تحت سقف الوجود البشري تصبح رحلتنا الحياتية أشبه بأنفاق ضيقة كئيبة مظلمة وصحارى قاتلة بحرها والعناء وطبيعتها القاسية وغابات معتمة يسودها العنف والاقتتال والغدر والاحتيال إذ لم يكن ذاك الوجود بفضائه والسبل وبساطه ومسالكه والأعمدة منسوجاً من درر الإنسانية ورواده وقاداته ومرتاديه والمقيمين على أرضه والسالكين على دربه والقاطنين فيه يقدسون مبادئها العظيمة بعشق أسطوري وثبات متين لأخلاق الدين ورسوخ العقيدة فعندما يغدر البشر بإنسانيتهم ويعمل المرء جاهدا بتصرفاته الداعمة لقوى الشر والأحقاد على النفي والإبادة والطرد والإحالة والترحيل والإهانة لقيمها النبيلة التي يكتسب بها الوجود قيمته والأهمية وآثارها المضيئة في رحلتنا الحياتية فإنه يطفئ بذلك نور الأمة البشرية وضياء الألفة والمحبة والإخاء في الروح البشرية ويبدد بذلك معنى الإنسان ومضمون الحياه والجوهر فيعبث بجمال الوجود ووهج العدل والدين ويركض إعماء في دروب الظلم والظلام ودهاليز التمرد والعصيان الداخلي لطبيعة الروح البشرية مستهينا ساخرا عابثا بمن أعطاه المولى حق البقاء على قلب هذا الوجود وجائرا ظالما لنفسه التي اقتلع من أعماقها جذور الإنسانية فأصبحت جرداء متصحرة ومستعمرات مظلمه بجبروت الظلم والوحشية وطغيان الشر وسعير الأنانية وذاك السباق والتباهي الكبير بالاختراع والتطوير لتقنيات جديده تدير الشر في تلك البقاع القاحلة ومن ثم اختراق وانتهاك تلك الأفياء المحصنة بحدود الحق وأسوار الملكية وقوانين العدل وحراسة الضمير والدين والإنسانية فتلك الجوانب المظلمة في المنظومة الحياتية ترجع حقيقة أسبابها إلى رحيل الإنسانية والهجر والإخلاء لمواقعها الراقية وتجميد الأثر والتأثير العظيم الذي يسمو بالروح ويحلق بها في سماء العدل والإحساس وفضاء الوجد والمحبة فالوجود إذا تعرى من قيم الإنسانية واستبدلها برداء العداء وقواعد عديمة الإحساس الإنساني تتجلى وتعبث فيه مظاهر الفساد التي تنخر في الروح البشرية فتتصارع وتقتل بعضها في أسوأ معركة كونية وأكثرها شراسة لا انتصار فيها لأحد فهي معركة اخوية مأساوية دامية تختل بها منظومة القيم الإنساني وطبيعة الحياة وغايتها وجمالها الرباني. فما اقسى ذاك الرحيل الذي يقرر للبشرية ذاك المصير الذي يهبط بالفكر والمستوى والمكانة من فوق الثريا عالياً إلى وحل الأرض وغبار الثرى ويزيح من دنيا الوجود كل شيء جميل ويترك لنا فقط الشكل واللون والمظهر ويدفع بنا إلى عالم آخر ما ارتضاه لنا الخالق بل رفع من شأننا وكرمنا وميزنا عنهم واصطفانا عن سائر مخلوقات هذا العالم لكن الأمة البشرية هي من جنت على نفسها باقترافها ذنب لا يغتفر عندما أقدمت على ترحيل الإنسانية وتركت الروح تتخبط في زوايا الأرض الوجودية بحثا عن الإنسان في قلب ذاك الازدحام البشري الهائل يقتادها الحنين إلى أحضان الإنسانية وثرائها والعطاء والأمل والرجاء بأن لا نظل كلنا غرباء على هذه المعمورة والكل فيها ينكر الكل.