يُعتبر الشعر العمودي أصل الشعر العربي؛ والذي ظلّ مهيمناً على الذائقة العامة العربية زمناً طويلاً وحتى بعد دخول الحداثة وتيّارات وانقلابات أدبية كثيرة وظهور قصيدة النثر الحداثوية التي انتشرت في كل مكان وأصبحت ظاهرة وصار لها روّاد ظلّ للشعر العمودي حضور وطُبعت دواوين ومجاميع شعرية كُتبت بطريقة عمودية منها المجموعة الشعرية «معازف على الرياض» للشاعر رياض العلوان، فالمجموعة كلّها قصائد عمودية مع وقصيدتان بتفعيلة.. مسجّى هوالك بغير دربي هذى الملامح غير حبي يا لوحة الإعلان كم ضحك السراب على المخب صبّي دماء براءتي العذراء من شدقيك صبّي ما عدت ثانية على عينيك إيذاناً لكسب أين التماس المقلتين وأين أين بكاء قلبي أين ائتلاقك بالوفاء إذا انعطف على المُحب مقطوعة غزلية حملت إحساساًَ عالياً بالحب، وكان توظيف ضحكة السراب حداثة شعرية أعطت النص نكهة ذوات تجديد مع وصفه لبكاء قلبه؛ يحاول العلوان كسر الجمود وتجميل السرد بنصّه من خلال بعض المفردات الجديدة مع حفاظه على وزن القصيدة وإيقاعها كي لا تخرج عن المألوف المتعارف عليه، فالشعر العمودي يمتلك ضوابط وقوانين، حتى أبي العتاهية نظم قصيدة ولم يراع الأوزان فقالوا له لقد خرج عن الوزن قال أنا سبقت الفارابي؛ أي قبل أن يكتشف الوزن والبحور: ماذا أفدت من رحيلك أيها الضارب في آفاق تهيأ أما شاخت عجلات إسفارك أما وهنت أرجل الرياح التي تقلّ مسارك ألا تستريح ولا اختزلت من الخيال ولا اختصرت من السماح أوما عرفت بأن الفجر مزمع لدجى متاح فسلمت أنت يعتمد الشاعر على استعارات صعبة قريبة من الشعر الاكلاسيكي القديم مستخدماً قدرته في صناعة الأفكار، ونصه هذا يوجهه إلى شخصية يشاركه الهم والحزن. إن الذات الشاعرة عند رياض العلوان تحرّكه نحو عاطفة، فالكتابة عنده تصوّرات يختزلها ويترجمها شعراً، ونحن كمتلقّين نبحث في الجوانب الجمالية والمعرفية التي تُطرح، في البداية المخاطب يسأل بطل قصيدته بما استفاد من رحيله، وصفه بالتائه، أي الذي أضاع عمره من غير أن يعرف حقيقته، والمقصود هنا الشاعر العراقي حسين مرادن الذي عرف بالتصعلك، فالعلوان في عنون نصّه إهداء إلى الشاعر حسين مرادن: مع الربيع بهذا المطر نقيمه مهرجاناً فاتن الصور لعلنا نتملّى من خمائله براعم نضجت في باسق الثمر نستلهم الفكر من إبدع مبدعه ونلمس الفن من إيماء مبتكر فكل خاطرة كنها تبدو لروعتها كأنها باقة من رائع الزهر وكل قافية تنساب نغمتها كأنها نسمة عابق السحر ورب أخيلة تبدو بلوحتها كأنها حيّة باللمس والنظر حضور مميّز للجمال في أبيات الشاعر وهو يصف جمال الطبيعة وسحرها، إن الشعر إرهاصات يعيشها الشاعر ويترجمها على شكل نص، كما نجد في قصيدة رياض العلوان سعة من الخيال بتصويره للمشهد الجمالي وتوظيفه للشعر من خلال ذكره للقافية؛ إنها لوحة رسمها من خلال مخيّلة أعطته قدرة تجسّد الموقف، وهذه المقطوعة تذكّرني بقصيدة جميلة للشاعر العربي الكبير أبي الطيّب المتنبي الذي وصف جمال إيران وسحر منظرها حين قال: مَغَاني الشِّعْبِ طِيباً في المَغَاني بمَنْزِلَةِ الرّبيعِ منَ الزّمَانِ بعد هذه الرحلة الاستكشافية في نصوص الشاعر العلوان تتضح لنا مقدرة الشاعر على صناعة منجز جيّد وطرحه في الساحة.