ذكرى استشهاد الامام الصادق (ع) بالمدينةالمنورة الامام الصادق(ع) محيي السنة المحمدية ومجدد علوم الشريعة الالهية ولد الامام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام وترعرع الصادق في كنف جده الامام علي بن الحسين السجاد عليهما السلام وابيه الامام محمد الباقر عليه السلام وعنه أخذ علوم الشريعة ومعارف الاسلام. طهران (العالم) وهكذا فان الصادق عليه السلام يشكل مع آبائه الطاهرين حلقات متواصلة مترابطة متفاعلة، حتي تتصل برسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، فهي تشكل مدرسة وتجربة حية يتجسد فيه الاسلام الاصيل وتطبق فيها احكامه وتحفظ مبادئه. فان الائمة من اهل البيت عليهم السلام ورثوا العلم ابنا عن أب الي علي بن ابي طالب عليه السلام الذي قال رسول الله (ص) فيه: (انا مدينة العلم وعلي بابها). وهو بذلك ينتهي الي رسول الله (ص) وهو الوارث لعلومه ومعارفه. من هنا كان الامام الصادق (ع) يحمل الاسلام بنقائه وصفاته كما نزل علي رسول الله (ص) وبلغه، ولذا قصده العلماء من كل مكان يبغون علمه ويرجون فضله حتي جاوز عدد تلاميذه آلالاف الذين نقلوا العلم الي مختلف الديار فكان الصادق بحق محيي السنة المحمدية ومجدد علوم الشريعة الالهية. كانت شخصية الامام العظيمة بما تجسد فيها من هدي الاسلام وبما حملت من نور تجذب الناس اليه وكان بما حمل من علم وفهم وخلق واخلاص لله تعالي يذكرهم بسيرة الرسول الاكرم (ص) والسابقين من اهل بيته عليهم السلام. ولم يحتل احد المكانة المرموقة والمقام السامي في عصر الامام جعفر بن محمد عليه السلام كالمكانة التي احتلها هو. فعامة المسلمين وجمهورهم كانوا يرون جعفر بن محمد (ع) سليل بيت النبوة وعميد اهل البيت ورمز المعارضة للظلم والطغيان الاموي والعباسي وحبه والولاء له فرض علي كل مسلم مصداقا لقوله تعالي: (قل لا أسالكم عليه أجرا إلا المودة في القربي) الشوري/23 . ففي حياة الامام الصادق عليه السلام وفي اواخر الحكم الاموي ازداد ظلم الامويين واشتد إرهابهم وتعاظمت نقمة الامة عليهم وكان طبيعيا - كما يشهد التاريخ - ان يكون آل البيت هم الطليعة والقيادة والشعار المحبوب لدي جماهير الامة. لذا بدأت الحركة ضد الحكم الاموي باسم آل البيت، وأعلن دعاتها انهم يدعون لعودة الخلافة الامامة لاصحابها الشرعيين، وانهم يدعون الي الرضا من آل محمد (ص) اي الي من هو اهل للامامة والخلافة من ذرية فاطمة بنت محمد رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم. ومع ذلك فاننا نشهد بعد الامام الصادق عليه السلام عن هذه المعركة وانسحابه من المواجهة المكشوفة لانه كان يعرف النتائج التي ستنتهي اليه الحوادث، فهو يعرف ان الشعارات زائفة والدعوة مبطنة ليست صادقة في مدعاها وان اهل البيت سيكونون هم الضحية بعد ان يسيطر العباسيون علي الحكم لذا حذر العلويين من الاندفاع خلف الشعارت والانخداع بها. وصدق الامام عليه السلام، فقد وقع ما اخبر وحدث ماكان يحذر منه. وقد عاصر الامام كل الادوار السياسية في تلك الفترة وشاهد بنفسه محنة آل البيت عليهم السلام وآلام الامة وآهاتها وشكواها وتململها، الا انه لم يكن ليملك القدرة علي التحرك ولم يستطع المواجهة لاسباب عديدة. لذا راح الامام عليه السلام يربي العلماء وجماهير الامة علي مقاطعة الحكام الظلمة ومقاومتهم عن طريق نشر الوعي العقائدي والسياسي والتفقه في احكام الشريعة ومفاهيمها ويثبت لهم المعالم والأسس الشرعية والواضحة كقوله عليه السلام: (العامل بالظلم والمعين له والراضي به شركاء ثلاثتهم) الاصول من الكافي ج 2 . بعد سقوط الدولة الاموية واستيلاء العباسيين تنكر العباسيون لآل الييت عليهم السلام وراحوا يفتكون بهم بعد ان كانت دعوتهم تتستر تحت شعار الدفاع عن آل البيت (ع) وتعرض مظلوميتهم وتستميل الناس بحبهم. عاني العلويون اشد المعاناة كما عاني غيرهم من ظلم بني العباس وجورهم واستبدادهم حتي ان خليفتهم الاول (ابا العباس) سمي بالسفاح لكثرة ما اراق من الدماء واشتدت المحنة علي الامام الصادق عليه السلام وضيق عليه. وحينما تولي ابو جعفر المنصور الخلافة ازدادت مخاوفه من الامام الصادق (ع) واشتد حسده لتفوق شخصية الامام عليه السلام وعلو منزلته في النفوس وذيوع اسمه في الآفاق وشموخ مكانته العلمية. لذلك عمد المنصور الي استدعاء الامام الصادق (ع) وجلبه من المدينة الي العراق عدة مرات ليحقق معه ويتاكد من عدم قيادته لحركات سرية ضد الحكم العباسي. وكم حاول المنصور ان يستميل الامام الصادق (ص) الي جانبه، إلا انه فشل لان الامام عليه السلام كان يفرض مقاطعة علي الحكم العباسي وكان يعرف ان مقاطعته ترسم موقفا شرعيا للمسلمين وتكشف انحراف السلطة فتضعف مركزها في النفوس. وقد كتب المنصور الي الامام الصادق عليه السلام يطلب فيه قرب الامام عليه السلام ومصاحبته ومما جاء في الكتاب: (لِم لا تغشانا كما يغشانا الناس)؟. فكتب اليه الصادق عليه السلام: (ليس لنا ما نخافك من اجله، ولاعندك من أمر الاخرة ما نرجوك له، ولا انت في نعمة فنهنئك، ولا نراها نقمة فنعزَيك). فكتب اليه المنصور: (تصحبنا لتنصحنا). فأجابه الصادق عليه السلام: (من أراد الدنيا لاينصحك، ومن أراد الاخرة لايصحبك). وقد ذكرت بعض الروايات ان المنصور نوي قتل الامام عليه السلام اكثر من مرة، إلا ان الله سبحانه وتعالي دفع عن الامام ذلك. فقد روي ابن طاووس في كتابه نهج الدعوات ان المنصور استدعي الامام الصادق (ع) سبع مرات لفتك به ونجاه الله من كيده . هكذا عاش الامام الصادق عليه السلام هذه الاجواء السياسية المضطربة في جو مشحون بالعداء والارهاب والتجسس والملاحقة إلا انه استطاع بحكمته وقوة عزيمته ان يؤدي رسالته وان يفجر ينابيع العلم والمعرفة ويخرج جيلا من العلماء والفقهاء والمتكلمين. والذي يتابع منهج الامام عليه السلام، ومهمته العلمية يكتشف ان الامام كان يستهدف بعمله ومدرسته الاهداف الآتيه: اولا- حماية العقيدة من التيارات العقائدية والفلسفية الالحادية والمقولات الضآلة، كالزنادقة والغلو والتأويلات الاعتقادية التي لاتنسجم وعقيدة التوحيد. وقد جاهد الامام الصادق (ص) وناضل من اجل الدفاع عن عقيدة التوحيد ضد الملحدين والزنادقة، كما جاهد ضد الغلاة الذين حاولوا ان يتستروا تحت اسم اهل البيت عليه السلام ويخلعوا عليهم صفات الربوبية والالوهية. وقد برأ الامام عليه السلام من هؤلاء الخارجين علي عقيدة التوحيد كما برأ آباؤه عليهم السلام من قبل. ثانيا- نشر الاسلام وتوسيع دائرة الفقه والتشريع وتثبيت معالمها، وحفظ اصالتها إذلم يروا عن احد الحديث ولم يؤخذ عن امام من الفقه والاحكام ما اخذ عن الامام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام. بعد هذا العمر المليء بالعلم والعمل والسعي والجهاد والفضل والتقوي فارق حفيد الرسول الاعظم الامام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام الحياة مسموما مظلوما محتسبا منيا الي الله تعالي صابرا علي كل ما اصابه من ظلم وجور منيرا للامة طريق سعادة الدارين، رافعا للاجيال راية الكفاح من اجل الحفاظ علي شريعة الله تعالي، ومقاومة كل ضلال وانحراف او بدعة او هوي. ودس إلى الإمام الصادق عليه السلام السم في زمن الخليفة العباسي أبي جعفر المنصور الدوانيقي، فاستشهد مسموماً في الخامس والعشرين من شوال 148 ه ،وكانت شهادته عليه السلام بالمدينةالمنورة ودفن في مقبرة البقيع مع ابيه وجده وجدته فاطمة الزهراء عليها السلام وعمه الحسن السبط بن علي عليه السلام. /2805/