بالأمس حل علينا عام هجري جديد، وعند رأس كل عام هجري جديد دائما ما يتذكر المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها ذكرى الهجرة النبوية، والتي مثلت حدثاً عظيماً وجليلًا غير وجه التاريخ البشري، وقد أرسى فيها النبي صلى الله عليه وسلم قيماً ودروساً عديدة، يجب أن يستفيد منها المسلمون في الوقت الراهن، ليعيدوا لأمتهم مجدها المسلوب من خلال تبني رسالة المهاجرين الأوائل في العمل الجاد من أجل إعلاء كلمة الله وإقامة المجتمع الصالح، فلا ينبغي أن تمر هذه الذكرى مرور الكرام، ومن الضروري أن نتخذ منها العبرة والعظة لظروفنا وأحوالنا المعاصرة، فما أحوجنا اليوم إلى دروس وقيم الهجرة النبوية حتى تتجاوز الأمة الإسلامية الظروف الصعبة التي تعيشها الآن، وحتى يكتب الله لها النصر والتمكين والثبات. أحمد مراد (القاهرة) - يؤكد الدكتور علي جمعة مفتي مصر أن للهجرة معنى مهماً في ذاته نراه عند جميع الأنبياء، فإبراهيم هاجر طلبا للإيمان، وموسى هاجر إلى أرض مدين طلبا للأمن، وإسماعيل هاجر إلى أرض مكة لإقامة البيت على قواعده، ويعقوب هاجر إلى مصر للحاق بيوسف وأخيه، وهكذا لو تتبعنا هجرة الأنبياء لوجدناها كانت لأغراض كثيرة، فأصبحت منهج حياة لطلب الرزق أولطلب العلم أو لطب الأمن أو لطلب الإيمان أو غير ذلك، ولذلك كان لابد أن يكون للهجرة معنى مستمر لمكانتها المهمة من الدين سواء أكان أحدنا ينتقل من مكان إلى مكان أو من حال إلى حال، أما الانتقال من مكان إلى مكان، فقد ورد أنه إذا رأى المرء منكرا فليزله أو فليزُل عنه، وهذا منهاج قوي في مقاومة الفساد وعدم الرضا به، يرتبط ارتباطا عضويا مع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهو ما طوره المسلمون قديما في نظام الحسبة وحديثا في المؤسسات الرقابية. مقاومة الفساد ويتابع مفتي مصر: أما الانتقال من حال إلى حال فيتمثل في التوبة والرجوع إلى الحق وعدم اليأس من الوقوع في فعل الذنب لأن الاستمرار فيه أشد من الوقوع فيه، وقضية التوبة هذه هي أساس الرقابة الذاتية للإنسان على نفسه كما قال عمر بن الخطاب في خطبته "حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوا أنفسكم قبل أن توزنوا، وتزينوا للعرض الأكبر، يوم تعرضون لا تخفى منكم خافية"، وعلى هذا المفهوم فإن الهجرة أمر مستمر يدخل في الحياة اليومية للمؤمن، فضلا عن أن مفهومها من ناحية أخرى واسع لا يقتصر على النُقلة المكانية، وقد أصبحنا في أشد الحاجة إلى هذا المفهوم في عصرنا الحاضر حيث يشمل مقاومة الفساد والإفساد. ويقول الدكتور جمعة: هناك العديد من الدروس المستفادة من الهجرة النبوية، ومن الضروري أن يستفيد المسلمون منها في الوقت الحاضر، حيث تعلمنا الهجرة أن الإنسان إذا تنازعت فيه النوازع الأرضية والنداءات السماوية، عليه أن يؤثر الجانب الأسمى والأبقى فلا أحد يستطيع أن ينجيه من عذاب الله، فالهجرة في حقيقتها هجران للباطل وانتماء للحق، وابتعاد عن المنكرات، وفعل للخيرات، وترك للمعاصي، وانهماك في الطاعات. خطة محكمة للهجرة ... المزيد