يرى مايكل نايتس زميل برنامج «ليفر إنترناشونال» في بوسطن التابع لمعهد واشنطن، والمتخصص في الشؤون العسكرية والأمنية للعراق وإيران ودول الخليج في تقرير مفصل نشر أمس الأول بعنوان: «بعث الرسالة الصحيحة في سوريا: دروس من الضربات السابقة» أن استخدام ضربات عقابية ضد سوريا هو أمر صعب بلا شك، لكنه ليس مستحيلاً، والتعلم من دروس العمليات السابقة من شأنه أن يساعد في زيادة فرص نجاح تلك الضربات. ويطرح نايتس رؤيته الإستراتيجية تلك من خلال 6 محاور: 1- آليات الحملة الجوية 2- دروس من ضربات سابقة 3- توقيت الضربة 4- المواقع المستهدفة 5- استخدام أو بدون العنصر البشري 6- التواصل بشأن المهمة ويبدأ نايتس تقريره بالقول إن التكهنات حول عملية عسكرية وشيكة ضد النظام السوري تجعل بالإمكان التكهن بالكثير من جوانب العملية العسكرية المرتقبة، وبدرجة كبيرة من المعقولية، مثل أن تتم العملية بحرًا وجوًّّا دون تدخل عسكري على الأرض، وأنها ستستغرق بضع ساعات، أو بضعة أيام، ويمكن أن تكون التهديدات بالرد واضحة، إلاّ أن المعتقد أن التخطيط للعملية لا يشتمل فرض منطقة حظر طيران، وسيتم ربط غاياتها وأهدافها بالضربات الكيميائية التي استهدفت المدنيين في غوطة دمشق يوم 21 أغسطس الماضي. وتوضح تلك النقاط الكثير من أوجه الشبه بعمليات مشابهة جرت في الماضي، وكيفية الاستفادة منها في هذه العملية الوشيكة. الآليات: تضم أي حملة جوية عقابية أو رادعة مجموعة من العناصر الأساسية التي تحدد طابعها، وكيف ستكون ردود الفعل حيالها، ومدى فاعليتها المحتملة. هذه العناصر يمكن استعراضها على النحو الآتي: التوقيت: للحفاظ على الجريمة والعقاب وردع الاعتداءات المتكررة، فإن الضربات غالبًا ما تتم بعد العدوان بوقت قصير. لكن في بعض الحالات، تقوم بعض الحكومات باختيار توقيت يتم تحديده وفق ظروف معينة تتعلق بالجاهزية أو المفاجئة، أو لإتاحة الوقت لجمع الأدلة. المواقع المستهدفة: استبعاد أو اختيار المواقع المستهدفة يشكل الملامح الرئيسة للحملة الجوية. فتحديد أولويات الأهداف عامل مهم، لأن أي حملة جوية من هذا النوع تفقد قدرًا كبيرًا من عنصر المفاجأة بمجرد أن تبدأ، كما أنها يمكن أن تنتهي في أي لحظة. التسليح: اختيار الأسلحة التي سيجري استخدامها يمكن أن يشكل بدرجة كبيرة طبيعة وإمكانية نجاح الحملة الجوية، ولأن القرارات يمكن أن تأخذ في الاعتبار مستوى الأضرار الجانبية، فإن العسكريين يفضلون المخاطرة بضرب مجموعة محددة من الأهداف. العمليات المعلوماتية: إستراتيجية الاتصالات المصاحبة للحملة إمّا أن تؤدّي إلى تضخيم أو تعطيل الآثار الناجمة عن الضربات التي تستهدف عناصر بشرية والهجمات السيبرانية (الإلكترونية). دروس الماضي تضمنت العقود الثلاثة الماضية العديد من نماذج الحملات الجوية العقابية في ليبيا (1986) - العراق (1993) - القاعدة في أفغانستان والسودان (1998) - الصرب (1995و1999) - العراق خلال عقد التسعينيات (منطقة حظر الطيران) - العراق (1996) - العراق مرة أخرى (1998). ويمكن القول إن معظم هذه العمليات لم تكن مرضية بشكل كافٍ، وأنها أثارت العديد من التساؤلات حول مدى فاعليتها. فمن المعروف أن الحملات الجوية العقابية أو الرادعة صعبة للغاية، لأنه من الصعب تغيير الأنظمة المارقة بدون التخلص من التهديد الذي تمثله القوات الأرضية. وفي كثير من الأحيان، نفذت واشنطن هذا النوع من الحملات مضطرة، وإن لم تؤدِّ إلى تغيير النظام، أو التقليل من قدرته على ارتكاب المزيد من الجرائم. لكن مهما كانت فاعلية تلك الحملات، فإنها تقدم دروسًا مفيدة حول التوقيت، وانتقاء الأهداف، والتكتيكات التي يستحب اتباعها في هذا النوع من الحملات الجوية. متى سنضرب؟ غالبية الضربات التي تمت في السابق، جرت بسرعة لردع أي تجاوزات أخرى مستقبلية، على سبيل المثال ضربة الصحراء تمت بعد 4 أيام من غزو صدام حسين لكردستان العراق (1996). لكن واشنطن أمضت أكثر من شهرين لتطلق صواريخ كروز بعد المحاولة التي دعمتها العراق لاغتيال جورج بوش الأب عام 1993. والدرس المستفاد هنا، ليس السرعة أو التباطؤ في اتخاذ قرار الضرب، فالمستحب إعطاء المخططين القدر الكافي من الوقت لضمان عملية ناجحة. ماذا سنضرب؟ يشكل تحديد الأهداف المناسبة التي يتعين ضربها مشكلة كبيرة، فمعظم تلك الأهداف لا تظهر على الخريطة، ويتم تمويهها بشكل كبير. وخلال عملية ثعلب الصحراء (1998)، أدى رفض صدام حسين السماح لفريق التفتيش الدولي إلى قيام واشنطن بحملة لكشف مواقع أسلحة الدمار الشامل، وعندما لم تعثر على أيّ منها قامت بقصف مقار الاستخبارات العراقية، وهذا يضر بالمصداقية الأمريكية. ويمكن ملاحظة أن العديد من الحملات الجوية الأمريكية التي جرت في التسعينيات تضمنت ضربات (إضافية) لم يكن مخططًا لها، وكان المبرر أن التخلص منها يمكن أن يكون مفيدًا فيما بعد. الدرس المستفاد هنا ينبغي على واشنطن الالتزام بأهداف يتم التخطيط لها وتحديدها بعناية فائقة قبل القيام بالحملة. هل نستخدم الطائرات بدون طيار؟ بالرغم من أن صواريخ كروز جرى تطويرها بشكل كبير، وبالرغم من استخدام واشنطن لطائرات درون على نطاق واسع في الآونة الأخيرة، إلا انه من غير المستحب استخدام هذه الطائرات في العملية المرتقبة ضد سوريا، لما يشكله ذلك من آثار سلبية، كونها تحمل رسالة واضحة من طرف واحد بأن المصالح الأمريكية ليست على المحك. الاتصالات مهمة من الضروري بمكان أن تشرح واشنطن الأهداف السياسية بحذافيرها للمخططين العسكريين، وأيضًا للعامة. فإذا كانت واشنطن تهدف من الضربة الانتقام ضد الهجوم الكيميائي الذي شنه النظام على الغوطة الأسبوع الماضي، فيتوجب أن تعلن ذلك بوضوح، أما إذا كان الهدف توجيه عقاب قاسٍ للنظام، وأن هذه الضربة ستفتح المجال أمام ضربات أخرى مستقبلاً فعليها أن توضح ذلك أيضًا منعًا لأي لبس أو سوءًا للفهم.