بعد أكثر من شهر ونصف على إسقاط حكومة الوفاق الوطني في 21 سبتمبر الماضي، أُعلن الجمعة الفائتة عن تشكيل حكومة جديدة برئاسة المهندس خالد محفوظ بحاح، ويأتي تشكيل الحكومة الجديدة بعد صعوبات رافقت تشكيلها وعملت على تعثر إعلانها، في الوقت الذي تشهد فيه البلاد جملة من التحديات والمصاعب الناتجة عن إسقاط الحكومة السابقة والاكتساح الحوثي للبلاد. ما يميز حكومة بحاح انها احتوت على وجوه جديدة وغير مألوفة في تشكيلتها، وضمت نخبة صاعدة تكاد تكون اقرب للتكنوقراط وبعيدة الى حد ما عن الانتماء السياسي، وضمت جميع المكونات السياسية بعد دخول جماعة الحوثي والحراك الجنوبي، اللذان لم يدخلا في تشكيلة حكومة باسندوة. بالنسبة لرئيس الوزراء فينتمي الى محافظة حضرموت التي ينتمي إليها سلفه باسندوة، ومن المعروف ان حضرموت كان ابناؤها هم الرجال الأنسب لتولي رئاسة الحكومة في اليمن اثناء الظروف الغير اعتيادية والأزمات السياسية التي شهدتها البلاد منذ قيام الجمهورية اليمنية في العام 1990م، فاثناء حرب الانفصال تولى رئاسة الحكومة ابوبكر العطاس، وبعد ان وضعت الحرب اوزارها وفاز المؤتمر الشعبي العام بالأغلبية المريحة عقب الانتخابات النيابية التي جرت في العام 1997م تولى رئاسة الحكومة الراحل فرج بن غانم، والذي ما لبث ان استقال بعد احد عشر شهرا من تشكيل حكومته، وفي العام 2011م تم تشكيل حكومة الوفاق الوطني بموجب المبادرة الخليجية وفي اوج الثورة الشعبية وعنفوانها، واسندت رئاستها لمحمد سالم باسندوة، وجميع تلك الحكومات جرى الإعلان عنها في ظروف شديدة مرت بها البلاد، بعكس الحكومات الأخرى التي تشكلت في اوضاع مستقرة خالية من الاضطرابات السياسية والامنية. بالنسبة لبحاح فقد كان من أبرز رجال الرئيس السابق صالح، وسبق أن عمل لخمس سنوات ولفترتين وزاريتين كوزير للنفط في حكومة على محمد مجور بعد تعرضه لحملات اعلامية حكومية من قبل نظام صالح، نشرت بعض الصحف المحلية وثائق قالت إنه تسلم 900 مليون دولار كإتاوة لمشروع الغاز الطبيعي المسال الذي أقيم في منطقة بلحاف بمحافظة شبوة لكنه نفى تلك الأخبار لاحقاً. بحاح المولود سنة 1965م يحظى بتأييد شعبي في الأوساط الحضرمية بالداخل والخارج، وهو من الشخصيات المقربة من رأس المال الحضرمي، وكان من المدافعين بشدة عن اتفاقية بيع الغاز المسال، ومن المنتقدين للمطالبين بمراجعة الاتفاقية، وفي الرابع من ديسمبر 2008م عين سفيرا لليمن في كندا، واستقال من عمله كسفير إبان الثورة الشعبية احتجاجا على قمع المتظاهرين من قبل نظام صالح، وفي كندا حقق حضورا كبيرا وكان دبلوماسياً نشطا حيث اختير ضمن قائمه أفضل 50 شخصية بارزة في العاصمة الكندية، كما انتخب رئيساً لجمعية الدبلوماسيين في كندا في 10 سبتمبر 2009م، ونائب عميد السلك الدبلوماسي العربي بكندا، وهو ايضا عضو في مؤسسة العفيف الثقافية بصنعاء ومؤسسة آراء للتنمية المدنية في حضرموت وعاد مجددا الى وزارة النفط في التعديل الحكومي الذي شهدته حكومة الوفاق الوطني خلفا للوزير دارس، وما لبث ان استقال منها، وكلف ممثلا لليمن لدى الأممالمتحدة في واشنطن، إلى حين تكليفه بتشكيل الحكومة الجديدة. الخبرات المتعددة لبحاح ستتيح له القدرة على العمل في بيئات ثقافية متداخلة، مستفيدًا في ذلك من مهاراته الإدارية والقيادية المتقدمة، بالإضافة إلى المستوى العالي من الفهم لإدارة الموارد البشرية، والعلاقات الاجتماعية، تتجلى قدرات السفير بحاح في إدارة المشروعات وحل المشاكل، واتخاذ القرارات، والعمل بروح الفريق والتفكير الإيجابي. كل تلك التنقلات في المناصب المختلفة داخل وخارج اليمن، وبين المواقع التنفيذية والدبلوماسية تجعل منه شخصاً قادرا على فهم طبيعة الاداء لحكومته، والمصاعب والتحديات التي ستواجهها، وستكسبه علاقاته مع المجتمع الدولي خارجيا، ومع النخبة السياسية في الداخل قيمة إضافية تساعده في التغلب على معظم الإشكاليات التي واجهت الحكومة السابقة، وتعزز من حضوره في تحسين الاداء الحكومي واستعادة الدولة لنفوذها وتأثيرها على المشهد العام في اليمن، خاصة بعد تعرض هيبة الدولة للانتكاس جراء الاقتحام الحوثي للمحافظات وحالة الضعف التي شهدتها الدولة مؤخراً. تقول عنه مجلة نيوزويك الامريكية"عرف بقدراته الكبيرة التي مكنته من العمل في بيئات ثقافية متداخلة، وهو ما أثقل خبراته وجعلته دبلوماسيا محنكا لديه القدرة على حل كافة المشاكل مهما كانت معقدة". واختير بحاح كرئيس للوزراء في الثالث عشر من اكتوبر الماضي في إطار اتفاق السلم والشراكة الذي وقعت عليه مختلف الاطراف في الحادي والعشرين من سبتمبر الماضي، وبتوافق جميع المكونات السياسية، التي فوضته مع الرئيس هادي لتشكيل الحكومة في الاول من نوفمبر الجاري. مهام وتحديات جاء تشكيل حكومة بحاح عقب انهيار الحكومة السابقة التي واجهت احتجاجات واسعة من جماعة الحوثي بغض النظر عن خفايا الدوافع ومؤامرة الإسقاط التي استهدفتها، كما تشكلت الحكومة الجديدة بعد حالة فراغ وصلت الى اكثر من شهر ونصف، ولم تعلن تشكيلتها النهائية الا بعد مخاض طويل بين جميع المكونات السياسية، وستؤدي مهامها في ظروف استثنائية مغايرة لتلك التي تشكلت فيها حكومة الوفاق الوطني، فهذه الأخيرة تولت إدارة البلاد في وقت كان فيه الوضع منقسما بين قوتين متوازيتين هما قوى الثورة والنظام السابق، اما هذه فتتولى الحكم في ظل ظروف امنية مضطربة، وتحت سيطرة المليشيات الحوثية على المحافظات والمدن، وفي ظل حالة ضعف يعاني منها الجيش بعد إضعافه وسلب قوته العتادية وانهيار معنويات منتسبيه، اضافة الى ضعف وتردي العلاقة السياسية بين الاحزاب وفقدان الثقة ببعضها، وارتفاع منسوب الانتهاكات الإنسانية التي تسببت فيها جماعة الحوثي، وارتفاع حدة التوترات في الجنوب، والنزوع نحو الانفصال، وتمدد تنظيم القاعدة الى اكثر من منطقة داخل اليمن. ولذلك تبدو المهمة الاولى الملحة امام حكومة بحاح هي استرجاع هيبة الدولة المفقودة، وبسط سيطرتها على كافة المناطق والمحافظات، وتقليص توسع الجماعات المسلحة، وإعادة الثقة لمؤسسات الدولة، وهذه المهمة هي أمنية بامتياز، وتقع على عاتق كل من وزير الدفاع الجديد محمود الصبيحي ووزير الداخلية جلال الرويشان، وكلاهما يحظيان بسمعة مهنية جيدة، واحترام واسع شعبياً وسياسيا وفي محيط عملهما المهني، وسيتحملان العبء الأكبر في المرحلة المقبلة، ونجاحهما مرهون بنجاح الحكومة، وعليهما تعقد الآمال في الانتصار لإرادة الوطن بعد حالة الانحطاط الذي ظهر به الجيش والأمن مؤخراً. ويبدو من المبكر الحكم على الحكومة الجديدة، ولكن، تظل الاحكام والتقييمات مرتبطة بإعلان اولويات هذه الحكومة، وموقفها الواضح من الفساد المالي والإداري، والذي ينبغي ان يكون له الاولوية، وان تقدم خطة لمحاصرته وتجفيف منابعة، وهذا سيكون عوناً لها في مهامهاً وفي مقدمة ذلك استقرار الامن وتحريك عملية التنمية، واستيعاب، التمويلات والمساعدات المقدمة، علماً ان معظم المليشيات، المسلحة الموجودة والفوضى القائمة تعيش على الفساد، تمويلاً وتسليحاً وتغذيةً وايواءً. تبدو حكومة بحاح في وضع المسؤولية الثقيلة التي يراهن عليها الشعب ويتطلع نحوها، وينبغي ان تضع نصب عينها الاخطاء والعثرات التي واجهت سلفها، وأن تقف عندها وتعمل على تجاوزها ومعالجتها واستدراك اماكن الخلل والضعف، وتنمية نقاط القوة والايجابية. ومن المهام الرئيسية الملقاة على عاتق الحكومة الجديدة مراجعة خطة التقسيم التي وضعتها الحكومة السابقة لتقسيم اليمن إلى ستة أقاليم وفقا لمخرجات مؤتمر الحوار الوطني وتقسيم السلطات والصلاحيات بين تلك الأقاليم، وتستطيع الحكومة ان تتجاوز الكثير من العثرات والأخطاء اذا استطاعت ان تعمل كفريق واحد وفقا لمنطلقات وطنية بحتة وبعيدا عن الانتماءات السياسية، والإملاءات الحزبية التي تعرقل اداءها. وفيما يبدو ستمثل العقوبات الاممية التي فرضت مؤخرا على الرئيس السابق وشقيق زعيم الجماعة الحوثية عبدالخالق الحوثي، وقائدها الميداني ابوعلي الحاكم، اولى العقبات في طريق حكومة بحاح، خاصة بعد تأزم العلاقة داخل المؤتمر الشعبي العام، وقيامه بفصل الرئيس هادي من عضوية الحزب كأمين عام والدكتور عبدالكريم الإرياني كأمين عام ثاني، وهذه الخطوة بالتأكيد ستلقي بظلالها على حكومة بحاح وستعمل على عرقلتها، وتقديم استقالة البعض من التشكيلة. وبالنسبة لعلاقة الحكومة بالرئاسة فرئاسة الجمهورية هي المعول عليها في اليمن، فالحكومات اليمنية منذ عقود هي رجع صدى للرؤساء، ورؤساء الحكومات على دين رؤساء الجمهورية إلا من رحم ربي. لكن حكومة بحاح تأتي في ظروف مغايرة نسبيا للحكومات السابقة، فهناك فراغ يلمسه الجميع في الموقع الرئاسي ودروس مستفادة من خبرة السنوات ال3 الماضية، يقول سامي غالب في منشور له على الفيسبوك: الحكومات لا تحكم في اليمن. وهذه حكومة ولدت في ظل رئيس يزداد ضعفا وجماعة سياسية (مسلحة) تطبق على العاصمة. ثم إنها حكومة ستعمل بمرجعيات متداخلة واحيانا متعارضة (دستور ومبادرة خليجية وآلية تنفيذية ومخرجات حوار واتفاق شراكة). ومع ذلك فإنها مطالبة بان تكون حكومة استثنائية تتمتع بصلاحيات حكومة في نظام برلماني. * مدير تحرير صحيفة الناس [email protected]