لكن الجديد في رأيي أن موجة التحريض ضد التيارات الإسلامية عموما, والسلطة الشرعية المنتخبة خصوصا, هذه الموجة الرعناء التي يمارسها بعض أذناب العهد البائد في وسائل الإعلام, حتي تلك التي تمولها الدولة, مع الأسف, بدأت تؤدي علي أرض الواقع إلي نتائج عكسية, وعبر أكثر من لقاء جماهيري شاركت فيه الأسبوع الماضي في الريف والحضر, أدركت أن وعي الظهير الشعبي للتيارات الإسلامية, هو الصخرة التي بدأت تتحطم عليها موجات هذا التضليل المستمر. اكتشف الناس في ربوع مصر المحروسة أن ما ينشر في وسائل الإعلام المختلفة, وأن ما تناقشه فضائيات رجال الأعمال, الذين ارتبطوا بمصالح فاسدة مع النظام السابق, وأن ما يطرحه رموز اليسار والناصرية ومدعو القومية والليبرالية لا يعبر عن الواقع, وأن المبالغة الشديدة أفقدتهم الثقة في ما تقدمه هذه النخبة من معلومات وآراء, وبدأ الكثيرون يتساءلون عن الأهداف الحقيقية التي تكمن خلف هذا التضليل السياسي المتعمد, وكما يقال: الأمر إذا زاد عن حده انقلب إلي ضده. رجل الشارع البسيط يلاحظ أن هذه الأحزاب والقوي العلمانية تتفرغ الآن فقط لتشويه صورة الإسلاميين, وإهالة التراب علي أي إنجاز يقومون به, وكأن هؤلاء مجموعة من الشياطين هبطوا علينا من السماء, وفي نفس الوقت لم تقدم هذه القوي أي مبادرة أو فكرة حقيقية لدعم المواطن البسيط, الذي يعاني الكثير من الأزمات, بل إن حالة الفوضي التي تفتعلها هذه الأحزاب, تؤثر كثيرا علي فرص تحسن الاقتصاد بما يساهم في تحقيق ظروف معيشة أفضل لصالح ملايين الفقراء. المعارضة اليسارية والليبرالية فقدت بالفعل كثيرا من الذين تعاطفوا معها في البداية, أملا في تحقيق توازن وتنافس حقيقي مع التيارات الإسلامية في العمل السياسي, ورغبة في وجود مشروعات وأفكار تنموية حقيقة تتباري لمصلحة الوطن والمواطن, بسبب توفيرها غطاء سياسيا تحريضيا للعنف الذي يمارسه البلطجية حاليا, ولم تبذل أي جهد ملموس للنزول إلي الشارع, وتقديم أفكارها وبرامجها ورموزها للناس, حتي تحصل علي ثقتهم وأصواتهم في البرلمان القادم. العمل السياسي الميداني مع الجماهير, والنزول إلي رجل الشارع, والتفاعل مع المشكلات الحقيقية للمواطن, هو الطريق الصحيح للوصول إلي السلطة وتولي المسئولية, وإن كان البعض يتصور أن النظام الحالي, الذي جاء لأول مرة بإرادة الناخبين الحرة, يمكن أن يتغير بغير المسار الديمقراطي الطبيعي, الذي عملنا من أجل الوصول إليه طويلا, وضحينا كشعب بدماء الشهداء, وجراح المعذبين, وآلام المحبوسين في المعتقلات, وقسوة الظلم والفساد, فهو واهم يضحك علي نفسه. لا أهتم كثيرا بمجموعة الصبية الصغار, الذين يقذفون قصر الرئاسة( رمز الدولة) بالحجارة وزجاجات المولوتوف بلا هدف, أو يثيرون المتاعب هنا وهناك, لأن تطبيق القانون بجدية وحزم كفيل بإنهاء هذه الصور الكريهة, ولكني مشغول أكثر بمدي التزام المعارضة بالمسار الديمقراطي, وحقيقة احترامها لإرادة الشعب التي يعبر عنها في صناديق الانتخابات, وهل لديها بالفعل القدرة علي تقديم برنامج سياسي حقيقي وواقعي لأن هذه النقاط هي التي تحدد طريق المستقبل لهذا الوطن. ثورة يناير الرائعة زادت من مساحة الوعي والنضج السياسي في المجتمع المصري كله, وزادت أيضا من إصرار الجميع علي رفض كافة أشكال الاستبداد والظلم والطغيان, ولم يعد مقبولا من أي قوي سياسية أن تتحدث باسم الشعب إلا إذا فوضها بذلك, عبر انتخابات حرة ونزيهة.