حديث الحبيب عبدالرحمن الجفري من داخل فندق حدة رمادة الأسبوع الفائت عن تجزئة اليمن إلى دويلات "أقاليم" لم يشكل أية مفاجأة، بعكس ما هو عليه الحال عندما تحدث محمد سالم باسندوة داعيا اليمن واليمنيين إلى الأخذ بالفيدرالية.. وهذا ما لم يكن أحد يتوقع سماعه، ذلك لأن ل"باسندوة" موقفاً سباقاً صريحاً وواضحاً من الفيدرالية.. لقد اعتبرها صيغة مغلفة للانفصال!!. في الأعوام 92، 93 ومطلع 94، وقبل أن يقتاد أبناء هذا الشعب إلى حرب الحفاظ على الوحدة صيف 94م كانت الفيدرالية مطروحة ومثارة إلا أنها ما لبثت أن اختفت تماما من قاموسنا السياسي بعد انتصار الإرادة الشعبية للوحدة يوم 7 يوليو 94م، ولعل البيض والعطاس ومن لف لفهم وهم يطرحون الفيدرالية في ذلك الحين إنما لأنهم قد وجدوا فيها الخطوة الأولى نحو العودة إلى ما قبل إعادة تحقيق الوحدة.. إلى ما قبل ال22 من مايو 1990م.. وقد تباينت الرؤى بشأنها وكان لوزير الخارجية يومها محمد سالم باسندوة موقف.. لقد استهجن واعتبر الفيدرالية صيغة مغلفة للانفصال.. والكلام حولها بإيجاب يعتبر كفراً. جاء ذلك في حوار صحفي اتسم بالجرأة والشفافية أجراه معه الصحفي القدير عبدالوهاب المؤيد "رحمة الله عليه" ونشرته مجلة "الوسط" اللندنية في عددها رقم (118) الصادر بتاريخ 12/5/94م، نقتبس منه ما يتعلق بالفيدرالية نصاً: "الوسط" اللندنية: ظهرت مجدداً وجهة نظر ترى أن الأخذ بنظام الفيدرالية بدلاً عن الوحدة الاندماجية هو المخرج الوحيد المتاح من الأزمة، والضمان لعدم حدوث الانفصال.. ما رأيكم في مدى موضوعية هذا الرأي؟ ** باسندوه: مع احترامي لمن يقولون بهذا إلا أنني اعتقد أن الفيدرالية قد تكون الخطوة الأولى والأخيرة نحو العودة إلى التشطير والتجزئة.. ثم لماذا الفيدرالية ونحن شعب واحد موحد أصلاً ديناً ولغة.. وليست لدينا أقليات عرقية أو دينية أو لغوية. فاليمنقطر واحد وليست قطرين وشعب واحد وليست شعبين، وليس أدل على وحدتها كقطر أرضا وسكانا، أننا كنا نعتبر الشمال شطراً والجنوب شطراً ولم نكن نعتبرهما بلدين أو قطرين حتى حين كان كل منهما دولة قائمة بذاتها. باسندوة 2009م الآن لم يعد باسندوه يستهجن بل لقد جعل من نفسه الداعية الأول لتمزيق اليمن إلى دويلات!!.. ما الذي حدث؟! ها لأن باسندوه لم يعد وزيرا للخارجية؟.. باسندوة يرى في نفسه دون غيره الأحق بمنصب رئيس الوزراء!! (رغم انه بلغ من العمر عتيا ولم يعد قادراً حتى على تذكر ما قاله).. باسندوة رئيس للجنة التشاور "حق" الشيخ حميد.. ومرشح المشترك الموعود للرئاسة 2013م.. هناك مساحة ضيقة بين الطموح والجنون.. وبقدر ما لدى الإنسان من رغبة شرسة في تحقيق أحلامه فقد تعميه تطلعاته أحيانا عن معالم الطريق، ويتحول إلى مخلوق مبصر يتحسس الخطى دونما توقع لمفاجآت القدر.. وجنوح العقل وصراعات البقاء. ولا يكاد يجمع علماء الاجتماع وعلماء النفس وعلماء السياسة على شيء بمثل ماهو عليه إجماعهم وتأكيداتهم بأن النفس البشرية لازالت تمثل لغزاً محيراً.. عجزت العقول عن تفسير بعض جوانبها، لذلك والحديث للعلماء والمختصين، يجب ألا نندهش أمام تقلبات البشر وانحراف الأمزجة والسلوك.. وباسندوة مجرد مثل.. أما مبادرة الحبيب عبدالرحمن الجفري- رئيس حزب الرابطة- ومطالبته بالفيدرالية فليس إلا تجديد مواقف سابقة.