Who withdraw from the losing battle, can live to fight again يقول المثل الإنجليزي: ومعناه: (الذي ينسحب من المعركة الخاسرة، يمكن أن يعيش ليقاتل مرة أخرى) في الحروب، لا يكون هناك منتصر واحد، الإنسحاب من المواجهة الخاسرة يُعد انتصاراً، وهذا مافعله خالد بن الوليد في معركة مؤتة، التي صارت من أشهر انتصاراته. في الحرب العالمية الثانية، أطلقت الولاياتالمتحدةالأمريكية قنبلتين نوويتن، على مدينتي هوريشيما وناجازاكي اليابانيتين، حينها سارع الإمبراطور الياباني إلى إعلان الاستسلام، فقيل له لازلنا أقوياء، ولدينا الكثير من فرص المواجه، فأجاب: نعم أدرك تلك القوة لكني أريد الحفاظ عليها. في الحروب قد يبدو المهزوم هو المنتصر الحقيقي، ما فعله اليابان حين استسلم بتلك السرعة، وقبل بالشروط المجحفة بحق شعبه، أثبت التاريخ بأن ذلك الموقف كان انتصاراً للشعب الياباني، حيث حافظ على شعبه ومالديه من مقومات القوة، لاستخدمها في العمل الصناعي، ماجعله يقود العالم، من خلال تلك الصناعات التي هيمن بها على العالم بكامله. أن تحافظ على ما يمكن الحفاظ عليه، هو الدليل الحقيقي على الوطنية والحفاظ على حياة الناس، استمرار الحوثي وصالح في مواجهة محصورة ضد الشعب، تترجم حسب قاموس صالح أنه يسعى لتحقيق تهديداته عن هدم المعبد منذ أن كان حاكماً(عليا وعلى أعدائي يارب) عزاء الشعب في هذا القول، أنه بدأ فيه بنفسه قبل أعداءه، لقد أثبت الواقع بأن العدو الحقيقي عند صالح هو الشعب، تقول الأحداث بأن المخزون السلعي من المواد الغذائية المختلفة في اليمن، انتهت في الأسبوع الأول من عاصفة الحزم، بينما المخزون العسكري من الأسلحة المتوسطة والخفيفة، لا يزال كبيراً بعد مضي ما يقرب من شهرين، ذلك المخزون الهائل من الأسلحة، قال الواقع بأنها لم تكن سوى لضرب عدوه يعني (الداخل) وليس لمواجهة الخارج، لأن الخارج تمكن من السيطرة على الأجواء اليمنية في أقل من 15دقيقة، دون أن تفعل تلك الأسلحة شيء لحماية الشعب، لأن مهمتها لم تكن كذلك. السؤال الآن لماذا يستمر صالح والحوثي، في حصار الشعب وقتاله عسكرياً حتى في فترة الهدنة ؟! بينما يكاد يقتصر الأمر على المواجهة الإعلامية مع ما يقولون بأنه عدوان خارجي؟! الأحداث طوال الفترة الماضية تقول: هناك سببين لصالح والحوثي، يدفعانهما إلى العنف ضد الشعب. السبب الأول: يتمثل في الدعم الأمريكي، الذي يستخدمهما كبيادق، لضمان بقائها في منطقة الخليج للحفاظ على مصالحها، وما يؤكد هذا القول، أن الولاياتالمتحدة دعمت الحوثي بغطاء أممي منذ دماج وحتى وصوله صنعاء، وحاربت معه في البيضاء ورداع وغيرها، وعلى الصعيد الخارجي خذلت الثورة السورية، بطريقة غير إنسانية ولا أخلاقية، رغم كل جرائم الأسد ضد الشعب، وعندما تغيرت السياسة السعودية تجاه هذين الطرفين، لم يكن ذلك الأمر مرحب به لدى الولاياتالمتحدة، أمريكا لن تسمح بالقضاء على هذه الأذرع الإيرانية في المنطقة، فهي تريد أن تبقي على عبثها بكافة مقومات البلدان التي زرعت فيها، لأن ذلك هو المبرر الأساسي لبقائها في المنطقة، باعتبار أنها ستمنع تلك الأيادي أن تمتد إلى دول الخليج، إذا سمحت أمريكا بالقضاء على هذه الأذرع، سيكون التالي هو العراق، وهو ما يعني أن التهديدات الإيرانية على المنطقة ستكون شبه منعدمة، وقد يتحول الأمر عكسياً –ليمثل المد السني تهديداً لإيران- وفي ظل وضع كهذا، لن يكون لوجود أمريكا في الخليج أي مبرر. عندما ظهرت المملكة مصرة للقضاء على هذه الأذرع، التي صارت بالفعل تهدد الأمن القومي للمملكة وكل دول الخليج، حينها سارعت الولاياتالمتحدة إلى عقد مؤتمر جنيف، هي تريد أن تعرف موقعها في ظل هذه التحولات الكبيرة التي تقودها السعودية في المنطقة، وعلى ما يبدو فإن مؤتمر جنيف لم يتمكن من تلبيات الرغبات الأمريكية، المتابع للأحداث على الأرض سيجد التعاون الأمريكي الإيراني أنتج التالي: على المستوى السوري والعراقي: عاد تنظيم داعش منذ يوم الجمعة الماضية ليسجل بطولات جديدة، ويحتل مناطق هامة، التحرك الإيراني بدأ يظهر بشكل لافت في العراق بصورة جلية، على المستويين السياسي والعسكري. على المستوى اليمني: توجيهات الولاياتالمتحدة تقول لصالح والحوثي، بأن المزيد من العنف ضد المدنيين، هي الورقة الرابحة، وأنها الوسيلة المُثلى التي ستمكنها كحليف، من الضغط على بقية المجتمع الدولي، للمطالبة بوقف هذه الجرائم ضد المدنيين، بحجة أن ما يجري يُعد انتهاكاً للقوانين الدولية، وجرائم ضد الإنسانية، لذلك فإنها تريد التعجيل بالحل السياسي قبل القضاء كلي عليهما، وهذا يفسر الجرائم الوحشية التي ارتكبت أيضاً منذ يوم الجمعة الماضية برغم أن الهدنة لا تزال قائمة. القرار الأممي رقم(2216) الذي اتخذ تحت البند السابع، أعطا صالح والحوثي مهلة عشرة أيام لتنفيذه، وكان من المفترض على المجلس أن يتخذ قرارات أكثر حزماً على أرض الواقع بعد انتهاء المهلة، غير أن الذي جرى هو تحول تلك الضغوطات الأمريكية والمجتمع الدولي المتحالف معها، ضد دول عاصفة الحزم، العجيب أن عذر هذه الدعوة هو القول بأن صالح وحليفه لم يستجيبا لتنفيذ القرار الأممي (2216) . الضغوطات الأمريكية قبل مؤتمر جنيف أنتجت هدنة ال خمسة أيام، والتي كان المؤمل منها أن تمدد إلى مثلها، لكن المملكة أدركت الهدف من تلك الهدنة وارادت أن تقول لحلفاء الثورة المضادة في اليمن، أعطيناكم هدنة إنسانية ونحن ندرك بأنها مثلت فرصة هامة بالنسبة لكم، تمكنتما خلالها من التقاط أنفاسكما، وإعادة التموضع في نقاط عدة، واستحوذتم خلالها على الكثير من المساعدات الخارجية بمختلف أنواعهما وبخاصة المشتقات النفطية، حين احتكرتما عملية توزيع المعونات الإنسانية، في محاولة لكسب المزيد من الأنصار، وزيادة معانات المحافظات التي تحاصرونها، لكنا نراقب كافة تحركاتكما على أرض الواقع، وكانت الهدنة بالنسبة إلينا هي الطعم الذي أخرج الفئران من جحورهما. وبالعودة إلى الشأن الأمريكي، فإن مثل هذه المواقف المستميتة في الشأن اليمني، لم نجدها ضد بشار الأسد في سوريا الذي فعل في شعبه أضعاف ما يفعله صالح والحوثي في اليمن، السبب أنها تريده أن يبقى قوياً ومسيطراً على الأرض، بغض النظر عن الجرائم التي يرتكبها ضد شعبه، وهو ما يحصل اليوم مع صالح والحوثي، ما أريد الوصول إليه، هو التأكيد على تغير السياسية الأمريكية تبعاً لمصالحها، حتى صارت تبدو كحليف هام جداً بالنسبة إلى صالح والحوثي، ليس لأن التحالف معهما خيراً من التحالف مع الخليج، بل لأنهما يُمثلان الوسيلة أو السبب الرئيسي للتحالف مع الخليج، ولعل ذلك هو ما عناه صالح في خطابه الأخير بالقول (بأن استمرار الضربات الجوية على اليمن ستخلق تحالفات جديدة في المنطقة). صالح، المعروف بالثعلب السياسي، كان يدرك تلك الحقيقة، لذلك ارتمى في أحضان الحوثي، ليس لأنه ينظر إلى ما وراء الحوثي، لكنه ينظر إلى ما وراء وراء الحوثي، كما أنه يريد أن ينتقم من خصومه ويشعل كل هذه الفوضى باسم الحوثي، معتبراً أنه خارج إطار كل ما يحدث في اليمن، لذلك فهو حتى ما قبل قصف منزله، كان لا يزال يدعو الأطراف المتصارعة –حسب قوله- إلى ضبط النفس ووقف العنف، وكأنه مراقب في الأممالمتحدة، وليس المحرك الفعلي على كل مايجري في اليمن. أما السبب الثاني: فإنه يعود إلى أهداف وخطط (صالح والحوثي) النابعة من نفسياتهما الإستبدادية، التي ترتكز على حب الإنتقام من الشعب الرافض لطريقتهما السيئة في الحكم، تلك النفسية التي تقول لصالح، بأنه كزعيم يجب أن لا يرضخ لمطالب وشروط الغير، ولو كان ذلك الغير هو الشعب صاحب الحق الحصري في الحكم، فقط لأنه اعتاد طويلاً على إرغام الآخرين إلى الإنصياع لشروطه، وتلك النفسية ذاتها تقول للحوثي، بأنه وعد أنصاره بالنصر، وهو المؤيد من السماء –كما يقول- فكيف يعترف بالهزيمة ؟! أحد الكتاب المناصرين له قبل فترة يقول، إن اختفاء عبد الملك الحوثي منذ فترة، لأنه في لقاء مع الله، يتلقى التوجيهات منه، وقال: سيظهر بعد الأربعين يوماً حاملاً لأنصاره معجزة للنصر(للأسف مرت الأربعين يوماً ولم يعد من ذلك اللقاء، البعض يعتقد بأنه لقاء لا عودة فيه) يُعلق آخر مُخاطباً الحوثيين: إذا لم يأتي سيدكم في فترة النفاس -الأربعين يوماً- تطلعوا إلى فترة الرضاع، حولين كاملين. إن اعتماد الحليفين صالح والحوثي، على الحليف الأمريكي الذي يريد الحفاظ على بقاءه في المنطقة، والانحياز الكامل لتلك النزعة الشخصية، والإنتصار للذات بتلك الطريقة، سيقودهما إلى الاستمرار في المضي قدماً نحو التصعيد العسكري ضد الشعب لعدة أسباب أهمها: 1-لا أحدهما ولا كلاهما استلم الحكم، أو أعلن نفسه حاكماً، لذلك فإنهم يعتقدون أن بقاء الأوضاع في حالة فوضى تجعل منهما غير مسؤولين على ما يجري، وأنه لن يُحاسبهما أحد، لذلك فهما منذ البداية لم يُطلقا على ماقامابه انقلاباً، لأنه سيجعل منهما حاكِمين، وبتالي سيتحملان مسؤولية ما يجري. 2-هذا الوضع المُنفلت، سيُمكنهما من العمل على كسب المزيد من الأموال بطرق كثيرة منها: المتاجرة في السوق السوداء بأقوات الشعب، حيث وصلت أسعار المشتقات النفطية، إلى أكثر من عشرة أضعاف، إضافة إلى الخصميات التي يفرضونها على موظفي الدولة، علاوة على ما يقومون بنهبه من المال العام بطرق مختلفة -كما فعلوا ب107مليون دولار التي سُحبت من خزينة البنك المركزي- مع أن بمقدورهما أن يسحبا المبلغ بشكل رسمي، لكن ذلك سيجعلهما مسؤولين عنه، لذلك فإنهم يغيرون الأساليب في النهب، إضافة إلى تأميم بعض أراضي الدولة وتملّكها، ونهب ممتلكات الخصوم بمختلف تنوعاتهم، وأخيراً الاستيلاء على المساعدات الخارجية لما يسمونه المجهود الحربي والمتاجرة به في السوق السوداء. 3-في ظل هذا الوضع الأمني المنفلت، فإن كل الممارسات التي يقومون بها، و الإنتقام من خصومهما، كل ذلك لا يكلفهما أي خسائر، لأنهما يفعلانه بأموال وممتلكات الدولة. 4-في ظل وضع كهذا سيكون بمقدورهما التخلص من الدلائل والإدانات، التي قد تمثل عليهما خطراً في المستقبل، سواء كانوا أشخاصاً أو وثائق. 5-كسب المزيد من الوقت ليبحث كل طرف منهما عن مكان يمكن اللجوء إليه إن ساءت الأمور، وسيجدون ذلك بحكم الأموال التي يملكوها، والحلفاء الذين يقفون معهما، وإذا بدأت المؤشرات تقول بأن هذا هو الحل الأمثل، فإنهما سيستمران في إهلاك الحرث والنسل، للتأكد من القضاء على كل شيء في البلد. 6-هذا الوضع يعتبر الوضع المثالي لتشكل العصابات المختلفة، أو من يطلق عليهم في هذه الظروف ب (أمراء الحروب) من الذين يبحثون عن الثراء الفاحش والسريع، هذه الجماعات سيقوم صالح والحوثي بتشجيعها ودعمها، لأنهم يمثلون الوسطاء في الحصول على المزيد من الأموال من خلال ما ذكرناه سابقاً. هذه الأوضاع المنفلتة ستخلق أمراء حروب، يفوقون أمراء الحروب في الصومال، من كافة الجوانب، كما أن هذه العصابات -إن تمكنت قيادات الحوثي وصالح من الخروج خارج اليمن، وكان هذا هو المخرج الوحيد- ستكون هذه العصابات في المستقبل، أيادي خطرة لتلك القيادات، تعمل من خلالها على خلق أوضاع غير مستقرة وآمنة داخل اليمن، لأنه لا أحد من الناحية الأخلاقية أو الإنسانية في كلا الطرفين، قد يؤنبه ضميره، على كل ما يجري للمواطنين، الضمير الغائب لا يتألم، ولا يلوم، ولا يتحمل المسؤولية عن أي شيء يحدث، مثل تلك الضمائر تظل غائبة إلا إن تم جرها جراً، أمام إرادة تكون سلطتها أكبر من سلطات تلك النفوس، التي جُبلت على أن تطرب، حين تكون سبباً ومصدراً لمعاناة الآخرين. تلك القيادات، تعتقد بأن مثل هذا الحل قد يمنحها فرصة جديدة للعودة إلى تحقيق أحلامها للبقاء في الحكم -شخصياً لا أعتقد بأن أحدهما أو كلاهما، يمكن أن يُرغم نفسه على العيش دون أن يكون في صدارة المشهد السياسي- يقول أحد أعضاء لجنة الأممالمتحدة، المكلفين بالتحقيق لمعرفة المتسببين في زعزعة الأوضاع في اليمن، أنهم سألوا مندوبهم السابق جمال بن عمر، عن الطريقة المثلى لوقف العنف، فكان جوابه صادماً وواضحاً في نفس الوقت حيث قال: (لن تحل مشاكل اليمن مالم تحل مشكلة صالح، وحين سألوه عن مشكلة صالح، قال: الحكم، الحكم، الحكم) هكذا رددها ثلاثاً، علق أحد الظرفاء على ذلك بالقول: ثم ظل يُرددها حتى قلنا ليته سكت. [email protected]