إبراهيم الملا (الشارقة)- في بادرة إنسانية ولمسة وفاء مقدّرة تجاه الفنان التشكيلي الإماراتي محمد أبو لحية الذي يمرّ خلال هذه الفترة بأزمة صحية حرجة، خصص المعرض العام لجمعية الإمارات للفنون التشكيلية، المقامة دورته الحادية والثلاثين حالياً، في متحف الشارقة للفنون، جناحاً مستقلاً لواحد من أهم الفنانين المحليين الذين يعتمدون في إنتاج أعمالهم على الفطرة والموهبة والحدس الذاتي في تطويع الخامة وإنتاجها فنياً، كما أصدرت الهيئة المشرفة على المعرض كتيباً خاصاً احتوى على السيرة الذاتية للفنان، وصور أرشيفية لنماذج من أعمال نحتية، اعتمد فيها على خامات متنوعة مثل الحديد والبرونز والخشب والحجر والمواد البلاستيكية، وضم الإصدار أيضاً قراءة نقدية مكثفة من الفنان والباحث علي العبدان الذي تحدث عن تجربة أبو لحية من جوانب ووجوه فنية متعددة. المعرض ضم المعرض أعمالاً نحتية من مراحل متفاوتة في مسيرة أبو لحية أثناء بحثه عن ماهية العمل الفني، وكان رهانه على بواعث اللاوعي والمصادفة، أقرب إلى إشراقة روحية ممتزجة بخبرة ومراسٍ في تطويع المواد الصلبة والعشوائية، هذا المحفّز الداخلي جعله يعكف على التنقيب في جوهر الفن من خلال الخامات المستهلكة، والتي يمكن بواسطة تكنيكات بدائية ونظرة ذاتية مغايرة أن تتحول إلى أشكال موحية، تتحدث بصمت عن وقار مستتر وجاذبية مبثوثة فيها، وتشع من عمق التفسيرات اللانهائية لمعنى ومضمون الجمال، وما يختمر فيه من أنساق ودلالات وتأويلات تتجاوز ما هو ثابت ومصمت ومهمل في حياتنا. يصف الفنان محمد أبو لحية، في مناسبة سابقة، تجربته بأنها قائمة على اكتشاف كنه الأشياء وأصلها وهدفها، وبالتالي الكشف عن مادتها الأساسية، ويضيف "إن حياتنا يجب أن تعتمد على ماهيتنا وليس على عالم تجهيزاتنا، حيث التجزئة أصبحت هي البديل المستعار لحقيقة نفوسنا، ذلك أن المصدر الرئيسي ليس بخارج الإنسان بل في داخله، وبالتأكيد أن هذا هو المصدر الأفضل للوصول إلى مجابهة عالمنا الذي بات مبنيا على الوهم والسراب". إن هذا الوهم أو هذا السراب الذي يتحدث عنه أبو لحية تحوّل في أعماله من مجرد أمثولة مقيتة وغير مبررة إلى كتلة متعينة وصلدة تحوم حولها التعبيرات المكثفة عن الصدمة البصرية، ليس من جانبها اللحظي أو السلبي كما يتبادر للذهن من الوهلة الأولى، ولكن من جانبها الروحاني الذي يمنح تجلياته لكل من يملك البصيرة والشفافية القصوى في التعامل مع العناصر المحيطة به. تنطق أعمال أبو لحية بإيقاعات وترانيم موسيقية بصرية مضادة للانطباع الأول أوالتعاطي المباشر مع شغله النحتي، ذلك أنها أعمال تسعى من خلال تنويع الخامات الأساسية فيها إلى التعبير عن لغة الطبيعة ذاتها، فالحجر والرمل والبازلت والحديد، إنما هي عناصر تعكس التمايز التكويني والثراء اللوني والانتباهات الفطرية العميقة في طفولة البشرية ذاتها، وهذه الانتقالات الرشيقة في أعمال أبو لحية بين التجسيد والترميز والأشكال النباتية والإنسانية والأخرى المحايدة المنقادة لنداء الحلم والغموض السحري، إنما تؤكد حرية الفنان وانتصاره للتجريب حتى داخل المختبر أو الأسلوب الفني الواحد والمتماثل، وهي انتقالات تكتشف عن مغامرة وفضول ورغبة في اقتحام الفن من بابه الواسع والمشرع على السؤال والدهشة الإنسانية الخارجة من ينابيعها الأولى. ... المزيد