"إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولاً كريماً واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل ربي ارحمهما كما ربياني صغيرا "الإسراء". تعد هذه الآية من أعظم وأحكم آيات القرآن الكريم في تنظيم العلاقات الأسرية بين البشر، بما تحمله من كلمات مؤثرة، وصورة تعاطف عظيمة رحيمة بين الكبير والصغير، بين الوالد والابن، بين العجوز والشاب، وتشكل في مجملها مسارات توجيه كريم في حب الوالدين وطاعتهما، والاعتناء بهما عند الكبر، وحسن التعامل معهما، والصبر عليهما، والرحمة الصادقة، والخضوع المطمئن بالقول والفعل احتراماً لهذه السنوات الطويلة، وتقديراً للشيب الذي اعترى الرأس، وعظم دورهما في مسيرة الحياة. وفي المقابل ما نسمعه ونراه في المجتمع، من جحود وقسوة بعض الأبناء والبنات مع والديهم عند الكبر، فإنه يُبكي الحجر ويربط اللسان، وتعجز الكلمات عن وصفه، فكم من مسن ومسنة تقاذفهم الأبناء بينهم كمسؤوليات مزعجة، وكم عجوز رُميت في دار العجزة تشكو وتبكي من انقطاع زيارة أبنائها لسنوات، وكم من كبير أسرة طُرد يتحسر بكل أنواع البكاء والدموع من أن أحداً من أبنائه وبناته لا يبالي به ولا يزوره، وكم من ثري ذا سطوة هرم فحجر عليه أبناؤه وبناته، وأبقوه وحيداً ضعيفاً على كرسي متحرك، في حين هم يستمتعون بثروته، وكم من ابن قسا على والده المسن بالكلمات الجارحة وبالضرب، والاعتداء أمام الناس، وكم من بنت مارست الجحود مع أمها كبيرة السن وتعدت عليها في حضور الآخرين، وكم من العقوق والنكران يمارس من الأبناء ضد الآباء والأمهات. وأمام هذه الظواهر الاجتماعية الغريبة التي تتكاثف في سماء المجتمع بشكل مخيف؛ لم يتعد أبرز علماء النفس والاجتماع لدينا الحقيقة؛ عندما قالوا لو طبقت "الآية الكريمة" السابقة كسلوكيات في تعاملات الأسر مع كبارها، لما وجدنا سلبيات الحياة تطغى بهذا الشكل المخيف في قضايا الفرد والأسرة والمجتمع، ولما وجدنا كل هذه القسوة المرعبة تسود القلوب تجاه أعز الناس، ولوجدنا الحب والرحمة والاحترام بين الأسر. وهذه دعوة صادقة لكل رب أسرة أو مسؤول في المجتمع، أو مخطط لمستقبل الوطن، أو داعية ديني له حضور ومتابعة.. لغرس توجيهات الآية الكريمة، والحث عليها في النفوس الصغيرة لتتشربها، وتمارسها وتُحسن التعامل مع النفوس الكبيرة كعلاج فاعل وأكيد لتجاوز أزمة اجتماعية خطيرة تتفرع منها كل أزمات المجتمع، أو تحدث نتيجة لها.. فمن يقسو على والديه ويعتدي عليهما بالقول والفعل، لن يبارك الله له في حياته، وسوف تمارس عليه القسوة ذاتها يوماً ما من أبنائه.. وهكذا دواليك.