تمر الأحداث بوتيرة متسارعة وبشكل متلاحق على الصعيد السوري الأمر الذي يُعجل باقتراب انهيار أركان نظام بشار الأسد وبلوغه نهايته الحتمية ألا وهي نهاية الظلم والظالمين, نهاية كل طاغية نصب من نفسه سلطانا على شعبه وجعلهم شيعا يستضعف طائفة منهم, يسفك دمائهم ويذبح أبنائهم ويهتك أعراض حرائرهم وكأنه أراد أن يستأسد على شعبه لفشله الذريع في الاستئساد على عدوه الحقيقي الذي ينتهك أجوائه من حين لأخر والذي لازال يحتل مرتفعات الجولان منذ نكسة يونيو/حزيران عام 1967 ويذيق أهلها الذل والهوان دون أن تتحرك فيه نخوة العروبة والقومية التي لازال يصدعنا بها منذ توليه رئاسة الجمهورية العربية (الملكية) السورية بالوراثة عن أبيه, وهو لازال يتشدق بأنه رئيس جبهة الممانعة العربية ضد الهيمنة الأمريكية والصهيونية على طول خط المواجهة. ويصدق فيه القول "أسدٌ على شعبه ونعامة أمام عدوه". ورغم كل هذه الأحداث المروعة التي تشهدها الساحة السورية وازدياد عدد الشهداء في صفوف الثوار الأحرار, إلا أنني أشعر بتفاؤل كبير وذلك عقب إعلان التلفزيون السوري مقتل وزير الدفاع السوري داوود عبد الله راجحة ونائب رئيس الأركان وصهر بشار الأسد اللواء آصف شوكت والعماد حسن تركماني رئيس خلية إدارة الأزمة في سوريا في التفجير الذي استهدف مبنى الأمن القومي وسط العاصمة السورية دمشق والذي تزامن مع اجتماع لوزراء وقادة أمنيين داخل المبنى. و يُذكر أن راجحة هو أيضا نائب القائد العام للجيش السوري ونائب رئيس مجلس الوزراء. ومنذ اندلاع الثورة السورية اعتبر راجحة أن بلاده تتعرض لمؤامرة كبرى وحرب حقيقية تستهدف كيانها، واتهم الغرب باختلاق الأحداث. وخلال توليه مسؤولية وزارة الدفاع قام الجيش السوري باجتياح عدد من المدن السورية في محاولة لقمع الثورة التي دخلت شهرها ال16 عشر، وهو ما جعل اسم راجحة يندرج في قائمة العقوبات الأوروبية والأمريكية والعربية مع 12 وزيرا آخر، واعتبره الغرب أحد أبرز المسؤولين عن عمليات القتل والقمع في البلاد. ويبدو أن ثورة البركان قد بدأت تلوح في الأفق, أقصد البركان الذي تحدث عنه قاسم سعد الدين المتحدث باسم الجيش السوري الحر. حيث أعلن الجيش السوري الحر المنشق عن نظام بشار الأسد، عن إطلاق حملة عسكرية لتخليص البلاد من حكم الأسد وحزبه؛ ليشير إلى دخول الثورة السورية إلى مرحلة جديدة لا تكتفي فقط بالمظاهرات السلمية التي تعم المدن مطالبة بإسقاط النظام وإنما ترسي قواعد أخرى لحماية المتظاهرين العزّل الذين اكتفى العالم بمشاهدتهم وهم يتساقطون قتلى وجرحى بنيران جيش بشار العلوي في حرب إبادة طائفية. وكان التلفزيون السوري الرسمي قد أعلن عن وقوع تفجير وصفه ب"الانتحاري" استهدف مبنى الأمن القومي، فيما أكدت المعارضة السورية أن التفجير نفذه أحد عناصر الجيش السوري الحر، وتم عن بعد وأن منفذ الانفجار لازال ينعم بالأمان حالياً. كما قُتل أكثر من 60 من عناصر القوات النظامية السورية في معارك مع المقاتلين في دمشق خلال اليومين الأخيرين. وقام الأشاوس من الجيش السوري الحر كذلك بقصف مطار دمشق الدولي وأسقطوا مروحتين كانتا تقصفان حيي التضامن والحجر الأسود في دمشق. ويأتي ذلك تزامناً مع تأكيدات قائد وحدة الاستخبارات في الجيش الإسرائيلي "أفيف كوخافي" بأن الرئيس السوري بشار الأسد، نقل قوات من الجيش من هضبة الجولان باتجاه دمشق إلى مناطق النزاع الداخلي لأنه ليس خائفاً من إسرائيل في هذه النقطة، لكنه يريد تعزيز قواته حول دمشق. وفي الوقت ذاته تنتشر الأنباء عن مزيد من الانشقاقات في صفوف الجيش وهو الركيزة التي يعتمد عليها بشار؛ لكي يواصل عتوه وحسبما يرى المراقبون فإن الأوضاع تتجه لانشقاق معظم الألوية السنية في الجيش، وهي الغالبية ولن يبقى مع بشار إلا مجموعة صغيرة من النصيريين الذين يقاتلون لأسباب طائفية، وهؤلاء لن يصمدوا معه طويلاً نظرا لوهن العقيدة العسكرية التي يقاتلون من أجلها. ومثل هذه الهجمات النوعية هي التي تفت في عضض أي نظام وتزلزل أركانه بل وتبشر أيضا بقرب تحطمه تماما, ومن الواضح أن المقاومة السورية ضد نظام الأسد بدت تتخذ منعطفا جديدا وأسلوبا تكتيكيا موجعا وموجها بشكل مباشر لقلب النظام المتصدع من الداخل والذي يحاول التشبث بالسلطة حتى أخر نَفَس. ولازال نظام البعث السوري يمارس التضليل والتزييف واصفا نفسه "بركيزة الصمود والتحدي في المنطقة"، وهو خطاب كاذب مضلل لاينطلي على شعوب المنطقة التي ترى وتسمع العشرات من المحطات الفضائية في ظل السموات المفتوحة وثورة المعلومات والإعلام البديل. ولو عدنا بالتاريخ وتساءلنا منذ متى كان الأسد الأب أو الإبن في طليعة مقاومة العدو الغاصب المحتل؟! وماذا فعلا من أجل تحرير الأراضي المغتصبة منذ عشرات السنين سوى إطلاق الشعارات الجوفاء والتهديدات الكلامية التي لا يصدقها طفل صغير. فلم نشاهدهما يشنان حروباً سوى على أبناء الشعب السوري الأعزل، لقد قتل الأب الآلاف في حماة، وكذلك الإبن يسير على نفس النهج الغاشم والغباء المستحكم ويبدو أنه سوف يتفوق على أبيه بمزيد من المذابح وإراقة دماء الأبرياء من أبناء الشعب السوري الأبي. مثل هذه الأحدث تبين مدى الغباء المستحكم الي يمارسه الساسة القمعيون ضد شعوبهم فهم لايعلمون أنهم مهما عاشوا وعاثوا في الأرض فسادا ودمروا البلاد وقتلوا العباد ومهما طال وجودهم في الحكم فهم في نهاية المطاف إلى زوال, وأن الشعب هو الذي سيبقى, وهو الذي سيحكم ويسود. ومن الواضح أيضا أن أمثال هؤلاء الطعاة يشتركون في نفس الصفات, ويرتكبون نفس الحماقات. فلو نظرنا وتأملنا حكام دول الربيع العربي لوجدنا أنهم جميعا يتسمون بالغباء المدمر, وكأن الله يعمي أبصارهم حتى يدمروا عروشهم وملكهم بأيديهم ليكونوا عبرة لمن خلفهم. وفي ظل هذه المعركة الحاسمة أود أن أطمئن الشعب السوري المناضل وأشد على أيديهم وأذكرهم بأن النصر مع الصبر, وإنما النصر صبر ساعة. وأذكرهم بقول الحق تبارك وتعالى : "يَا أَيها الذين أمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تُفلحون" (آل عمران)- 200. فالصبر هو مفتاح الفرج ومفتاح الخلاص والتحرر من الظلم. والحرية باهظة الثمن ، وأنتم ارتضيتم دفع هذا الثمن. ونحن في هذه الأيام المباركة التي لا يفصلنا فيها عن شهر رمضان شهر الانتصارات غير بضع ساعات, نتضرع إلى الله العزيز الجبار أن يعجل بنصرة أهلنا في سوريا وأن يبدلهم من بعد خوفهم أمنا ومن بعد ذلهم عزا, وأن يأخذ بشار وجنده أخذ عزيز مقتدر وأن يجعل مصيره كمصير القذافي ليكون وجنده أية لمن خلفهم وعبرة لمن يعتبر. * صحفي مصري مقيم في دبي