدعوة ،وازداد انبهاري ...العالم الرأسمالي يعاني بطالة ،هنا لا بطالة ،المشكلة أننا نريد قوى عاملة أكثر ،ونحلها عن طريق الأتمتة ،الربوت في كل شيء لنوفر الراحة والسعادة والإنتاج الوفير معا .إنجازات هائلة في كل مجالات الصناعة ...الإسكان ...التعليم ...الخ “23ص.في المانيا الديمقراطية كانت عين الرضى تتقبل التقارير المقدمة للمؤتمر بتصديق مطلق ،ولذلك «عندما بدأ الانهيار الكبير ،وتوالت انكسارات الأنظمة الاشتراكية “أصررت على أن نظاما ما سينجو ،سيفلت من هذا الزلزال ،راهنت نفسي ،وغيري ...وخسرت الرهان بأسرع مما تصورت» ص24 . وجهاً لوجه مع السادات: تتشكل صورة فلاح ذكي ،وماكر للسادات ،وإن كانت أقرب إلى الإعجاب،لدى رفعت ، في مذكراته ...فأثناء انعقاد مؤتمر عالمي لنصرة الشعوب العربية ،كان رأي السادات أن تكتب الدعوات باسمه كراع للمؤتمر ،وكان موقف السعيد أن المؤتمر يجب أن يكون غير حكومي حتى تتفاعل كل الوفود المشاركة ،لكن السادات يطلب السعيدإلى مكتبه ،ويناديه “يا دكتور “بفتح الدال ،في إشارة إلى سخرية تقدم نفسها على أنها عفوية بنطق فلاحي ،واستمر السادات ينطقها بالفتح ،مع كل خلاف مع رفعت حول إجراءات المؤتمر .وحين قرر وزير دولة عربية أن يشمل بيان المؤتمر رفضا قاطعاً للقرار 242،أراد السادات بحذقه أن يكون الرفض موقفاً للشيوعيين المصريين ،وأن يكون الموقف الرسمي مع القرار ،فمصر كانت موافقة على القرار على مضض!وكانت تريد الموافقة على القرار لكسب تأييد دول العالم ،ومع ذلك استطاع السادات بدهائه أن يمرر البيان دون أن يشير إلى رفض القرار ،وحين يكون السادات لديه رغبة بإقناع السعيد بموقف ما كان يناديه “يا دكتور”بنطقها الصحيح .يمزج السادات البساطة بالدهاء ،بالأداء المسرحي ،فهو حين يغضب ،يغضب بأداء مسرحي ،مستخدما إصبعه وعينيه ،وحين يحاور من أجل الإقناع يتنقل ما بين التهكم والتقدير. كوبا ...تصفيق منفرد: في عام 1968م ،عقد مؤتمر حركات التحرر في آسيا وأفريقيا وأمريكا اللا تينية ،حضره رفعت السعيد بطلب من مجلس السلام العالمي ،وأثناء وصوله مطار كوبا لا حظ المعاملة الغير لا ئقة مع زميليه ،السوفيتي زاسوخوف،والبلغاري سكوباريف ،على عكس الحفاوة به «ربما لأنني من مصر عبدالناصر» ص44.لكن التباينات السياسية للدول الاشتراكية هي السبب في الموقف الغير لائق تجاه السوفيتي والبلغاري ، يسخرالسعيد من الموقف الكوبي تجاه الاتحاد السوفيتي ،رغم الدعم اللا محدود لكوبا ،فسفنهم “تملأ الميناء محملة بكل شيء بالمجان “ص46.لكن راؤول كاسترو يرد على السخرية”متحدثا عن معركتنا التي هزمنا فيها بلا مجهود من الخصم ،ونعود لنستنزف السلاح والعتاد والعون من السوفيت “ص46.يروي السعيد الكثير من المواقف الجادة ،المغلفة بالسخرية ،والمفارقات المتهكمة ،والناقدة ،فهذا (ك)يمثل مصر لمنظمة التضامن ،يحدث مشكلة أمنية بسبب أكله لوجبات شخصين مما جعل الأمن يشك بوجود جاسوس يصور الشخصيات المشاركة ،ويسجل الجلسات ،وعندما اكتشفوا السبب “تسللت برودة عبر صدري،وأحسست بأني أذوب خجلا ،مرة أخرى احتضنني راؤول قائلا”ولا يهمك ،في كل شعب هناك العديد من الحمقى “ص50.في جلسات المؤتمر الذي تأجل أكثر من مرة بانتظار مجيء جيفارا من بوليفيا ،لكنه لم يأت ،وقتل هناك –كان فيدل كاستروا يقدم رؤساء الوفود بإطناب ثوري يصل إلى نصف ساعة ،وحين جاء دور رفعت السعيد أطنب كاسترو في تقديم مصر عبد الناصر ،لكن تقديمه لمندوب الاتحاد السوفيتي كان باردا “وكأنه يبصق كلمة مريرة المذاق “مندوب الاتحاد السوفيتي ،وتقدم زاسوخوف والقاعة صامتة ،وقفت أنا لأصفق ،سمعت شخصا يزاملني لكنه توقف إذ اكتشف أنه يخرج على النص ،ولست أدري أية حالة عصبية تلك التي انتابتني ،ودفعتني إلى أن أظل واقفاً وحيداً لأصفق بحماسة ملأى بالغيظ ،فيدل ينظر إليّ مبتسما ،وأنظار القاعة تلهبني ،وكأنها تندم على تصفيقها لي”ص54.وحين جاء الدور على «أريسمندي» السكرتير العام للحزب الشيوعي في أورجواي ،وهو حزب متسع النشاط ،عميق الجذور ،لكنه طبعا لا يعجب فيدل ورفاقه”فهو عندهم عجوز يأكل بأطباق صينية ،ويتناول البفتيك،ويرأس حزبا علنيا ،ويعيش بالمدن !حين قدمه فيدل كاسترو،قدمه أيضا ببرود ولم يصفق له أحد سوى رفعت السعيد،ذهب لإلقاء الكلمة حزينا ،وعاد أكثر حزنا حاولت أن أخفف عنه ،لكنه أوضح في براءة ثورية خالية من التلاعب السياسي :يا رفيق :أنت لم تزل شابا ،أنا لست حزينا من أجل نفسي ،فليس مهما أن يصفقوا أو لا يصفقوا ،ففي بلدي يصفق لي الناس بالملايين ،لكن ما يوجعني هو الخوف عليهم ،على مستقبلهم،ومستقبل أحزابهم ،وحركاتهم ،إنهم ثوريون ،لكنهم حمقى ،والأحمق الثوري أخطر من أي أحمق آخر “ص55.ولا ينسى السعيد أن يشير إلى وفد عربي امتنع عن المشاركة ،واعتصم داخل غرفتة بالفندق ،احتجاجاً على عدم تجاوب المترجمة مع رغباتهم الخاصة !ولم يعلنوا السبب ،وحين طلب راؤول من رفعت معرفة السبب ،ذهب إليهم ،فصارحوه ،وكانت نظرته المحتقرة لهم ،وهددهم بالكتابة إلى حزبهم ،فخافوا ،وشاركوا.هنا يعتمد السعيد طريقة الاختزال وعدم التصريح بأسماء الرفاق !ومع نقد فيدل كاسترو للاتحاد السوفيتي ،فلقد طلب منهم أن يرسلوا له من يعلمه الماركسية ،فهو حسب تعبيره أكثر منهم ثورية ،لكنهم يفهمون الماركسية أفضل منه !”أشار هذا أستاذي ،إنه رجل طيب ،وهو لا يؤنبني أبدا،الحزب الشيوعي السوفيتي أرسله لي بناء على طلبي ،ليحاول أن يدرس لي الماركسية ،وهو يحاول ،وأنا أحاول معه ،وأعتقد أنني تلميذ لا بأس به “ص57.وحين يحاول أن ينطق اسم رفعت السعيد يجد صعوبة في نطق العين ،ويقول،ضاحكا “هذا أصعب من الماركسية...دعني أناديك يا مصري “ص57.حين تكون الماركسية لدى فيدل كاستروا دروسا نظرية ،ونصوصا تحفظ ،فهي بالتأكيد صعبة ،إنها ليست تجربة واستقراء للواقع في سياق تحرير أكثر للإنسان ،ولكنها لديه نصوص تحفظ وتتلى! براغ ما قبل الربيع : تلبية لدعوة من لجنة السلام التشيكوسلوفاكية ،سافر السعيد إلى براغ ،وهناك كان الوضع مضطربا ،ومرتبكا ،فهناك حركة معادية للحكم يتزعمها أحد قادة الحزب ،رافعا شعارات ليبرالية ،وثمة عداء للعرب وتحيز لإسرائيل ،أو بحسب التعبير التهكمي لمرافقهم التشيكي ،وكان مع الحركة .فعند مرور الوفد أمام طابور طويل وغير عادي ،قال لهم المرافق إنهم يتزاحمون لشراء اسطوانة إسرائيلية جديدة ،عنوانها “فلنعبر نهر الأردن”ص63.لقد دافع المرافق التشيكي عن إسرائيل دفاعا “حارا وموجعا ،وعيرنا بهزيمة ساحقة ،وغير مبررة ،وانفجر عندنا الغيظ الممتزج بالمهانة “ص24.ورفض اتحاد الكتاب المساند للحركة أن يستقبل الوفد المصري ،وان يتحاور معهم ،بل اقفلوا الاتحاد بسلسلة ضخمة ،وقفل “إنهم يعلنون رفضهم لمبدأ الجلوس معنا “ص64 يصف السعيد حالة الاهتراء للنظام في تشيكو سلوفاكية و الدبابات السوفيتية “وفي عصر اليوم الأخير لنا في براغ ...كنت أتمشى أنا وعلي حسني قرب ساحة قصر الرئاسة ،لنشاهد حوالي خمسة أو سبعة أشخاص يهتفون “سفو بودا ...سفوبودا ...”إنه رئيس الحكومة ،وسكرتير عام الحزب الشيوعي ...لكن الناس كانت تنظر إليهم بملل وبلا مشاعر ،وظل الخمسة أو السبعة يهتفون وحدهم حتى شعروا باللاجدوى ...وهتف زعيمهم وحده مرة أو مرتين ،ودون أن يرد عليه أحد من رجاله ...وسكت.كانت دلالة واضحة ،بل فاضحة “ص67.وحين عاد السعيد إلى مصر ،طلب منه مكتب الرئيس تقريرا بملاحظاته،ومشاهداته ،فكتب ،واختتم تقريره بعبارة “واعتقدأن الوضع القائم لن يستمر “ثم شطبها بناء على طلب خالد محيي الدين ،فقد يكون السعيد مبالغا فيها ،لكن لهيب ما سمي ب«ربيع براغ» انفجر بعد أيام ،ولم يطفئه سوى هدير الدبابات السوفيتية .”! في غينيا بيساو: يجد المؤلف تناقضات لمشهد مركب من المفارقات ...يتعرف في مكتبه بمجلس السلام على الكثير من زعماء أفارقة لحركات التحرر في أوطانهم .ومن هؤلاء إميلكار كابرال وشقيقه لويس .اغتيل اميلكار كابرال قبيل استقلال غينيا ،و”كانت خسار كبيرة لمفكر أفريقي متوقد الحس والعقل ،وقادر على تفهم طبيعة الثورة الأفريقية ،وخصوصيتها ،ثم تفهم الخصوصية الخاصة جدا للثورة في بلاده” وهو ما افتقدته بسبب اغتياله .كان موكب الرئاسة عند قدوم الرئيس لويس كابرال ليفتتح اجتماع (رئاسة مجلس السلام العالمي )فيه من الترف والأبهة ما يتناقض مع إمكانيات فقيرة لبلد فقير ،فهذه الفخامة في بلد بلا أية موارد تشي بالاتكال والاعتماد الكامل على الاتحاد السوفيتي “أحسست كم خسرت هذه الدولة الوليدة بوفاة أبيها أميلكار “ص73.في السوق يشاهد بائعا تغافل عن حبات الطماطم المكومة على الأرض ،وهو جالس بانهماك يقرأ “باسم الله الرحمن الرحيم “”ينطقها غير سليمة ،وغير مفهومة ،لكنه يقولها ،ويرددها بلا ملل”ص73.من نصف ورقة صفراء مكتوبة باللغة العربية ،وحين طلبها من البائع رفض ذلك ،لأن هذامصحف لا يلمسه غير مسلم ،وبعد معرقته بأن السعيد مسلم ،قبل أكتافه مرددا بلغة مفككة “ما شاء الله”وعندتصفح السعيدلما اسماه البائع “مصحفا”وجدها “قطعة ورق من كتاب عربي عادي “74ص.اشتراها من بائع لبناني ماروني،يعلمهم تكرار البسملة ،ويقوم بقطع صفحات كتاب عربي إلى نصفين .يعلو من بقالته قرب الميناء صوت القرآن الكريم “ليقنع الآخرين بقيمة ما يبيع لهم “ص74.وحين يزور المؤلف مدرسة لتعليم عدة عشرات من نساء سمراوات –الماركسية ،ويصف حالة الفقر والذباب الذي يتجمع فوق أطفالهن المعلقين على ظهورهنّ ،وكيف كنّا يرددن المفردات ،واسماء ماركس ولينين ،اجتمع المشهد بكل مفارقاته في ذهن رفعت السعيد ،بلد يمكن لبقال ومن ديانة مغايرة أن يخدع مسلما ليبيعه نصف صفحة من كتاب عربي على انها قرآن ،ونساء يرددن وأطفالهن خلف ظهورهن- تعاليم ماركسية ،والفقر والذباب يظللهن ،وموكب رئاسي فخم يبحث عن الوثير والمريح لموكب الرئاسة !وبلد بلا مصانع ولا موارد! هلسنكييات: فنلندا بلد مميز ببساطته وشيوعيته ،وديمقراطيته ولغته .فحين تريد أن تقول ساركب أتوبيس رقم 9،يصعقون من الدهشة ،فهذا اختصار مخل ،هم يقولون “الأتوبيس أزرق اللون،ويبدأمن المحطةالرئيسية وينتهي في حي لو هيلا ،ويحمل لافتة مكتوب عليها رقم 9”وبساطة وديمقراطية الحياة تكسو الجميع ،فالرئيس يعيش حياة بسيطة ،بعيدة عن التعقيد ،ويجري منفردا ،وبلا حراسة ب”التريننج سوت”الزرق ،وفي الإجازة يتجول في السوق ليشتري احتياجات زوجته ،لهذا يرى السعيد “الديمقراطية الفنلندية عميقة حتى أعماق البئر الفنلندية ،يتبدى الأمر وكأنهم يتنفسونها “ص82. ومن المفارقات المحزنة والمضحكة في آن،هواحتفاظ رفعت السعيد على باب الشقة التي سكنها بفنلندا باسم “باليوال”الرفيق الهندي الذي سكن في هذه الشقة ،ممثلا للهند في مجلس السلم ،وخوفا من أن يتم اغتياله كونه عربي ،ردا على اغتيال الرياضيين الاسرائليين في ميونيخ ،اتباعا لنصيحة ضابط أمن فنلندي ،لكن المفارقة وجدها حين التقى بالرفيق «باليوال» اثناء زيارته لبنجلاديش ،فلقد أخبره السعيد بالقصة التي حدثت بفنلندا ،وضحك «باليوال» وقال “أنانفسي تركت هذه الشقة و”لو هيلا”وفنلندا كلها بعد أن هددني كشميري مسلم بالقتل انتقاما من المذابح التي يرتكبها الهنود ضد شعب كشمير.”ص89. شيلي ...الليندي : تعرف السعيد على بابلو نيرودا شاعرشيلي العظيم ،وهو شيوعي ،وسلفادور الليندي منذ كان الليندي مناضلا عاديا في صفوف حركة السلام ...كان الليندي اشتراكيا يؤمن بنظرية الحق الليبرالية ،وبالشرعية الديمقراطية ،ففي ذات يوم كان الليندي ونيرودا،ورفعت السعيد على سطح بحيرة متجمدة ،وحين علم السعيد بذلك خاف ،إلاّ أن الليندي طمأنه بأنه لا خوف طالما الحكومة لم تكتب تحذيرا “هذه مسؤليتها ،ومسئوليتنا لأن نعتمد على تحملها للمسئولية ،وان نفرض عليها بذلك تمسكها بتحمل المسئولية ،هذه هي الأسس الأولية لمشروعية العلاقة بين الحكم والمحكومين “94ص.وحين أصبح الليندي رئيسا عبر انتخابات ديمقراطية ،وكان جمال عبد الناصر قد أسهم بدعمه بخمسة ملايين دولار ،تكالب عليه اليمين الفاشي ،واقصى اليسار ،والرأسماليون ومعهم أمريكا ،وكل رجالها ،وأجهزتها ،وظل الرجل متمسكا طوال فترة حكمه بنظرية الحق الليبرالية ،حتى انقلب عليه الجيش كأداة لأمريكا وعلى رأسهم بينوشيه ،وضباط الجيش ،وكلهم وعدوا الليندي بالدفاع عن الشرعية ،وهو صدقهم”القذائف تنهال على قصر الرئاسة ،الجميع يهربون ويتركون الرئيس ،الجيش يطلب منه أن يستسلم كي يعيش في المنفى ،وهو يرفض ،فالمشروعية معه ،أصوات الأغلبية انتخبته .ترى هل تذكر الحاحي،ام تذكر النكات الصارمة لصديقه الحميم بابلو نيرودا ،لكنه رفض هذاوذاك ،لبس –على غير العادة الديمقراطية –خوذة ،وحمل الرشاش ليحارب دفاعا عن الديمقراطية ...والشرعية...وقتل “ص99. بنجلاديش: كان الإسراع بانعقاد رئاسة السلام العالمي في بنجلاديش الحديثة الاستقلال ،ربما بسبب حسابات هندية ،أو حسابات سوفيتية ،أو كليهما .في الشوارع يفزعك عدد الأسر الفقيرة،المقيمة بها ،والفساد في بنجلاديش ينتشر كوباء الكوليرا المستوطن هناك،والمعونات السوفيتية تباع في الهند ،والناس يخيطون من أكياسها ثيابا مكتوبا عليها في ظهرهم”غير مخصص للبيع”وزعيمهم “مجيب الرحمن”قاد معركة الاستقلال ،لكنه لم يستطع أن يقود ما بعد الاستقلال... والفساد شارك فيه حتى ابن أخ مجيب الرحمن، الذي باع آلات مصنع للنسيج معونة لهم من السوفيت،وقد عينه عمه مديرا له -في اليوم التالي للهند !،ومجيب الرحمن يطلب من رفعت السعيد ،ومن عزيز شريف،شيوعي ،وسكرتير حركة السلام بالعراق –أن يقرأ له الأول الفاتحة أمام المشهد الحسيني ،ومن العراقي أن يقرأ له الفاتحة ،ويطلب له الشفاعة أمام مقام “سيدي عبد القادر الكيلاني” وبعد فترة انفلتت الأمور في شكل انقلاب عسكري ،واغتيال الزعيم خلاله.ص103-108. روما... سجن وسلام وأوهام : حين التقى رفعت السعيد بتوفيق طوبى ،عربي من الناصرة ،وأحد قادة الحزب الشيوعي الإسرائيلي ،كان ذلك وقتها “تابو” محرم الاقتراب منه ،حتى ولو كان أعضاء الحزب الشيوعي الإسرائيلي مع السلام ،وضد العدوان ،كان ذلك لقاء عابرا في عام 1968م ،بمؤتمر استكهولم ،لنصرة الشعب الفيتنامي ،وبعد عدة سنوات كان هناك إمكانية تقبل فكرة وجود قوى سلام في إسرائيل ،ففي نهاية عام 1972م كان هناك مؤتمر عالمي ،تحت اسم “العدل والسلام في العالم “ وكان موقف أبو عمار منه عدم موافقته ،وعدم رفضه ،وعدم علمه بمشاركة أي فلسطيني من حركة السلام الفلسطينية ،وشارك عبد الله حوراني “أبو منيف”وكانت مخاطرة فعلا ،وشارك في لجنة صياغة البيان الختامي ،وحاور بشدة ممثلي قوى السلام الاسرائيلية ،وعاد أبو منيف ليدخل السجن حيث إقامته !وقتها كان الإسرائيليون فتحوا طريقا للتواصل مع السادات ،وحين قام أحد الإسرائيليين بالاتصال برفعت السعيد لإيصال رسالة للسادات عن سبب توقف الاتصالات ،وأوصل السعيد الرسالة للسفير المصري ،كان انفعال السادات وغضبه كبيراً ،لتداخل الخطوط !. يلتقي رفعت السعيد ب«أريك رولد»وهو أحد المصريين المهاجرين في فرنسا ،وواحدمن المع صحفيي جريدة “لومند”الفرنسية ،ويخبره بسر عرفه من لقاء له ب«سيسكو» (مهندس السياسة الخارجية الأمريكية آنذاك)الذي اقتاد أريك إلى خريطة العالم المليئة بالنجوم الحمراء ،التي تشير إلى البلدان الاشتراكية ،أو منطقة نفوذ السوفيت حسب تعبير سيسكو«قال سيسكو باعتداد مذهل :سجل في أجندتك ،نحن الآن في بداية عام 1973م ،وأحفر في ذاكرتك هذه المعلومة ...بعد عشر سنوات لن تكون هناك نجمة واحدة حمراء على هذه الخريطة» ى124.تأخر الموعد سنوات قليلة عن التاريخ الذي حدده سيسكو لكن المخطط والمتقن تحقق. يمنيات: في لقائه الأول مع الرئيس حسني مبارك ،في اكتوبر 1981م يسأل رفعت السعيد مبارك ،عن حديثه المطول حول الأوضاع العربية ،والذي نسي فيه أو تجاهل الحديث عن اليمن الجنوبي ،وهنا يبتسم مبارك لأنه كان يتوقع السؤال ،ويكون رده بطريقة السؤال الاستنكاري :فأنتم تقولون بأن الماركسية علم “وكيف تتخيل أن هذا العلم قد حلق فوق العالم العربي بأكمله ،ولم يجد لنفسه تربة صالحة لنموه ،إلاّ في هذا البلد في الذات ،حيث يستقر المزاج القبلي ،والمناخ العام المفتقر للعلم والمعرفة العملية ؟”ص227.ومع الوجع من هذه الملاحظة ،فإن أنظار الماركسيين العرب ظلت معلقة دوماً بالنجم الأحمر “على مدخل البحر الأحمر ،وتمركزت أحلام ،وربما أوهام كثيرة حول هذه التجربة الفريدة ،والتي تعامل معها صناعها بإخلاص وحماسة ،ولكن في ظل المكون القبلي والمتخلف الذي ما كان من الممكن الإفلات منه ،مهما تظاهروا هم ،ومهما تغاضينا نحن”ص228.وتستمر الرحلات إلى عدن ،وينقل لنا السعيد لقطات ومفارقات ذات دلالات ضاحكة في سطحها ،مؤلمة في جوهرها .في الزيارة الأولى ،الرسمية لخالد محي الدين ،كي يتقلد في احتفالات ثورة 14 اكتوبر الوسام اليمني الأرفع ،وسام 14 أكتوبر .ذهب خالد محي الدين إلى معسكر العند ،وما أن توقفت السيارة ،ونزل منها عبد المنعم القصاص ،حتى امتشق ضابط المعسكر بقامته الرشيقة “وهو يدق الأرض منتصبا ومعظما بيده ،صائحا في وجه عبد المنعم “الرفيق المناضل خالد محيي الدين ،حرس معسكر العند جاهز للتفتيش “ص230.ارتبك عبد المنعم وأشار ناحية السيارة الأخرى ،وحين شاهد رفعت السعيد يخرج من المقعد الخلفي حتى كررها ودق قدمه وانفجر بذات المنضومة ،حتى وجد ضالته أخيرا بخروج خالد محيي الدين من المقعد الأمامي ...لقد كانوا مئات من الضباط والجنود ،يجلسون القرفصاء ،ويسألون بما “يوحي بفهم عميق لما يجري حولهم ،ومن النقاش الفاهم والتفهم أدركت أنها ليست تمثيلية من التي اعتدنا عليها نحن العرب،ولكنهم رجال جيش عقائدي حقا ،أو يحاول جاهدا أن يكون كذلك ،كانت بطاريتهم الثورية مشحونة بما يكفي ،وكانوا يعرفون جيداً طبيعة العالم المحيط بهم ،ويحاولون جهد طاقتهم نسيان القبيلة وتحدي الواقع المرير”ص230.لكن الخلافات المريرة المغلفة بالتكاذب التقليدي الدائمة سرعان ما عصف بقشرة خارجية اسمها “وحدة الصف ،فكل طرف من أطراف الصراع داخل الحزب يتهم الآخر بالقبلية والقروية ! المشروب المفضل: كان حشد من الرسميين قد أتوا من أجل التعرف على خالد محيي الدين ،الذي يتلك “كاريزما””في كثير من أرجاء العالم العربي”ولعلّ وصف شهرة خالد محي الدين بالكاريزما فيها مبالغة واضحة ،فكون خالد معروفا صحيح ،وكونه شخصية كاريزمية ،فينقصها عدم تميز خالد محيي الدين في الخطابة ،والمحاضرات ،ناهيك عن عدم تميزعموده ككاتب في صحيفة أخبار اليوم ،التي كان يرأس مجلس إدارتها !-ومن بين الحشد كان الرفيق صالح مصلح “جلسنا معا ،هو طلب –وفق التقليد الروسي الأصيل الذي أتقنه ربما خلال زيارات عديدة ،ودورات تدريبية لا حصر لها –فودكا ،وأنا طلبت من الجرسونة الفلبينية أن تعد تركيبة خاصة ،جين+تونيك+كامباري.أعجب الرجل بهذا المشروب .شرب منه مرارا وأشهد أنه كان يمتلك مقدرة روسية على الشرب .سأل مرارا عن المكونات ،ومرارا أجبت .وبعدها بيوم أو يومين ،وفي مساء متأخر فوجئت بمدير الفندق يقطع عليّ نومي برنين تليفوني صاخب ،قال بالانجليزية الفلبينية «عفوا سيدي ما هو» عفوا مشروبكم المفضل”انفجرت غاضبا ،توقظني من النوم لتسألني عن مشروبي المفضل ؟قال معتذرا”عفوا ،ولكن السيد صالح مصلح يطلب مشروبا يسميه مشروب رفعت السعيد “ص229. لقد كان للسفيرين الكوبي والسوفيتي دورا جوهريا في الصراع الذي انتهى بمذبحة 1986م “الآن اتضحت الصورة أو كادت ،وأصبح بإمكاني أن أتجول في حقل من الألغام آمنا ،الآن فهمت لماذا كان هناك حراس كثيرون،كلهم غير رسمي على مكتب جار الله عمر ،ولماذا يرفض المحايدون أو أشباه المحايدون الاشتباك في أي حديث عن الأوضاع ،لماذا مثلا كان الصديق اليمني القدم راشد ثابت يتحاشى الحديث في أي أمر من هذا القبيل ...ولماذا كان البعض يدفعني كي أتعجل النصح بتصفية جسدية متعجلة للطرف الآخر “ص232. رفعت السعيد ومدرسة الكوادر الحزبية: تم ترتيب محاضرة للسعيد في معهد باذيب ،الذي كانت إدارته ومدرسيه ومساعدو المدرسين والمحاضرين والمترجمين من السوفيت ،وقد تم الترتيب للمحاضرة لمعرفة علي ناصر وفريقه بموقف السعيد من النقدي ضد تعامل السوفيت مع الماركسية كنصوص ومحفوظات مقدسة ،وكجزء من الصراع بين الطرف الذي انحاز له السوفيت ،وهم خصوم علي ناصر ،والطرف الذي انحاز له وهم الكوبيون ...استهل السعيد محاضرته بعبارة لهيجل ،وهي “لكي تعرف ما بداخل ثمرة الجوز ...اكسرها””الححت على الشبان والشابات ...كل شيء يمكن انتقاده ،لا نص مقدس في الماركسية ،النصوص بنت زمانها ومكانها ،اكسروا كل عبارة تتلى...عليكم ،وتمعنوا فيما بداخلها...وما هو ملائم لكم خذوه ،وما هو غير ملائم ...القو به بعيداً.”ص233.وكان وجه مدير المعهد يمتقع ،وفي اليوم الثاني يتصل الرئيس علي ناصر “مستغرقا في الضحك ،ماذا قلت في المدرسة الحزبية ،المدير يتأوه من أن الطلاب أفلت زمامهم وهم يقاطعون المدرسين ،ويطالبون بالتمهل لكسر العبارات وتأمل ما بداخلها ...وفهمت (وإن متأخرا)لماذا طلب إليّ أن أحاضر في المدرسة “ص224. علي عنتر والسعيد : في استاد المكلا ،وفي حفل استعراضي لجماهير ،ترقص رقصاتها التراثية الجميلة ،كان السعيد في الشرفة الرئيسية ،واقترب منه وجه عسكري باسم على صدره صفوف من الأوسمة ،وفق التقليد السوفيتي .”قال بابتسامه ساحرة “يا رفيق لماذا تخاصمني ؟”قلت مندهشا ،ولماذا أخاصمك ؟فأجاب :«لأنني علي عنتر» هذه هي إذن الشخصية الأسطورية اليمنية (كالعادة الجميع يعتقدون أن من يصادق خصما فهو خصم ،أو في الأقل مخاصم لهم)”ص234.وفي اليوم التالي يذهبان إلى ردفان ،وينتقل علي عنتر من مكانه البرتوكولي ليجلس إلى جوار رفعت السعيد ،ويطلب السعيد من علي عنتر مرافقته في الهليوكوبتر ،لوعورة الطريق ،وتسببها بآلام شديدة لرقبة السعيد ،التي تؤلمه بسبب ضربة تلقاها في سجنه بمصر...”حكيت له محنة الطريق ،قال :إنه أتى بالهليوكوبتر ،قلت خذني معك ،قال بأسف ،لكن الرفاق السوفيت طلبوا العودة معي ...ولا مكان لك للاسف ...وفي فترة الاستراحة أخذني علي عنتر لأسلم عليه ،جرى الحديث متعجلا عن الوضع المكهرب داخل القيادة .ووجهت سهما مصوبا بإتقان شديد ...قلت لعلي عنتر :احذر .فالزمان زمان تآمر .وقد يصطادك البعض في طائرتك .ويسجل الأمر كحادث مؤسف .أذنا المترجم المدربتان التقطتا الرسالة وترجمتها ...وأتى الرد عاجلاً ...(الاعتذار عن ركوب الهليوكوبتر» ،ورحلنا عليها أنا وعلي عنتر وحدنا ،والغريب أن السهم الذي صوبت ،عاد فارتد إليّ ،فإذا بي خائف إلى حد ما من احتمال وقوعه”ص235. لا حظ السعيد أثناء الصراع الذي سبق الأحداث الدامية “مذبحة 1986م”أن مواقع كبيرة يمتلكها الصغار “وأن الكثيرين يرتدون ثيابا (بالمنصب )أكبر منهم ،ومن حجمهم بكثير”ص240،لكن الجميع كان يهرب من الجميع ،وبسبب الصراع “ضد بعضهم البعض كان اللجوء إلى الدعوة للوحدة ،أوادعاء الوحدة ،وعندما زارني قياديون من الحزب الاشتراكي اليمني في مكتبي في القاهرة ،حذرت والححت في التحذير من وحدة متعجلة ،وليس لها من أقدام سوى الهرب من الآخر ،الهروب من الرفيق المخالف إلى الآخر المختلف تماما .وتجسد قول الشاعر«كالمستجير من الرمضاء بالنار قلت تهربون من واقع مرير ،لكنكم تتحكمون فيه ،إلى واقع أشد مرارة ،لأنه سيتحكم فيكم ،تحدثوا عن مواثيق واتفاقات ،وأكدت أن التراث اللاديمقراطي والقبلي والعشائري أثبت دوما أنه أقوى من المواثيق ،ومن كل ما يكتب على الورق ،وقلت أن الديمقراطية ستظل وهما في ظل توازن للقوى ،هو بالضرورة مختل ،ليس فقط بسبب المنصب ،والوزن السكاني والعشيرة والقبيلة ،ولكن لأنكم تذهبون إلى غابة الطرف الآخر وأنتم متفرقون ...مختلفون،متشككون في بعضكم البعض ،ولكنهم صمموا وهم أصحاب الحل والعقد في مصيرهم ،لكن الغريب أن كلماتي قد نقلت بالنص للرئيس الشمالي علي عبد الله صالح ،ليغضب من تحريضي ضد الوحدة معه.”ص240-241.وكان العطاس قد اتهم قبل سنوات راشدمحمد ثابت بتسريب ما دار بينهم والسعيد إلى الرئيس علي عبد الله صالح ،ونفى ذلك راشد في رده المنشور على العطاس! يحضر الناصري في مذكرات السعيد من عبد الناصر أو الشباب الناصري ،أو قياداتهم ،أو مفكريهم كعصمت سيف الدولة ،بصورة سلبية ،فهم ليسوا أكثر من حالة متذبذبة في المواقف ،فهاهو المؤلف يقدم لنا عصمت سيف الدولة وكأنه أداة في يد المخابرات المصرية في عهد السادات،فقد طلب العقيد المسئول عن السجن من رفعت السعيد أن يكتب التزاما منهم بترك السياسة مقابل إطلاق سراحه ،بعد أن تم اعتقاله بسبب انتفاضة1977م ،أو ما يعرف حينها بانتفاضة الخبز ،وأسماها السادات بانتفاضة الحرامية،وقد حاولت الأجهزة الأمنية إلصاق تهمة تحريض الجماهير ،ودفعهم للعنف ،على رفعت السعيد ،في هذه الأجواء يتقدم عصمت سيف الدولة كمحام للسعيد بتقديم مقترح اعتزال السياسة مقابل إطلاق سراحه.جاء عصمت سيف الدولة بحسب رواية السعيد ،وقدم نفسه “أنا محاميك ،واشعر أنهم يريدون الإيقاع بك بأي ثمن “ورفض السعيد مقترح تقديم استقالته من التجمع ،فاقترح عليه عصمت سيف الدولة أن يقوم خالد محيي الدين بإصدار قرار فصله ،فأجاب أن “خالد لن يفعلها إلاّ إذا طلبت منه ،وأنا لن أطلب”ص309.لم يبحث السعيد عن أي دافع مهني لمقترح عصمت سيف الدولة –إن صدقت الرواية-وإنما اعتبره مجرد أداة لما يريده السادات ،وكان حري به أن يضع في ذهنه عند الصياغة، المواقف العامة لعصمت سيف الدولة ،وكذلك مواقفه الوطنية ،وثقافته والتزامه الوطني والقومي ،ولعلّ التباينات والمواقف التي اكتنزها السعيد تجاه الناصريين كانت حاضرة دوما وضاغطة على توجهه ،وطريقة اختياره للعبارات ،تفصيلا حيناً ،واختزالا حينا آخر.في الجهة المقابلة نجد التبرير لمواقف مخزية قام بها من يحبهم السعيد ،فكانت مواقفهم وأعمالهم برداً وسلاماً على قلبه وعقله ! كتب لويس عوض إلى جوار ثلاثة من مثقفي مصر “الكبار”ورابع هو أشهر مترجميها من الانجليزية إلى العربية -لم يشر رفعت السعيد إلى أسمائهم-رسالة الماجستير للسيدة الأولى لمصر جيهان السادات ،بما في ذلك السفر لدول أوروبية من أجل تجميع مادة البحث ،ومع ذلك يتحدث السعيد عن لويس عوض بحميمية عالية ،وتتوجه سخريته فقط للسيدة الأولى ... ما نكتبه هو نحن بكل تحيزاتها ،من كراهية ومحبة ،وانتصار وسخط !ويصبح الحذف والاسهاب ،والتصريح والتلميح ،والمحو والإرجاء تعبيراً عن مسارنا في الحياة ،فلا شيء في الذاكرة بريء ومحايد... محمد قاسم نعمان وسجن القلعة بمصر : من مشاهدات السعيد في سجن القلعة عام 1977م ،يستعرض العديد من السجناء ،ومنهم «يمني فوجئنا به مكتوما في أحد الزنازين» ،صحنا عليه لم يرد ،ولم يرفع حتى البطانية عن رأسه ،بقي ملفوفا في البطانية لفترة طويلة حتى انزعجنا أن يكون قد مات ،بناء على طلبنا فتح المخبر الزنزانة لنجده لم يزل حياً.محمد قاسم نعمان ،اسمه ،قال إنهم قبضوا عليه ،أرسلوه إلى قسم الدقي ،هناك أودعوه الحجز ،قال له الشاويش ،إذا احتجت شيئا دق الباب ،سمعه الضابط وأتى وضربه علقة ساخنة .وعندما أتى إلى القلعة قالوا له وهم يغلقون الزنزانة ،إذا احتجت شيئا دق الباب نفهم الملعوب ،والتف بالبطانية ،ولم يدق بالباب ،ولم يلتفت لأي نداء.”ص313.