من المؤسف أن ألمانيا لا تزال تعارض بشدة إصدار سندات اليورو. فمنذ طرحت المستشارة أنجيلا ميركل الفكرة للتصويت، لم تُناقَش من بعد ذلك قط. ويبدو أن الرأي العام الألماني لا يدرك أن الموافقة على سندات اليورو يعني مخاطر وتكاليف أقل كثيراً من الاستمرار في القيام بالحد الأدنى من الجهد للحفاظ على اليورو. الواقع أن ألمانيا لديها الحق في الاعتراض على سندات اليورو، ولكن ليس من حقها أن تمنع الدول المثقلة بالديون من الإفلات من بؤسها من خلال التكاتف معاً وإصدار السندات. وإذا كانت ألمانيا معارضة لسندات اليورو، فينبغي لها أن تفكر في ترك اليورو. ومن المدهش في الأمر أن سندات اليورو التي قد تصدر في غياب ألمانيا سوف تظل تضاهي سندات الولاياتالمتحدة والمملكة المتحدة واليابان. والسبب بسيط، فلأن كل الديون المتراكمة مقومة باليورو، فإن التعرف على أي الدول قد تترك اليورو يشكل فارقاً بالغ الأهمية. فإذا تركته ألمانيا، فإن قيمة اليورو سوف تنخفض، وتستعيد الدول المدينة قدرتها التنافسية، وسوف تتقلص ديونها بالقيمة الحقيقية، وإذا أصدرت سندات اليورو فإن التهديد بالعجز عن السداد سوف يختفي وفجأة تصبح ديونها مستدامة. ومن ناحية أخرى، فإن أغلب أعباء التكيف سوف تقع على كاهل الدول التي تركت اليورو فتصبح صادراتها أقل قدرة على المنافسة، وقد تواجه منافسة قوية من المتبقي من دول منطقة اليورو في أسواقها الداخلية، هذا فضلاً عن الخسائر التي ستلحق بمطالباتها واستثماراتها المقومة باليورو. وفي المقابل، فإذا تركت إيطاليا منطقة اليورو فإن أعباء ديونها المقومة باليورو ستصبح غير مستدامة ويصبح من الواجب إعادة هيكلتها، وهو ما من شأنه أن يغرق النظام المالي العالمي في الفوضى. لذا فإذا كان لزاماً على أي جهة أن تنسحب فلا بد أن تكون ألمانيا، وليس إيطاليا. وهناك مبرر قوي لحمل ألمانيا على اتخاذ القرار، فإما أن تقبل سندات اليورو أو تغادر منطقة اليورو، ولكن ليس من الواضح أي الخيارين أفضل بالنسبة للبلاد. والناخبون الألمان هم وحدهم المؤهلون لاتخاذ مثل هذا القرار. إذا تم إجراء استفتاء في ألمانيا اليوم، فإن أنصار الخروج من منطقة اليورو سوف يفوزون بكل سهولة، ولكن التفكير بقدر أكبر من العمق من شأنه أن يحمل الناس على تغيير نظرتهم إذ إنهم سوف يكتشفون أن التكاليف المترتبة على تصريح ألمانيا بإصدار سندات اليورو مبالغ في تقديرها إلى حد كبير، وأن تكاليف التخلي عن اليورو أيضاً مبالغ في الاستخفاف بها. والمشكلة هي أن ألمانيا لم تُرغَم على الاختيار فهي قادرة على الاستمرار في عدم القيام بأي شيء أكثر من الحد الأدنى للحفاظ على اليورو، ومن الواضح أن هذا اختيار ميركل المفضل، على الأقل إلى ما بعد الانتخابات المقبلة. من المؤكد أن أوروبا ستكون في حال أفضل كثيراً إذا اختارت ألمانيا بشكل حاسم بين سندات اليورو والخروج من منطقة اليورو، بصرف النظر عن النتائج؛ بل إن ألمانيا أيضاً ستكون في حال أفضل. والواقع أن الموقف يتدهور، ومن المحتم أن يصبح في الأمد الأبعد غير مستدام. إن التفكك غير المنضبط الذي يؤدي إلى تبادل الاتهامات والادعاءات من شأنه أن يجعل أوروبا في حال أسوأ مما كانت عليه عندما شرعت في تنفيذ فكرة التوحيد الجريئة. ومن المؤكد أن هذا لا يصب في مصلحة ألمانيا. بالتنسيق مع «بروجيكت سنديكيت»