لم يستطع إكمال دراسته فهو على موعد مهم لإكمال نصف دينه بشريك حياته سماح بنت الحاج قاسم.. يسكن في قرية ريفية تبعد أميالاً عن قرية جميل الذي، لم يكن لديه أدنى معرفة بعروسه التي ستزف إليه بعد أسبوع، إلا بعض أوصاف سمعها من أمه وشقيقته.. قصيرة بشرتها لابأس بها ، لديها خبرة في حراثة الأرض.. أبوها لديه ثروات... يتيمة ماتت أمها قبل ان تراها، إخوتها ملامحهم طيبة، لم يعر هذه الأوصاف أي اهتمام.. زفت إليه شريك حياته إلى بيت أبيه، مر شهر على زواجهما ليجد نفسه بحاجة إلى البحث عن عمل ذهب إلى المدينة.. استأجر له شقة متواضعة ظل صباح كل يوم يذهب إلى العمل ويعود ظهراً، انجب من سماح أولاداً ثلاثة لم يباعد بين ولادتهما.. شغلت بتربيتهم، فكلهم صغار يحتاجون إلى رعاية ، فليس لديها فراغ للاهتمام بعريسها الشاب الذي لم تشبع احتياجاته الزوجية التي تتلهف إليها نفسه .. فهي بنت قرية، ثقافتها متدنية، لم تهتم بنفسها، يتمنى جميل كلمة حنونة ورقيقة منها.. كان يؤنب ضميره.. أكيل لها كل يوم كلاماً معسولاً، أحاول أن أجعلها تشعر بأننا متزوجان.. لا فائدة، (على من تقرأ زبورك ياداود) بدأ جميل يحس بالنقص، وصل إلى مرحلة، شعر أنه ليس متزوجاً ، تمنى أنه لم يتزوج.. لم ينجب.. طبيعة عمله في المدينة حتم عليه التعرف على زملاء من الذكور والإناث .. اقترب منهم أكثر كان متعطشاً لسماع من يتكلم عن أمور الزواج.. من كلا الجنسين.. وعن حياتهم في بيوتهم.. وحكاياتهم المفعمة بالسعادة.. كل مايسمعه ينزل عليه كوخز الإبر.. أجل لقد حظي بجمال بارع وقامة معتدلة زاد من ذلك منظره الجذاب ففي كل يوم يأتي بلباس مختلف.. جذب إليه الكثير من الفتيات! وتسابقن إلى ربط العلاقات معه.. شيئاً.. فشيئاً .. ليسقط وبدون شعور- فريسة لأحدى الفتيات ، وجد فيها بغيته.. جمال مذهل .. رومانسية في الكلام .. مفعمة بالإحساس، أخذت عليه لبه، وفازت بقلبه، فكان لا يرى ولا يسمع إلا عشيقته سمية لا يفرق بينهما إلا الليل الذي نال منه كل العذاب .. فهو من حرمه.. من حبيبته.. انتشر خبره بين الشباب.. بالهمز واللمز.. عاتبه البعض.. ونصحه آخرون... وهدده أقارب سمية.. كل هذا لم يثنه قيد أنملة عن حبه لسميه.. فحبها سرى في دمه وتمكن في قلبه.. لا يشعر بنفسه إلا وهو أمامها.. لتمنحه نظرة تنعشه بقية يومه.. غابت سمية، يومين مع أهلها.. فسقط جميل جثة هامدة.. حمل على إثرها إلى الطبيب أجرى له كل الفحوصات اللازمة.. لتكن النتيجة.. مذهلة.. نتائج الفحوصات سليمة.. ليس فيه مرض ظل تحت العناية.. زارته سمية خفية.. فهي أيضاً تلتهب ناراً في داخلها فما إن وصلت .. نظر إليها فكأنما نشط من عقال.. ليس فيه ألم.. حاولت أن تخبره.. بأن يخفف من زيارتها.. فقد كثر الحديث عنها في حارتها.. أجابها .. أنا أحبك.. أحبك.. أنا سأموت.. أرجوكِ ياروحي.. يعملوا في.. مايريدون.. قطعوني.. فليس فيّ دم.. يذبحوني فلن أموت لا تغيبي.. عني.. أحلف لك.. اني بدونك لا أستطع.. حتى أتنفس.. كانت تلك هي اللحظات التي بعدها جاءه الخبر القاتل.. أسرتها منعته.. من الجلوس مع سميه!! ووضعته .. تحت المراقبة.. بدأت حالته الصحية تتدهور.. بدا وجهه.. شاحباً لطول السهر.. انعزل الناس، حتى زوجته وأولاده.. حالته النفسية .. ساءت تماما، لم يكن يأنس بأحد ..غابت عن ذهنه أسماء كل من كان يعرفهم في حياته.. غير اسمه واسم حبيبته.. دائما ينادي الرجال ياجميل.. وينادي كل امرأة يراها .. ياسمية.. حتى أولاده الصغار صار ينفر منهم لا يعرفهم.. أخرجه .. صاحب البيت .. لعدم دفعه .. الإيجارات لأكثر .. من سنة.. نال اهتماماً.. كبيراً.. لدى الكثير من الحقوقيين.. ومحاولة إقناع أسرته بالموافقة على زواجه.. وأن هذا حق من حقوق الإنسان.. تم الرد بأن سمية لا ترغب به.. فإذا بها .. تخرج عن صمتها المؤلم.. لتعلن.. لقد دمروا حياتي.. لقد احرقوا مشاعري.. نظر إليها.. جميل نظرة.. حزن.. ومعاناة.. ويأس.. وإحباط.. كان هذا المشهد الرهيب له بمثابة انتحار مفاجئ وانفجار عنيف دمر كل ما تبقى لديه من مشاعر مرهفة.. وعشق مفرط .. دفع من أجله ثمناً باهظاً .. لاذ بالصبر .. حاول ان يخفي ما بداخله من جراح إلا ان قدماه لم تستطيعا ان تتحمل اكثر .. فقد بذلتا معه كل ما تملكاه من قوة لكي يظل واقفا يمشي عليهما بحرية ثقلت الحركة لديه.. أصبح طريح الفراش ، امتنع عن الطعام .. فقد النطق.. انهارت معنوياته يوماً بعد يوم .. مرّت بضعة أسابيع وحالته تزداد سوءاً .. .وأخيراً توقف القلب العاشق وسكن الجسد، وتجمدت أحلام جميل على حوافّ جفونه، وتساقطت أوراق آماله قبل أفول ربيعه،.. وانتهت رحلة الألم في سكينة وهدوء.. وصدق المثل: إن من الحب ماقتل!!