ما يشهده الوطن من تداعيات خطيرة ومدمرة هل هو إفراز أزمة سياسية مستعصية ناجمة عن خلاف حزبي بين الحاكم واللقاء المشترك، أم هو مخطط انقلابي على الشرعية الدستورية والديمقراطية، جرى وضع فصوله منذ ما قبل الانتخابات الرئاسية 2006م؟!. إن غالبية أبناء شعبنا يعرفون الحقيقة، سواء الموالين أو المعارضين، لأن التطورات المتلاحقة منذ تلك الانتخابات لم تكن سرية بل جلية واضحة لكل ذي عينين وأذنين، ومع ذلك فلا بأس من إعادة ترتيب تلك التطورات واستحضارها وصولاً للإجابة عن السؤال، لا سيما لمن يحاولون القفز فوق الواقع وتجاوز الحقيقة. وحسبما هو معروف فإن الخلاف بين اثنين إن كان خلافاً حقيقياً، لا بد ان تكون له أسبابه ومبرراته وظروفه، وبالتالي فإنه لا يمكن إزالة هذا الخلاف بين الاثنين إلا بإزالة أسبابه، حتى تعود الأمور إلى طبيعتها فيما بينهما.. مسألة منطقية لا يمكن إسقاطها. فكيف إذا كان هذان الاثنان من الأحزاب السياسية المتناقضة في برامجها ومواقفها ورؤاها وفلسفتها، لا شك ان الخلاف سيكون أكبر وأعمق خصوصاً في ظل انعدام الثقة بين هذه الأحزاب تجاه بعضها البعض؟!. هكذا سارت الأمور بين الحزب الحاكم المؤتمر الشعبي العام وأحزاب اللقاء المشترك، وكان يمكن احتواء أي خلاف بينهما بالتفاهم والحوار وتغليب المصلحة الوطنية العليا إذا كانت حسن النية متوفرة لدى الطرفين، لكن الذي تكشف فيما بعد بيَّن ان اللقاء المشترك لم يكن يملك حجة لأسباب الخلاف، ولا قضية حقيقية يدافع عنها، وأن خلافه مع "الحاكم" كان مفتعلاً بقصد إيجاد خصومة نهائية تمنع إقامة أي حوار فيما بينهما. وقد تأكد ذلك في المراحل التالية عندما رفض اللقاء المشترك بتعنت فاضح كل المساعي والوساطات والمبادرات والتنازلات التي بذلت من أجل إنجاح الحوار واحدة تلو الأخرى، ومعروف حسب الأعراف كلها ان الخلاف يحل بالتفاهم، والتفاهم أصله الحوار، وقد دل رفض اللقاء المشترك لكل مساعي وجهود التفاهم والحوار أنه لا يملك في الأصل مسائل خلافية يمكن بحثها والتفاوض بشأنها، ولو وجدت لطرحها وتباحث بشأنها أملاً في إيجاد مخارج لها. في هذه الأجواء المأزومة والملغمة حان وقت إجراء الانتخابات الرئاسية 2006م، فأطلق اللقاء المشترك وابلاً من الاتهامات والدعايات والتشكيكات والتبريرات بشأنها، منها: أن السجل الانتخابي مزور، وأن نتيجة الانتخابات ستزور وكأنها كانت على وهم بأن مرشحها سيكتسح تلك الانتخابات، واتضح انها كانت محاولات للتنصل من المشاركة في تلك الانتخابات، وكان اللقاء المشترك قد حزم أمره على مقاطعة تلك الانتخابات، إلا انه عاد وتراجع عن مقاطعته بعد جهود ووساطات المعهد الديمقراطي الأمريكي ومفوضية الاتحاد الأوربي، والصفقة التي حصل بموجبها على ملايين الدولارات واليورو مقابل مشاركته في تلك الانتخابات بعدما اشتكى مما أسماه ب"احتكار الحزب الحاكم للمال العام والإعلام". وبعد ظهور نتيجة تلك الانتخابات بفوز الرئيس علي عبدالله صالح مرشح المؤتمر الشعبي العام بشكل كاسح، والذي أحبط مخطط تفكيك النظام والسلطة الذي كان اللقاء المشترك قد أعده سلفاً لتنفيذه في حال فوز مرشحه في انتخابات الرئاسة، خسر اللقاء المشترك الفصل الأول من مخطط الانقلاب على الشرعية الدستورية والديمقراطية، وانتقل لتنفيذ الفصل الثاني من المخطط بعد ان اتخذت قيادته قرارها التاريخي بعدم إجراء أية حوارات مستقبلية مع الحزب الحاكم والقيادة السياسية للوطن.. والى اللقاء.