في اليومين المنصرميين، بكل تأكيد لم يقع خبر رحيل الجنرال المتقاعد نورمان شوارسكوف قائد القوات المركزية الأميركية، التي أجبرت مع جيش التحالف قوات صدام حسين الخروج من الكويت في العام 1991م، على أهل الكويت بشكل عادي، ويمر من دون أن يسعوا ويشكلوا حضوراً لافتاً في سجل عزاء المسؤول العسكري الأميركي. محمد الأمير من واشنطن: من باب رد العرفان والجميل، وفي خطوة متوقعة، هبّ أركان الحكم في الكويت، وفي طليعتهم أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد الصباح، بتقديم برقيتي تعزية للولايات المتحدة الأميركية الرسمية، واحدة إلى الرئيس باراك أوباما، وأخرى إلى الرئيس السابق بوش الأب، الذي كان يُصدر أوامره إلى الجنرال نورمان شوارسكوف لتحرير الكويت من قبضة نظام صدام حسين. وفاة قائد "عاصفة الصحراء" الجنرال الأميركي، لم تعبر أيضاً من دون أن تلقي بظلالها على الجالية الكويتية في الولاياتالمتحدة، والتي تقدر بنحو ثلاثة آلاف، معظمهم من الطلبة، بإستثناء عدد من المرضى يتلقون العلاج في المستشفيات الأميركية، إذ ساد الجميع حزن عميق على رحيله عن عمر يناهز 87 عاماً في مدينة تامبا في ولاية فلوريدا، التي اتخذها مقراً له بعد تقاعده من الجيش. يقول مبارك بورسلي الطالب في جامعة كنتاكي ل"إيلاف": "لقد رحل الجنرال المتقاعد نورمان شوارسكوف قائد القوات المركزية الأميركية، فهو بطل، وله الفضل بعد الله في تحرير بلدي الكويت من الإحتلال الصدامي الغاشم، ولنا أن ننعى رحيله، لكونه وضع خططه العسكرية بمهنية واحتراف إلى حين أجبر العدوان على التقهقر والتراجع". جاءت وفاة المسؤول العسكري الأميركي لتنكأ مجدداً جراحاً غائرة في قلوب الكويتيين، الذين يقيمون في الولاياتالمتحدة. ويتحدث الطالب علي الصايغ، الذي قدم إلى هنا لدراسة الهندسة المعمارية في جامعة كنساس، ل"إيلاف" قائلاً إن "نبأ رحيل شوارسكوف ذكرني بمشاهد حزينة عندما تم احتلال الكويت، حيث كنت صغيراً في السن، واتذكر ولو بشكل بسيط معاناة الوالد، الذي تم أسره في سجن أبوغريب لمدة شهرين، وتعرّض للتعذيب المبرح حتى إصابته بإعاقة سمعية من شدة الممارسات الوحشية". يقترح الصايغ: "أن يتم تكريم الجنرال المتقاعد نورمان شوارسكوف قائد القوات المركزية الأميركية، الذي نجح في دفع العدوان عن الأراضي الكويتية الحبيبة، وأزال عنها عذابات حزينة للغاية". شديدة هي الآم غزو صدام حسين للكويت لدى أبناء الجالية الكويتية في أميركا، والتي برزت على السطح فور إعلان وفاة شوارسكوف، لكنها أشد إيلاماً من تلك المتعلقة بمنصور عبد الله، طالب الدكتوراه في علم الحاسوب في جامعة جورج ميسن، حيث فقد اثنين من أقربائه. يقول: "ما إن سمعت خبر وفاة الجنرال شوارسكوف حتى تذكرت أيام الغزو الحزينة، حينها كان عمري تسع سنوات، ولا أزال أتذكر جيداً حجم دمار احتلال جيش صدام حسين الغاشم، الذي لحق ببلدي الكويت، فقد خسرنا شهداء، من بينهم ابن خالتي، حيث تم أسره، ولم يرجع، واحتسبناه شهيداً، وكذلك ابن عم والدي الذي استشهد وهو يقاوم، وقدم دمه فداء للوطن". يدرك منصور عبد الله جيداً أن الاحتلال في العام 1990 ما كان لو لم تكن ثمة خطة أميركية قدمت الكويت إلى صدام حسين كطعم وقع فيه لشدة غبائه، لكنه يستدرك قائلاً: "فعلياً إن الله وحده وبعده خطط الجنرال المتقاعد نورمان شوارسكوف لهما الفضل في تحرير الكويت من يد الطاغية صدام حسين". على الرغم من أن متوسط أعمارالطلبة الكويتيين في الولاياتالمتحدة لا يتجاوز ال23 عاماً، أي إنهم لم يعاصروا الحقبة الزمنية التي غزا فيها صدام حسين بلادهم، لكن معظمهم تناقلوا القصص المروّعة من آبائهم، ومن بينهم عبد الرحمن المطيري، الطالب في جامعة شمال كنتاكي، تخصص محاسبة، والذي ولد ليلة الغزو في إحدى المستشفيات السعودية، حيث نجحت والدته في الهروب من قبضة قوات صدام حسين. ويقول: "خبر رحيل الجنرال عاد بي ليس إلى أيام الغزو المريرة التي لم أشاهدها، بل إلى ترداد الأحاديث مع الوالدين والأقرباء عن ظروف ولادتي، كيف تمت في أجواء صعبة، بعد قطع عشرات الكيلومترات نحو السعودية من أجل حصول أمي على ولادة طبيعية بعيدة عن آلات العدوان الغاشم". محمد نقي، الذي يدرس جيولوجيا في جامعة ماينز، من جيل أترابه لم يبصرون النور عندما اجتاح صدام حسين حدوده الجنوبية في اتجاه الكويت يوم 2 أغسطس/آب من العام 1990م، وسمع فقط من أهله عن ويلات الحروب، يقول "أنا لم أطلع على تلك الحقبة الزمنية، لكن الأهل حدثوني عنها كثيراً وعن مآسيها، لكن لاشك أن من قام بتحرير بلدي، وفي مقدمتهم شوارسكوف، يعدون من الأبطال الذين أزالوا همّ الإحتلال الصدامي".