GMT 0:04 2014 الثلائاء 21 يناير GMT 0:27 2014 الثلائاء 21 يناير :آخر تحديث بدر العامر المشكلة الكبرى أن الغلو يصبح مثل الإدمان على المخدرات، فالمدمن يطلب المزيد من الجرعات، كلما شعر بأن الكمية لا تكفي، وهكذا هي جماعات التكفير، حين تريد استقطاب الشباب بالمزايدة على أنواع جديدة من التكفير من طبيعة القائد "الكاريزمي"، سواء كان من أهل الخير، أم من أهل الشر، أن يجمع الأتباع حوله بلا شقاق، وتتقاصر كل العناصر الأخرى أمام تاريخية القائد وجاذبيته واسمه وعنوانه، هكذا كانت القاعدة في حياة ابن لادن، رمز يجتمع حوله كل "القتاليين" في العالم باعتبارات كثيرة، فالصفات الشخصية، والتجربة التاريخية، خاصة في أفغانستان منذ بداية القتال مع الاتحاد السوفيتي، والنفخ الإعلامي الغربي والأميركي، الذي جعله المطلوب رقم واحد، وكونه من أرض الجزيرة العربية، والثراء الذي أتاح له فرصة التحكم والسيطرة كل تلك كانت عوامل تجعله الرقم الأول في التنظيم، ولذلك لم يحدث في وقته شقاق يذكر إلا ما كان من أبي مصعب الزرقاوي، الذي رجع بعد ذلك تحت رايته في العراق ومن دخل في ظل التنظيم من مقاتلي المغرب الإسلامي واليمن ومصر إضافة إلى أتباعه داخل المملكة. حين أعلنت الولاياتالمتحدة الأميركية مقتل ابن لادن، كان ذلك يوما حاسما في تاريخ تنظيم القاعدة، فأيمن الظواهري الذي كان أسن من ابن لادن، وأكثر علمية، وأشد غلوا في التكفير، وألصق بالتنظيمات التكفيرية والقتالية من ابن لادن، الذي كانت قناعته بفكر التكفير متأخرة جدا عن أيمن الظواهري لم يكن يحظى بالاحترام والتبعية مثل ابن لادن في شعور وحركة هذه الجماعات، ولكنه كان الوريث الطبيعي لقيادة التنظيم بعد ابن لادن؛ لالتصاقه به منذ لقاء السودان وإعلان الجبهة العالمية، وقربه من ابن لادن، وأثره في تكوين تفكير ابن لادن الجديد، واستجابته لفكرة ابن لادن بتوجيه القتال للغرب بدلا من مصاولة الحكام، ولكنه لن يكون مثل ابن لادن قطعا في وجدان هذه الحركات، وهذا ما يفسر الأحداث التي تلت مقتل ابن لادن، من حدوث خلافات وانشاقاقات في تنظيم القاعدة، وقد تجلى هذا بوضوح في أحداث سورية، والصراع الذي كان بين "داعش" و "جبهة النصرة" التي تتبع لأيمن الظواهري بعد أن أعلن رفضه لطريقة دولة العراق التابعة لأبي بكر البغدادي، وهذا يدل على أن هذا سيكون بداية الانشاقاقات الكبيرة، التي سوف تشهدها هذه الجماعات حين يشعر الكثير من القادة الكبار للتنظيم بتساوي الرؤوس بعد مقتل ابن لادن، وأن لكل قائد الحق في الطموح في التنظيم والقيادة، خاصة ممن كان له سابقة في الجبهات، أو كان قريبا من ابن لادن في أفغانستان أو في السودان أو باكستان. الإشكالية في هذا التحول أنه سيؤدي إلى زيادة جرعة الغلو في التكفير، وهذا ما يظهر في أحداث الصراع بين "جبهة النصرة" و"داعش"، فالأصل الفكري والرؤية المنهجية لا يختلفان كثيرا، ولكن الزيادة في جرعة الغلو والتكفير لدى "داعش" أشعرت الناس بأن جبهة النصرة أخف الضررين، فأصبح الغلو دركات ومزايدة في قضية القتل والتكفير والدماء، وإلا فإن أحداث مستشفى العريض في اليمن هي من عمل القاعدة وليست من عمل "داعش"، مما يدل على أن المسافة بين التوجهين قريبة جدا، وأن الاختلاف بالدرجة لا بالنوع . المشكلة الكبرى أن هذا الغلو يصبح مثل الإدمان على المخدرات، فالمدمن يطلب المزيد من الجرعات، كلما شعر بأن الكمية لا تكفي، وهكذا هي جماعات التكفير والغلو، حين تريد إثبات وجودها الواقعي، واستقطاب الشباب لها من خلال المزايدة على أنواع جديدة من التكفير والاستباحة، حتى يصل الأمر إلى أن تستبيح كل جماعة دماء الجماعة الأخرى، الأمر الظاهر فيما يحدث في سورية الآن. إن هذه الانشقاقات والتمايزات بقدر ما تضعف مركزية التنظيم وعمله، إلا أنها تزيد من وجود أنواع جديدة من التيارات الصغيرة الحجم الفتاكة في التأثير والحركة والعمل، وهذا يدفع إلى كثرة التنظيمات الصغيرة، التي لا يمكن السيطرة عليها فكريا وأمنيا، خاصة حين تكون الفئة المستهدفة شبابا صغارا لا تتجاوز أعمارهم السادسة عشرة، أو أقل أو أكثر بقليل، وهذا يجعل التبعة التربوية والأمنية كبيرة، خاصة مع تزايد الالتهابات السياسية والقتالية في المنطقة، وتضاعيف الأحداث السورية على المنطقة برمتها فكريا وسياسيا وأمنيا. ايلاف