بين ما عرف عن آخر الأئمة "أحمد" أنه يقوم بإنزال مجاميع من جيشه على قرية أو قبيلة مخالفة فيما يسمى "الخطاط"، حيث أهل القرية ملزمون بتجهيز الطعام وتوابعه للجيش الإمامي حتى يرضى عنهم الإمام، ويرفع جيشه كمزيد من الإفقار للفقراء. بعد انقلاب أو حركة 1948م وجه الإمام احمد القبيلة والقبائل بنهب العاصمة صنعاء، وكأنما القبيلة هي جيش احتياطي للنظام من خلال إغراء الفيد والنهب أو استعمال الاستجابات العصبية. صراعات النظام في عدن بالمقابل كانت تحسم بالجيش والجيش طرفان حتى الحسم لصالح الطرف المنتصر، ولكنه في صراع 1986م يبدو أن وضع الضعف للسوفيت من ناحية ومستوى التوازن بين طرفي الجيش لم يكن يمكن طرف من حسم الصراع، فتم اللجوء للقبيلة عبر تفعيل الاستجابات العصبية فيما اشتهرت بكتلتي ذلك الزمن قبلياً.. النظام الإمامي كان يحكم القبيلة ويمارس تصفية معارضيه من رؤوسها، أكان الشيخ الأحمر وولده أو القردعي أو غيرهم، والنظام في عدن كان يحكم القبيلة إلى درجة استعمالها في الصراعات بين الشيوعيين. إذا النظام في صنعاء بعد قيام ثورة سبتمبر لم يستطع أن يحكم القبيلة بسبب تدخل وتداخل مع صراع أقوى "مصر – السعودية"، وحيث استطاعت السعودية استقطاب القبائل للقتال مع الملكيين، وتلك هي الفترة التي قدمت الشيخ المرحوم عبدالله الأحمر كقائد كتلة جيش شعبي مع الجمهورية، فالنظام بعد توقيع اتفاق الصلح مع الملكيين بإشراف ودعم السعودية لم يستطع أن يحكم القبيلة كما الأنظمة الأخرى في اليمن أو المنطقة، وقد استعان في الحروب الشطرية بالقبيلة "جيش شعبي" ولكن تأثير ذلك كان ضعيفا، إذا ما قورن ذلك بالمد الإسلامي في حروب المناطق الوسطى. ربما الرئيس الحمدي لم يكن يحتاج أي قدر من العداء العلني للقبيلة ليتعامل مع رموز أو أثقال كخلافات سياسية، ولهذا فاعتكاف الشيخ عبدالله الأحمر أكد مدى ثقل القبيلة وهو ثقل لأية قوة خارجية بأي توافق أو تنسيق معها. خلال ثماني سنوات من الحروب بين الملكيين والجمهوريين كان ما يسمى النظام مفقوداً أو غير موجود في مناطق كثيرة، لتصبح القبيلة هي البديل كنظام اجتماعي في تسيير الحياة ومعالجة قضايا ونحو ذلك، والطبيعي حين انهيار أو انتهاء نظام شمولي بأي قدر من الإغلاق والانفلات أكان إمامياً أو أممياً أن يتحرر ويبرز هذا النظام الاجتماعي ومكونات البنية الاجتماعية بالوعي والثقافة المتراكمة والسائدة، كما صراعات ما بعد انهيار يوغسلافيا أو التشكل الطائفي في العراق. فالنظام الأممي في عدن وحد السلطنات والذي برز في صراع 1986م هو ما سمح به أو دعمه واستدعاه جناحا النظام، ولكن ذلك يعني أن صراع القبيلة ظل في الاستجابات أقوى من الصراع سلطناتيا. إذاً يمكن القول بأن الشيخ عبدالله الأحمر مثل الجمهوري القبلي أو بالقبيله حتى انسحاب القوات المصرية وبعد ذلك في تحالف مع السعودية أو مع النظام، كما يمكن القول بأن علي عنتر مثل الأممي القبلي أو بالقبيلة كون القبيلة ظلت أيدلوجيته الأولى وأكثر من أي أيدلوجيا. الاشتراكي بدا بعد آخر محطة صراع قبل الوحدة 1986م كأنما هو الحزب الحاكم بالقبيلة الحاكمة "الضالع- يافع"، وبوضوح لم يصل إلى مثله أي نظام أو حاكم في صنعاء. حين كان الشيخ عبدالله الأحمر يقود جيشاً شعبياً لمواجهة الملكيين والدفاع عن الثورة فبكتلة حاشد أساسا، ولكنه حين اعتكف في عهد الرئيس الحمدي كان يحتاج لأرضية سياسية أمنية وليس كتلة أو تكتيل حاشد، فاستقطب أو تعاونت معه قبائل من بكيل امتداداً إلى صعدة التي جاء منها تمرد الحوثي. حين انهيار ثقل الشيوعية عالميا فالتململ الاستثنائي المتسارع على النظام في عدن كان في "حضرموت"، فالقبيلة بعد التدخل والتصارع الاقليمي كانت من نقاط الضعف للنظام في صنعاء، وحضرموت كانت نقطة ضعف النظام في عدن من وجود مشروع أقليمي. فالقبيلة حاضرة حين يستدعيها نظام أو للتأثير عليه تحت أي سقف، وإذا عبدالفتاح إسماعيل وصل للرئاسة من كفاءته الأيدلوجية العالية تتداخل القبيلة وأجنحة الصراع ليضطر السوفيت لسحبه للإقامة بموسكو كتجنب لصراعات أو حل لصراع. وأي صراعات أو مشاريع أقليمية هي حاضرة بأقصى استطاعة للتأثير، ولهذا فالبعث العراقي حاول استمالة الشخصيات الاجتماعية القبلية، كما الشيخ مجاهد أبو شوارب وفي حالة ملفتة في هذا السياق ما كان سار فيه الشيخ الشاب حسين الأحمر في العلاقة مع العقيد "القذافي" كحدث كان اكتسب صبغة الأمر الواقع. القبيلة هي أرضية صراعات ما بعد ثورة سبتمبر، فيما آلت بعد ثورة أكتوبر لتكون جانباً من الصراع داخل وعلى النظام، والطبيعي ارتباط صراعات الواقع أو الأنظمة أو عليها بأي صراعات أو مشاريع للخارج الاقليمي أو العالمي بما في ذلك أميركا. ما هو بين مكونات المجتمع أو ثقل في هذه المكونات لا يشطب أو يلغى بقرار سياسي كما سار الرئيس الحمدي، ولكنها قد تقمع بقوة الأنظمة السياسية الحاكمة كما حالة النظام في عدن والأخرى في المنطقة، أو تعالج بالتطور والنهوض السياسي والاجتماعي والاقتصادي. مصر لم تأت لليمن فقط لتمنع إجهاظ الثورة ولكن كان لديها مشروع قومي أقليمي، وإذا أميركا تدعم السعودية بين أهم الحلفاء فالطبيعي أن يكون لديها مشاريع للدفاع. إذا مشروع الاتحاد السوفيتي كان واضحا على مستوى العالم أو اليمن فأميركا لابد أن يكون لديها مشروع مواجهة وهو في اليمن "تكتيك يخدم المواجهة على مدى بعيد أو استراتيجي". هذه المشاريع كان لا بد أن تسقط نفسها على واقع وصراعات اليمن بما في ذلك القبيلة بأي شكل وبأي قدر، فالنظام في صنعاء لم يكن بين الحلفاء المهمين أو حتى الأقل أهمية أو غير المهمين لأميركا حين التجهيز والتنفيذ لحروب الجهاد في أفغانستان، ولذلك فتحفظ النظام أو رفضه لحروب الجهاد لم يكن موقفاً له أثر أو تأثير، وباستثناء ما يقدمه للوعي لاحقا فهو في الواقع فاقد التأثير كما عدمه. إذاً هذه المشاريع مهما كان تأثيرها السلبي على نسيج أو مكونات مجتمع كما القبيلة في اليمن، فأصحاب هذه المشاريع لا يعنيهم الاعتراف أو المعالجة لأي آثار سلبية و تدميرية لها، ولولا شراكة التوليد والتولد لمشكلة الإرهاب من هذه الصراعات والمشاريع ما اهتمت أميركا لا باليمن ولا بشراكة مع النظام. النظام في اليمن وقد بات المتضرر والضحية الأكبر من الإرهاب، فالحرب ضد الإرهاب مشروع له قبل أميركا، كما أميركا في الحرب ضد الإرهاب يصبح النظام في اليمن بين الحلفاء الأهم باعتباره ساحة الصراع للمد القومي الأممي، والأرضية الأهم للتكتيك الأميركي الأكثر أهمية في ذروة الصراع مع السوفيت، فطالبان تواجه أميركا والتحالف الدولي في واقع أفغانستان بثقل القبيلة وليس بثقل القاعدة، ولا تستطيع أميركا أن تجمع بين الديمقراطية وقمع القبيلة ليكون النجاح في القمع بمستوى النظام في عدن. الداخل الصراعي أو الخارج الذي هو في طور أهداف أو مشاريع صراعية، هو بطبيعة وعيه وأهدافه أو كليهما لا يستطيع أن يكون واقعياً أو مع الواقعية تجاه قضايا ذات تراكمات، أو ما هو متراكم في الواقع والمتراكم الاجتماعي كالقبيلة هو الأهم. فالقبيلة هي ثقل في الواقع الاجتماعي للنظام بما يفترض وعياً أن تكون ثقلاً في واقعيته. فهي بأي قدر قد تكون لصالح النظام ولأية فترة أو مدى، ولكنها بوضع وسقف الثقل أو بالقفز والتجاوزات تظل بين مشاكل النظام، حتى لو لم يكن لصالحه التعامل العلني على هذا الأساس. الحرب ضد الإرهاب في أفغانستان وباكستان واليمن أكدت أهمية فهم القبيلة والتفاهم لتفهيمها، وحين استهداف النظام بالإرهاب كاختطاف السياح والتفجيرات في العقد الأول للوحدة كان ينتقد مسلكه في فهم القبيلة للتفاهم معها، فيما تثبت تطورات على مستوى العالم أنه الأسلوب الأنسب والأنجح، ولو فتح الحوار والتفاهم مع القبيلة في أفغانستان للحوار لما احتيج للحوار مع "طالبان" إلى درجة الاستجداء. التعامل مع القبيلة يحتاج إلى تفاهم لا يلغي بديل القوة وإلى قوة لا تلغي بديل التفاهم، وبالتالي فالنظام يستطيع تحديد سقف للتفاهم وتحديد معايير لتفعيل واستعمال القوة. النظام في واقع أكثر تطوراً ونهوضاً هو معطى للتطور في واقع الحياة وكل جوانبها، وبالتالي يصبح في وعي غالبية المجتمع محصلة تجارب تاريخية وتطور تاريخي، فيما الأنظمة في الواقع الأشد فقراً وتخلفاً هي تجريب وتدريب أو حاصل ومراس تجارب كوعي وواقعية. اليمن كانت ساحة المد والمد المضاد قومياً وأقليمياً وساحة المد أممياً عالمياً والمد المضاد عالمياً تكتيكياً وهي تأثرت وتضررت حقيقة من المد المضاد التكتيكي أو غير المباشر أميركيا أكثر من الإمداد والإمدادات الأخرى المباشرة. القبيلة هي إما قضايا معقدة أو أنظمة ذات تعدد وتعقيدات، ولا يستطاع مسحها إحصائيا أو ضمن الدراسة التتبعية سياسياً من قبل طرف مثل أميركا، ولهذا فالتقاطع الجدي أو الحاد معها من قبل نظام محلي أو حتى عالمي، ليس من مصلحته إذا كان في وضع حاجيات أخرى كما الحرب ضد الإرهاب.