«3» عدم الزهد فيها وهجر مضجعها يعتبر حقاً من حقوق المرآة على زوجها: ألا يزهد بها، وألا يهجر مضجعها. فهذا الذي قال لزوجته: أنت عليّ كظهر أمي، هذا عاقبه الله عز وجل بأنه حرَّمها عليه ما لم يصم ستين يوماً، أو يطعم ستين مسكيناً، فكما أن له عندها حاجة فلها عنده حاجة، ومن الظلم أن تتجاهل حاجتها. عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ: جَاءَ ثَلَاثَةُ رَهْطٍ إِلَى بُيُوتِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْأَلُونَ عَنْ عِبَادَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا أُخْبِرُوا كَأَنَّهُمْ تَقَالُّوهَا، فَقَالُوا: وَأَيْنَ نَحْنُ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (قَدْ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ، قَالَ أَحَدُهُمْ: أَمَّا أَنَا فَإِنِّي أُصَلِّي اللَّيْلَ أَبَدًا، وَقَالَ آخَرُ: أَنَا أَصُومُ الدَّهْرَ وَلَا أُفْطِرُ، وَقَالَ آخَرُ: أَنَا أَعْتَزِلُ النِّسَاءَ، فَلَا أَتَزَوَّجُ أَبَدًا، فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْهِمْ فَقَالَ: أَنْتُمْ الَّذِينَ قُلْتُمْ كَذَا وَكَذَا، أَمَا وَاللَّهِ إِنِّي لَأَخْشَاكُمْ لِلَّهِ، وَأَتْقَاكُمْ لَهُ، لَكِنِّي أَصُومُ وَأُفْطِرُ، وَأُصَلِّي وَأَرْقُدُ، وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي). [متفق عليه]. فأي منهج يطبقه المسلم خلاف هذا المنهج فإنه يخالف به سنة النبي الكريم، فأولئك الذين تركوا الزواج نهائياً، أو تركوا العمل، هؤلاء قد خالفوا سنة النبي صلى الله عليه وسلم، فسنة النبي تضمن لك أن تصل بها إلى أعلى مستوى، فقد كان له زوجات كثر، وكان يطوف عليهن جميعاً، فعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْسِمُ فَيَعْدِلُ، وَيَقُولُ: اللَّهُمَّ هَذَا قَسْمِي فِيمَا أَمْلِكُ فَلَا تَلُمْنِي فِيمَا تَمْلِكُ وَلَا أَمْلِكُ). وفي عهد عمر بن الخطاب أتت امرأة إليه وقالت: يا أمير المؤمنين، إن زوجي قوّام، فقال سيدنا عمر: بارك الله لك في زوجك، فقالت: إن زوجي قوّام، وإني أكره أن أشكوه، فكان عند سيدنا عمر صحابي اسمه كعب الأسدي فقال: إنها تشكو زوجها، فقال عمر: هكذا فهمت من كلامها؟ فإذا فهمت هكذا فاحكم بينها وبينه، فقال كعب: علي بزوجها، فأتوني به، فقال له: إن امرأتك هذه تشكوك، فقال: أفي طعام أو شراب؟ قال: لا، فقالت المرأة، و قد صاغ أحد الشعراء شكواها بأبيات شعرية: يا أيها القاضي الحكيم رَشَدُه ألهى خليلي عن فراشي مسجده زهَّده في مضجعي تعبُده فاقضِ القضا كعب و لا تَردّه نهاره و ليله ما يرقده فلست في أمر النساء أحمده فقال زوجها: زهدني في فرشها وفي الحجل إني أمرؤ أذهلني ما قد نزل ففي سورة النحل وفي السبع الطوال وفي كتاب الله تخويف جلل فقال له القاضي كعب: إن لها حقا عليك يا رجل نصيبها في أربع لمن عقل فأعطها ذاك ودع عنك العِلل ،أي أن الله عز و جل قد أحل لك من النساء مثنى وثلاث ورباع، فكل ثلاثة أيام تعبد بها ربك، ولها الليلة الرابعة, فقال عمر: والله ما أدري من أي أمريك أعجب، أمن فهمك أمرها، أم من حكمك بينهما, اذهب فقد وليتك قضاء البصرة. كما أن عليه إرشادها إلى الخير وإبعادها عن الشر وصيانة نفسها ومن حقها عليه أن يأمرها بأن تصون نفسها، فمثلاً: هناك شرفة في المنزل، خرجت الزوجة إليها بملابس البيت، و لمارة ينظرون، فلم يتأثر الزوج، فرأته ساكتاً، فاستمرت، و إذا رأته تساهل استمرأته، فمن حقها عليك أن تأمرها أن تستر نفسها، فلو لم تفعل لحوسبت حساباً شديداً، والدليل قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ} سورة الأحزاب: من الآية 59. أحياناً تهمل المرأة زينتها فيتضايق زوجها، وقد يصل الأمر إلى الطلاق، فالمذنب هو الرجل، إذ يجب أن يأمرها أن تصلح من هيئتها، ويجب أن يدقق عليها، فقد تكون صغيرة لا تعلم، أو لا تهتم، أو لا تبالي، فإذا استمرأت إهمال زينتها، وانزعج منها من دون أن يعرفها، ومن دون أن يلفت نظرها، ثم اتخذ منها موقفاً صارماً، وأرسلها إلى بيت أهلها من دون أن تعلم السبب فهو آثم، لذلك يجب أن يذكرها بواجبها تجاهه، ومن أولى هذه الواجبات أن تكون حسنة المظهر أمامه من أجل أن تعفه عن النظر إلى الحرام، إن الهدف الأول من الزواج للمؤمن، أن يكون عفيفاً عن الشهوة، فإذا أهملت نفسها، وأهملت ثيابها، وأهملت زينتها، ثم كرهها، وأبغضها، وطردها فقد أخذها على غرة، إذ يجب أن ينبهها، وأن يلفت نظرها، وأن يأمرها، وأن يدقق عليها لكي تبقى على مستوى طموحه، والدليل: عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: (كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةٍ، فَلَمَّا قَفَلْنَا كُنَّا قَرِيبًا مِنْ الْمَدِينَةِ تَعَجَّلْتُ عَلَى بَعِيرٍ لِي قَطُوفٍ، فَلَحِقَنِي رَاكِبٌ مِنْ خَلْفِي فَنَخَسَ بَعِيرِي بِعَنَزَةٍ كَانَتْ مَعَهُ، فَسَارَ بَعِيرِي كَأَحْسَنِ مَا أَنْتَ رَاءٍ مِنْ الْإِبِلِ، فَالْتَفَتُّ، فَإِذَا أَنَا بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ، اللَّهِ إِنِّي حَدِيثُ عَهْدٍ بِعُرْسٍ، قَالَ: أَتَزَوَّجْتَ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: أَبِكْرًا أَمْ ثَيِّبًا؟ قَالَ: قُلْتُ: بَلْ ثَيِّبًا، قَالَ: فَهَلَّا بِكْرًا تُلَاعِبُهَا وَتُلَاعِبُكَ؟ قَالَ: فَلَمَّا قَدِمْنَا ذَهَبْنَا لِنَدْخُلَ فَقَالَ: أَمْهِلُوا حَتَّى تَدْخُلُوا لَيْلًا، أَيْ عِشَاءً، لِكَيْ تَمْتَشِطَ الشَّعِثَةُ، وتستحدث الْمُغِيبَة).