الحب منحة إلهية يهبها الله لمن يقدسها، ويفيها حقها من الطهر والتقدير والإجلال.. وهو آية من آيات الله لعباده. لتسمو به النفوس وتنشرح به الصدور، وتطمئن به القلوب.. وهو عاطفة إنسانية نبيلة، أودعها الله في قلب كل إنسان.. حيث يصير القلب والعقل مشغولاً وهائماً بمن يحب.. تظلم الدنيا وتضيق إن لم ير المحبوب…. ولكن هناك من فهم الحب أنه مجرد تسلية وقضاء وقت فراغ، إرضاء لنزواته ورغباته ولم يعلموا أن الحب يهذب النفس، ويرقق الطباع، إذا ما كان حباً طاهراً عفيفاً لم تخالطه الأهواء والمصالح ..وفي تاريخنا العربي قصص حب سطرها العشاق بدماء قلوبهم، فأخلصوا للحب، وبه عاشوا ..وذاقوا مرارة الهجر والحرمان.وبقيت قصص حبهم شواهد خالدة على حبهم مدى الأزمان.. كقيس وليلى، وجميل بثينة، وكثير عزة.. وغيرهم. ففي الأيام الماضية كثر الجدل حول حب جديد تخطى الحدود والصعاب وأصبح حديث الناس والوسائل الإعلامية وتعاطف الكثيرون مع هذا الحب وصاحبيه.. أي حب الفتاة السعودية "هدى آل نيران" والشاب اليمني عرفات، ونال هذا الحب شهرة وضجة إعلامية كبيرة.. حين أقدمت الفتاة «هدى» على مغادرة بيتها والفرار إلى حيث يقطن حبيب القلب وعبرت الحدود اليمنية غير آبهة بالصعاب، تاركة ديارها وعشيرتها وأهلها. ولقيت هذه القصة تعاطفاً شعبياً وإعلامياً خاصة بعد أن وصلت قضيتها إلى المحكمة وأن "هدى" لابد أن تعود إلى بلدها، لأنها دخلت اليمن بطريقة غير شريعة ،ولأن هذه القصة جاءت في وقت تأثربها الكثير من اليمنيين ووقف البعض مع هذا الحب وسانده بوقفات تضامن وأن الحب لابد أن ينتصر. ولأننا مازلنا نعيش في جلباب الماضي والأعراف والعادات التي توارثناها أن الفتاة عندما تحب شاباً ويبادلها الحب عيب وعار، وخروج عن العادات والتقاليد، وأن الفتاة عندما يعلم بقصة حبها الأب والأهل يكون عقابها الحرمان من هذا الحب، لأنها تجرأت على أعراف القبيلة. فما للفتاة "هدى" يحدث كثيراً لفتيات أخريات يرفض آباؤهن الزواج بمن أحببن، إلا أنهن يكتمن حبهن في صدورهن، ويكابدن آلام الحب وتباريحه، لكن "هدى" كسرت الحواجز وهربت إلى حيث الحبيب…مخلفة وراءها أباً مكلوماً يواري نفسه خجلاً وحياءً من قومه مما فعلته ابنته. من حق الأب أن يختار لابنته زوجاً يراه مناسباً، ومن حقه أن يرفض من لا يراه كذلك، حتى وإن كانت البنت تحب شاباً، لابد أن يحل الأمر بالحكمة والرضا والتوافق.. ولكن هنا أتساءل: هل من حق الفتاة دينياً وأخلاقياً وفي عرف المجتمع أن تعبر عن حبها ولا تجد وسيلة أخرى غير الهروب من حضن أبيها وأمها وتترك ألسنة الناس تنهش في شرف الأب والأم بالقيل والقال؟.. هل الحب هو القفز فوق الأخلاق والتضحية بالأهل والتخلي عن قيم الأبوة والاحترام؟. تخيلوا معي كيف هو حال والد الفتاة "هدى" عندما علم بأن ابنته فرت من البيت بسبب الحب.. وهو يعيش في مجتمع لا يرحم سيظل يصمه بالعار… فلو أن كل فتاة رفضت الزواج إلا بمن تحب، وقررت اللحاق بحبيبها والهروب معه.. كيف سيكون حال الفتيات.. وحال مجتمعاتنا العربية. لعمري إن هذا هو التقليد الأعمى للثقافات الوافدة علينا، والدخيلة على قيمنا وأخلاقنا، وتأثر كبير بالمسلسلات التركية والمكسيكية والأفلام الغربية… فلكم سطر التاريخ قصص عاشقين عانوا وكابدوا، وما تجرأت عاشقة أن تدوس على عادات وقيم المجتمع وتلحق بحبيبها ..فهذا قيس بن الملوح وابنة عمه ليلى التي أحبته حبها طاهراً عفيفاً، لم تفكر أن تفر مع "قيس" ليعيشا في حب وأمان ..فهل سنجد حباً أقوى وأطهر من حب "قيس وليلى" وهما رائد الحب العذري العفيف ،مع احترامي الكبير لكل عاشقين. في الأخير .. لا أملك إلا التسليم بقيمة الحب وعظمته وقُدسيته، وأتمنى لكل عاشقين لم الشمل واللقاء والسُعد بالزواج ..مع أن "هدى" كان بإمكانها أن تصمد أمام التحديات وتواجه المشاكل وتنتصر للحب بطريقة غير الهروب.. لكنها هي الآن في محنة مع الحب.