حتى تستطيع الكتابة عن الشرق، لا بد لك من الخروج من عالمك الغربي العقلاني المتنور الى عالم السحر والغرابة والبهارات والحريم المحفوف بالمخاطر، ولن تستطيع ذلك الا إذا تناولت الأفيون ليساعدك على عملية الانتقال من الحقيقة الى الخيال، ومن الحضارة الى البدائية، ومن الرشد الى اللاعقلانية، ومن عالم البشر المتفوقين الى عالم البشر المتخلفين! ليست هذه هلوسات محشش، ولكنها الوصفة والوصية المتبعة والمجربة لأعلام من الشعراء والكتاب الغربيين من أمثال: كوليرج وبايرون وتوماس دي كوينسي، وهم الذين ساهموا من خلال كتاباتهم في رسم وتعزيز صورة الشرق والعرب، ولهم كتب موثقة بذلك ككتاب دي كوينسي «اعترافات حشاش» confessions of an opium eater، وقد نقل المستشرقون هذه الصورة وبالغوا فيها وجعلوها أكثر قتامة في حملات الاستشراق! ولم يسهم تغير الأزمان وتقارب الأماكن والبشر في تغيير الصورة المشوهة التي رسمتها جماعة من الحشاشين، أخذت صفة الأدب والفن والثقافة عن عرب غلاظ قساة، ونساء شهوانيات أسيرات جميلات، ومجتمعات قذرة وجاهلة ومتخلفة! وما زالت الصورة حاضرة بقوة حتى الآن وقد ساهمت في إعادة إحيائها ونشرها آلة الإعلام الغربي التي تناست عن قصد فضل العرب والمسلمين، الذي لا ينكره عالم منصف على الحضارة الغربية في عصور ظلمتهم، وظلت تجتر صورا لفئات منحرفة وقوم شذوا عن القواعد و الإجماع، وتقدمها وتقدمهم على أنهم الأصل والكل! وعندما انفصلت أوروبا عن دينها؛ بسبب تعارض بعض نصوصه مع العقل والمنطق، كان لا بد لها أن تطبق نظرية الفصل والتعارض على كل الأديان والأقوام، فأخذت تحاول فرض التشويه والانتقاص عليهم، ذلك أن الدين من أعظم المكونات التي تهيئ أمة ما للصمود لأعدائها، ولكي يتمكن الغرب من تنفيذ خططه التقسيمية في أراضينا، كان لا بد من استهداف الدين ورموزه غير أن الأمر قد يكون مفتوحا للنقاش، والأخذ والرد لو كان من يعارض على قدر من الأهلية الفكرية والعلمية والمصداقية والموضوعية حتى نصل الى كلمة سواء، ولكن أن يقود السفهاء والحشاشون والساقطون أخلاقيا، والمحكومون جرميا كما في حالة الرسوم والأفلام المسيئة عملية رسم الصورة والتمثيل والإعلام، فهو بمثابة حكم مسبق بالفشل والسقوط على أعمالهم، ومن سقط ابتداء في هذه الحسابات لا يجب أن يقيم له البشر اعتبارا في النتائج، فالرد على السفيه بسفاهة مثلها يُخفض من يرد الى مستواه، ويجعل للباطل وزنا لا يستحقه. وصدق من قال: «إنا لا نكافئ من عصى الله فينا بأكثر من أن نطيع الله فيه». والطاعة هنا أن يُفلَّ الحديد بالحديد، ويرد على المشروع بمشروع بقيم الإسلام، وعلى طول نفس الباطل بالاستدامة على الحق فهذه معركة مستمرة لم تبدأ اليوم، ولن تنتهي غدا، ولكن الغلبة لمن أخذ بالأسباب ورمى بنور الله في قلب الظلمة.