كشف مشروع مقدم باسم وزارة الإدارة المحلية إلى مؤتمر الحوار الوطني، عن مخطط لتقسيم البلاد وإثارة النزاعات والحروب الأهلية على مستوى مديريات ومحافظات الجمهورية.. وتناول المشروع المقدم لمؤتمر الحوار الخيارات السياسية للشكل المستقبلي للحكم واللا مركزي في اليمن) "الجمهور" تكشف أبرز ما ورد في ذلك المشروع من "قنابل موقوتة" تهدد أمن وسيادة ووحدة البلاد. ظهرت وزارة الإدارة المحلية في صورة هذا المشروع عبر المشرفين على المشروع وهما نائب وزير الإدارة المحلية عبدالرقيب الحمادي، ووكيل قطاع المعلومات بالوزارة محمد الحمادي، والأخير هو صهر محافظ عدن القيادي الإخواني وحيد علي رشد. ويلاحظ في المشروع المقدم بأنه مستورد من الخارج، حيث لم يتم تنقيحه أو تعديله بما يتناسب مع المجتمع اليمني كمجتمع شرقي محافظ له خصوصياته ومشاكله وسماته المتنوعة. وغلب على وثيقة المشروع- حصلت الجمهور على نسخة منها- كثرة النصوص الواردة باللغة الإنجليزية، وكثرة المصطلحات الغربية التي لا تتناسب إطلاقاً والتضاريس الجغرافية ولا مع النشاط السكاني وطبيعة العلاقات الاجتماعية ولا مع النظام السياسي اليمني أو المقترحات المقدمة لشكل الدولة ونظام الحكم في اليمن، وجميع هذه المؤشرات تؤكد أن هذا المشروع "المسخ" جاء جاهزاً ومعداً من قبل المستشارين الأجنبيين التابعين لما تسمى منظمة (مجموعة القانون الدولي ومجموعة السياسة) وهما: الدكتور فضل الأمين والدكتور بول والأخير أمريكي الجنسية.. وهو ما يعين بأن وزارة الإدارة المحلية ليست إلا مجرد حامل لهذا المشروع المقدم باسم الحكومة. وبإطلالة سريعة على المنهجية التي تم على أساسها إعداد هذا المشروع، نجد وثيقة المشروع تتحدث عن "مسح تقييمي سريع" و "مقابلات مع 150 شخصاً" لافتة إلى ضيق الوقت وعدم تمكن معدي المشروع من الحصول على العديد من "البيانات المهمة" ومن "الخوض في عملية إعادة هيكلة الجيش". ويلاحظ في جميع الرسوم البيانية والأشكال التوضيحية الواردة في المشروع بأنها جاءت باللغة الإنجليزية، كما بدت بعض الجداول وكأنها مترجمة ترجمة فورية وغير دقيقة عبر موقع "جوجل"!!. وفيما يخص المصطلحات الغربية والغير مفهومة نجد مصطلحات مثل (مدن الميثاق) والذي ورد في الشأن المتعلق بالتقسيم الإداري، ومصطلح (فخ قدرة الدولة) والذي يزعم المشروع بأنه أحد الاستنتاجات الواردة من الميدان، بالإضافة إلى مصطلحات عديدة أخرى مثل (الجمعية الوطنية) و (مؤشر الحرمان) و (معكوس الكثافة السكانية) و(صوت) و (الوكالات التنفيذية" CMSC) وغيرها بل أن المشروع المقدم يعترف في واحدة من صفحاته التي تحدث فيها عن "مصفوفة شدة المخاطر" في اليمن بأن هذه المصفوفة "مقتبسة من الإطار الذي وضعه الدكتور جاميير بهاتا أخصائي إدارة المعرفة الأساسية في البنك الآسيوي للتنمية"!!.. وتطرق المشروع إلى عدد من الملاحظات التي أفاد بأنها جاءت على لسان عدد من المسؤولين في الميدان والذين قال المشروع بأنهم تحدثوا عن وجود مظاهر عديدة لعدم المساواة بين الجنسين وإلى مشكلة أخرى كبيرة جداً وهي عدم قيام المكاتب المحلية بإعطاء الأولوية لمشاريع المرأة!! وبالنظر إلى صلب ما ورد في المشروع والمتعلق بالتصورات التي خلص إليها بشأن شكل نظام الحكم المستقبلي واللا مركزي في اليمن قدم المشروع 3 خيارات سياسية في هذا الجانب. أولى هذه الخيارات السياسية هو إصلاح الدولة الموحدة بشكلها ونظام حكمها الحالي وقد تحدث في هذا الجانب باقتضاب شديد جداً لم يتجاوز الصفحة الواحدة ولخص المشروع عملية إصلاح الدولة الموحدة في 4 محاور أساسية هي: توضيح الإطار القانوني والعلاقات بين السلطتين التنفيذية والمحلية وتعزيز دور المجالس المحلية وتعزيز الحيز المالي وتحسين عمليات التخطيط وتقديم الخدمات وتحسين المساءلة. وبعكس الخيار السياسي الأول، تحدث المشروع بنوع من الإسهاب عن الخيارين السياسيين الثاني والثالث. وبحسب ما ورد في المشروع، فإن الخيار السياسي الثاني يتمثل في هيكل فيدرالي مكون من حكومة ذات مستويين (فيدرالي وأقليمي). ويتخلص هذا الخيار في تقسيم اليمن إلى عدد من الأقاليم وأن يكون لكل أقليم حكومة وبرلمان مستقل مكون من غرفتين تشريعيتين، الأولى أسماها غرفة سفلى وتضم أعضاء ما وصفها ب"الجمعية العامة" والذين يتم اختيارهم بالانتخاب المباشر، والثانية أسماها غرفة عليا (مجلس الشيوخ) وهؤلاء يتم انتخابهم من قبل أعضاء الجمعية على مستوى الأقليم والمديريات. وينص هذا الخيار على أن يتكرر هذا الشكل على المستوى الفيدرالي بحيث يكون هناك حكومة فيدرالية وبرلمان فيدرالي بغرفتين. أما الخيار السياسي الثالث فهو خيار دولة فيدرالية ذات 3 مستويات من الحكومة (حكومة فيدرالية- حكومة أقليمية- حكومة محلية على مستوى المديريات). ولا يختلف هذا الخيار في تفاصيله عن الخيار الذي سبقه سوى أنه تقسيم للتقسيم بحيث يكون للمواطن 3 حكومات و 3 برلمانات.. حكومة وبرلمان على مستوى مديريته، وحكومة وبرلمان على مستوى الأقليم الذي يتبعه وحكومة وأقليم على المستوى المركزي (الاتحادي). وبالنظر إلى تفاصيل الخيارين الثاني والثالث، فسنجد أنها بشكل عام تهدف إلى تقسيم البلاد عبر خطوتين الأولى: تمرير هذا المشروع باسم "اللامركزية" والثانية تفجير الأوضاع على مستوى كل ميدرية وقرية ومن ثم فرض التقسيم والتجزؤ والتشتت كأمر واقع بعد أن يكون قد تم تهيئة الأطر الجغرافية والحكومية والبرلمانية للدويلات التي ستعلن انفصالها عن الدولة الاتحادية خصوصا وأن ما ورد في المشروع من تفاصيل حول الخيارين الفيدراليين من شأنها – لو طبقت- إضعاف السلطة مركزياً ومحلياً علاوة على دمج النظامين الرئاسي والبرلماني بشكل غريب وغير واضح وهو ما سيؤدي بدوره إلى تضارب وتعارض المسؤوليات والاختصاصات والصلاحيات ومن ثم خلق صراع بين مؤسستي الرئاسة والحكومة. وفيما يخص عملية تنظيم الموارد المتعلقة بالخيارين الفيدرالييين، نجد هذا المشروع يقترح خطة أسماها (50-50-50) وهذه الخطة تنص على توزيع حصص الموارد العامة للدولة بما فيها الموارد النفطية إلى 3 حصص الأولى بنسبة 50% للمواطنين حيث يتم توزيع هذه الموارد نقداً وبصورة مباشرة للمواطنين بواقع نصف دولار (نحو 100 ريال) في اليوم الواحد للشخص الواحد فيما يتم توزيع النصف الآخر للموارد بين الحكومتين الفيدرالية والأقليمية بنسبة 50% لكل منهما. وبمعنى آخر فإن نصف موارد البلاد ستوزع نقداً على المواطنين وسيكون نصيب الحكومة الاتحادية الربع والحكومة الأقليمية الربع، مع ملاحظة أن حصة الحكومة الأقليمية سيتم تقسيمها نصفين بين الحكومة الأقليمية والحكومة المحلية في حال تم تطبيق الخيار الفيدرالي الثالث، ويستنتج من توزيع حصص موارد الدولة بهذا الشكل والذي لم يتم تطبيقه في أي دولة من دول العالم، بأنه ليس سوى وسيلة لإثارة صراع على الموارد بين المواطنين وحكوماتهم المحلية والأقليمية من جهة، وبين هذه الحكومات والحكومة الاتحادية من جهة أخرى. كما أن توزيع وتشتيت موارد الدولة بهذه الطريقة لن يخدم أي عملية تنموية في البلاد وسيؤدي إلى إفقار معظم المناطق والأقاليم وإغناء مناطق محدودة وهي المناطق الغنية بالنفط والثروات الطبيعية والأقل في عدد السكان، وهذا سيؤدي بدوره إلى نزاعات وفوضى وحروب أهلية. ومن جملة المؤشرات أيضا على خطورة هذا المشروع على أمن ووحدة البلاد، نشير إلى ما ورد نصا في الخيارين الفيدراليين بحق الحكومات الأقليمية والمحلية في الحصول على قروض خارجية وتوقيع اتفاقيات بهذا الشأن مع الجهات المانحة مباشرة. وكما أكد المشروع على ضرورة تشكيل لجنة ل"ترسيم الحدود" عند تقسيم البلاد إلى أقاليم، وهذه الحدود المرسمة بطبيعة الحال سيتم توثيقها دوليا، وهو ما يوفر لهذه الأقاليم الإطار القانوني والدولي في حال أعلنت انفصالها واستقلالها عن الدولة المركزية مستقبلا، لا سمح الله. وتضمن المشروع المنسوب لوزارة الإدارة المحلية العديد من القضايا التي تجعل كل من يقرأها يشعر وكأن هذا المشروع يتحدث عن بلد آخر غير اليمن. فقد تحدث المشروع عن إمكانية زيادة الموارد الضريبية من خلال (رسوم الطوابع) و"رسوم تصاريح إقامة المساجد والمقابر" وتحدث عن وجود (أقليات) في اليمن وعن حق هذه الأقليات في الحصول على حصص في البرلمان والحكومات الأقليمية والمحلية، كما تحدث عن حق المرأة والمعاقين في الحصول على حصص في عملية التوظيف في السلكين المدني والعسكري!!. وفيما يخص هيكل السلطة القضائية، فقد تحاشى المشروع المقدم ذكر أي شيء يتعلق ب"التفتيش القضائي"، ما يعني توفير بيئة خصبة لمزيد من الفساد والاختلال في النظام العدلي للدولة الفيدرالية. ورغم أن السلك العسكري يضم أكبر نسبة من الموظفين في الجهاز الإداري للدولة، فقد حصر المشروع عملية التوظيف في الخدمة المدنية في السلك المدني وجهاز الشرطة كما أغفل المشروع المقدم الحديث عن مؤسسات القطاع الاقتصادي العام والمختلط وكيفية توزيع إيراداتها، ناهيك عن إيرادات الموانئ والمطارات والمنافذ الرئيسية للبلاد بشكل عام، ورغم التجارب السابقة التي أثبتت سلبية عمليات الخصخصة لمؤسسات القطاع العام، فقد استغرب المشروع وجود "نظرة سلبية" للخصخصة لدى الجميع. وظهرت بصمات حزب الإصلاح واضحة في هذا المشروع من خلال عدد من التفاصيل المتخلفة وأبرزها التأكيد على أن يكون هناك اعتراف دستوري بكيان ودور ومركز مشائخ القبائل وشيوخ الدين، وكذا النقطة المتعلقة بالغرفة التشريعية العليا للبرلمان (مجلس الشيوخ) على المستوى الاتحادي والأقليمي والمحلي والتي حصرت (مجالس الشيوخ) في مشائخ القبائل. بالإضافة إلى النقطة التي وردت في الخيارين الفيدراليين والتي تنص على أن يتم انتخاب رئيس الجمهورية من قبل الغرفتين الاتحاديتين العليا والسفلى، وليس عبر انتخابات حرة ومباشرة من قبل المواطنين. كما أكد المشروع صراحة على ضرورة قيام الدولة بدفع (إتاوة) لمرة واحدة للأقليم الذي يستخرج منه النفط.. وغيرها من الإطروحات المتخلفة الواردة في هذا المشروع. وتضمن المشروع بصورة غير مباشرة صيغة لفترة انتقالية جديدة تمتد حتى عام 2015م في حال تم إقرار أحد الخيارين الفيدراليين، وذلك في إطار ما وصفها المشروع بالخطة التنفيذية للتغيير حد وصفه.