الأستاذ علي الكردي رئيس منتدى عدن ل"26سبتمبر": نطالب فخامة الرئيس بإنصاف المظلومين    الشيخ علي محسن عاصم ل "26 سبتمبر": لن نفرط في دماء الشهداء وسنلاحق المجرمين    الشهادة منحة إلهية    انها ليست قيادة سرية شابة وانما "حزب الله" جديد    فوز (ممداني) صفعة ل(ترامب) ول(الكيان الصهيوني)    في وقفات شعبية وفاءً لدماء الشهداء واستمرارًا في التعبئة والجهوزية..قبائل اليمن تؤكد الوقوف في وجه قوى الطاغوت والاستكبار العالمي    مرض الفشل الكلوي (27)    فتح منفذ حرض .. قرار إنساني لا يحتمل التأجيل    الأمين العام لجمعية الهلال الأحمر اليمني ل 26 سبتمبر : الأزمة الإنسانية في اليمن تتطلب تدخلات عاجلة وفاعلة    ثقافة الاستعلاء .. مهوى السقوط..!!    تيجان المجد    الشهادة .. بين التقديس الإنساني والمفهوم القرآني    الزعوري: العلاقات اليمنية السعودية تتجاوز حدود الجغرافيا والدين واللغة لتصل إلى درجة النسيج الاجتماعي الواحد    الدولة المخطوفة: 17 يومًا من الغياب القسري لعارف قطران ونجله وصمتي الحاضر ينتظر رشدهم    الدوري الانكليزي: مان سيتي يسترجع امجاد الماضي بثلاثية مدوية امام ليفربول    نجاة برلماني من محاولة اغتيال في تعز    سقوط ريال مدريد امام فاليكانو في الليغا    الأهلي يتوج بلقب بطل كأس السوبر المصري على حساب الزمالك    قراءة تحليلية لنص "مفارقات" ل"أحمد سيف حاشد"    الرئيس الزُبيدي يُعزي قائد العمليات المشتركة الإماراتي بوفاة والدته    محافظ العاصمة عدن يكرم الشاعرة والفنانة التشكيلية نادية المفلحي    الأرصاد يحذر من احتمالية تشكل الصقيع على المرتفعات.. ودرجات الحرارة الصغرى تنخفض إلى الصفر المئوي    وزير الصحة: نعمل على تحديث أدوات الوزارة المالية والإدارية ورفع كفاءة الإنفاق    في بطولة البرنامج السعودي : طائرة الاتفاق بالحوطة تتغلب على البرق بتريم في تصفيات حضرموت الوادي والصحراء    جناح سقطرى.. لؤلؤة التراث تتألق في سماء مهرجان الشيخ زايد بأبوظبي    تدشين قسم الأرشيف الإلكتروني بمصلحة الأحوال المدنية بعدن في نقلة نوعية نحو التحول الرقمي    شبوة تحتضن إجتماعات الاتحاد اليمني العام للكرة الطائرة لأول مرة    رئيس بنك نيويورك "يحذر": تفاقم فقر الأمريكيين قد يقود البلاد إلى ركود اقتصادي    صنعاء.. البنك المركزي يوجّه بإعادة التعامل مع منشأة صرافة    وزير الصناعة يشيد بجهود صندوق تنمية المهارات في مجال بناء القدرات وتنمية الموارد البشرية    اليمن تشارك في اجتماع الجمعية العمومية الرابع عشر للاتحاد الرياضي للتضامن الإسلامي بالرياض 2025م.    الكثيري يؤكد دعم المجلس الانتقالي لمنتدى الطالب المهري بحضرموت    بن ماضي يكرر جريمة الأشطل بهدم الجسر الصيني أول جسور حضرموت (صور)    رئيس الحكومة يشكو محافظ المهرة لمجلس القيادة.. تجاوزات جمركية تهدد وحدة النظام المالي للدولة "وثيقة"    خفر السواحل تعلن ضبط سفينتين قادمتين من جيبوتي وتصادر معدات اتصالات حديثه    ارتفاع أسعار المستهلكين في الصين يخالف التوقعات في أكتوبر    علموا أولادكم أن مصر لم تكن يوم ارض عابرة، بل كانت ساحة يمر منها تاريخ الوحي.    كم خطوة تحتاج يوميا لتؤخر شيخوخة دماغك؟    محافظ المهرة.. تمرد وفساد يهددان جدية الحكومة ويستوجب الإقالة والمحاسبة    أوقفوا الاستنزاف للمال العام على حساب شعب يجوع    هل أنت إخواني؟.. اختبر نفسك    أبناء الحجرية في عدن.. إحسان الجنوب الذي قوبل بالغدر والنكران    عين الوطن الساهرة (1)    سرقة أكثر من 25 مليون دولار من صندوق الترويج السياحي منذ 2017    نائب وزير الشباب يؤكد المضي في توسيع قاعدة الأنشطة وتنفيذ المشاريع ذات الأولوية    الدوري الانكليزي الممتاز: تشيلسي يعمق جراحات وولفرهامبتون ويبقيه بدون اي فوز    جرحى عسكريون ينصبون خيمة اعتصام في مأرب    الهيئة العامة لتنظيم شؤون النقل البري تعزّي ضحايا حادث العرقوب وتعلن تشكيل فرق ميدانية لمتابعة التحقيقات والإجراءات اللازمة    قراءة تحليلية لنص "رجل يقبل حبيبته" ل"أحمد سيف حاشد"    مأرب.. فعالية توعوية بمناسبة الأسبوع العالمي للسلامة الدوائية    في ذكرى رحيل هاشم علي .. من "زهرة الحنُّون" إلى مقام الألفة    مأرب.. تسجيل 61 حالة وفاة وإصابة بمرض الدفتيريا منذ بداية العام    على رأسها الشمندر.. 6 مشروبات لتقوية الدماغ والذاكرة    كما تدين تدان .. في الخير قبل الشر    الزكاة تدشن تحصيل وصرف زكاة الحبوب في جبل المحويت    صحة مأرب تعلن تسجيل 4 وفيات و57 إصابة بمرض الدفتيريا منذ بداية العام الجاري    الشهادة في سبيل الله نجاح وفلاح    "جنوب يتناحر.. بعد أن كان جسداً واحداً"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عبد الله صعتر: اخترت التعليم ونبذت 'القبْيَلَة'
نشر في المصدر يوم 15 - 08 - 2010

تنشر صحيفة "السياسية" الصادرة عن وكالة الأنباء اليمنية "سبأ" حوارات أسبوعية تتناول جوانب مخفية عن شخصيات سياسية واجتماعية عرفنا نصف حياتها لكننا لا نعرف شيئاً عن نصفها الآخر.

المصدر أونلاين وبالاتفاق مع الصحيفة ومع الزميل صادق ناشر الذي قام بإجراء هذه الحوارات يعيد نشرها، وسنبدأ بالحلقة الأولى من الحوار الذي أجري مع الشيخ عبدالله صعتر الداعية والخطيب والمعروف والقيادي في حزب الإصلاح.

الحلقة الأولى
في حياة كل فرد منا شخصيتان مختلفتان: الأولى تلك التي يتعامل معها الناس ويعرفون مواقفها وأخبارها التي تخرج إلى الناس والصحافة، والثانية تلك المخفية التي لا يعرفها سوى قلة قليلة من المقربين والأصدقاء.

وفي هذه المساحة تحاول "السياسية" الدخول في الزاوية المخفية من حياة هذه الشخصية أو تلك، من خلال حديث ذكريات يشمل أسرار الطفولة والشباب والعمل، والتعرف عن قرب على العادات والتقاليد والظروف الصعبة التي عاشها اليمنيون قبل أن يروا النور بثورتي سبتمبر وأكتوبر ودولة الوحدة.

"النصف الآخر" محاولة لإخراج ما خبأته السنوات في حياة اليمنيين، من خلال رصد الواقع الذي عاشوه ويعيشونه اليوم. كما أنها محاولة لمعرفة كيف يفكر من عايشناهم طوال سنوات ولا نعرف ما ذا يحبون، وماذا يكرهون، وكيف وصلوا إلى النجاح الذي وصلوا إليه.

تحاول "النصف الآخر" الابتعاد عن الخوض في الشأن السياسي، الذي يحبذ الكثير عدم الخوض فيه، وإن كانت السياسة حاضرة في بعض المواقف التي ضمها الحوار، لكن بشكل غير مباشر.

"النصف الآخر" سلسلة لحوارات مع شخصيات يمنية مختلفة في السلطة والمعارضة، رجالاً ونساء على السواء، ومن كل مناطق البلاد. وستكون هذه الشخصيات حاضرة بتجاربها في الحياة هنا لتكون شاهدة على صور مختلفة من حياة اليمنيين.


* هل تتذكرون شيئاً من طفولة عبد الله صعتر؟
نشأت في بلدة قريبة من صنعاء، تقع في وادي ظهر، وكانت أوضاع اليمن في ذلك الوقت في سوء، أما وادي ظهر فلم يكن كذلك، فقد كان لسكان الوادي دخل يومي من مردود الإنتاج الزراعي، الذي كان مستمراً على مدار السنة، وليس موسميا كما هو حال اليوم، فقد كان الوادي ممتلئاً بالفواكه طوال العام ولا تنقطع منتجات الفواكه، بمعنى تنتهي فاكهة فتأتي فاكهة أخرى.
لكن رغم هذا الدخل لم يكن المزارع قادراً على الاستفادة منه، فلم تكن توجد فرصة للتعليم مثلا، لا توجد فرص لاستثمار أموال الناس، تظل الحياة هي نفس الحياة البسيطة، غير أنهم لم يكونوا يعانون من نقص المياه في وادي ظهر كما هو عليه الحال اليوم، فقد كانت مياه النهر متوفرة طوال العام.

عندما يتذكر الواحد شكل وادي ظهر زمان، قبل أن يأتي القات ويقتلع الفواكه، فإنه يتذكر وجود نحو عشرة أنواع من العنب ومثلها من البرتقال وخمسة أنواع من الفرسك (الخوخ) والبرقوق والسفرجل والرمان واللوز، وفي المناطق التي كانت تقع أعلى الجبال كان الناس يزرعون العدس والشعير والبر والبازلاء والفول والذرة والحلبة، بمعنى يكاد المزارع البسيط يكتفي بما عنده.

كان المزارعون يربون البقر، ويعملون الحليب في البيت بكل مشتقاته، ويربون النحل المنتج للعسل، أي كان هناك اكتفاء ذاتي.
اليوم قد تسمع البعض الذي يأتي من مناطق أخرى من خارج صنعاء يقول إن وادي ظهر واد جميل. أما نحن فإننا وفق الواقع، نرى أنه أصبح مقبرة ولم يعد أحد منا يريد أن يراه أو يذهب إليه، فالقات اقتلع من الوادي الخضروات والفواكه، وحتى العصفور أصبح اليوم لا يستطيع أن يجد ما يأكله، وهناك بعض الأشجار التي لا تزال تقاوم مثل البرقوق بحكم أن ثمرها سريع النمو، لكن بعد أن ينتهي موسم البرقوق فإن الوادي يصبح مقفراً ولا يوجد فيه شيء.

كانت المياه في وادي ظهر متوفرة. أما اليوم فإن المزارعين يحفرون على عمق حوالي 200 300 متر وبتكاليف باهظة ولا تعطيك الآبار مثل ما كان في الوقت السابق.
من الأشياء الجميلة التي يتذكرها الإنسان في تلك الفترة هي المعلامة، وكانت المعلامة عبارة عن مكان صغير فيه كل المستويات، وهناك أستاذ واحد للجميع يعلم كل شيء، خاصة المعشر، وهو جزء صغير من القرآن، كما أنه يكتب اللغة العربية، وقد يكون له علاقة بالأعراف القبلية، لأن القبائل تقول: "الفقيه هجرة"، هجرة بمعنى أنه ليس قبيلياً كاملاً؛ لأنه لا يحمل سلاحاً، ولا يدخل الحروب ولا يتدخل في حل أي مشاكل، حتى أنهم يقولوا: "ليت والله يا فقيه وأنت رجّال"، هذا الاحتقار للعلم والعلماء يجعل أبناء القبائل لا يتعلمون، يعني يقول لك: "هل اطلع في النهاية فقيهاً؟"، فالأحسن يكون جاهلاً من أجل أن يكون قبيلياً.

* هل تتذكرون أحداً من زملائكم الذين تعلموا معكم في المعلامة ولا يزالون يعيشون حتى اليوم؟
المشكلة أنني بعدما درست في المعلامة اشترى لنا الوالد رحمه الله بيتاً في صنعاء القديمة، وانتقلنا للعيش فيه، وقد دخلت مع مجموعة أخرى من الطلاب للدراسة، أما زملائي الذين كانوا معي في المعلامة فلم يواصلوا الدراسة، واليوم هم رعية يمارسون مهنة الزراعة في وادي ظهر.

كنا حوالي 25 طالباً، وجئنا من وادي ظهر إلى صنعاء للدراسة، واستمر في الدراسة ثلاثة أحدهم قتل أبوه وهو في الثانوية، وترك الدراسة وواصلت أنا وابن عمي، وهو في الوقت الحاضر مصور تلفزيوني، وأنا درست الهندسة.

أتذكر أننا كنا نمنح ريالاً واحداً فقط يومياً، وهذا الريال كان يوزع للفطور والغذاء والعشاء، كنا في الصباح نأكل كدمة وشاي، وفي الغذاء كانت الوجبة كدمة وسحاوق، أما العشاء فكنا في بعض الأحيان لا نأكل شيئاً، وكنا نفرح عندما يأتي أي شخص من الوادي، فنذهب لنشتري له عشاء حتى نتعشى معه، كانت الحياة متعبة، لا يوجد فيها اهتمام أو رعاية بالطلاب، فقد كان من العيب في تلك الفترة في صنعاء أن تشتغل، على عكس سكان مدن أخرى مثل تعز، الذي كان يمكن لأي طالب أن يعمل أثناء دراسته، ويدبر نفسه، أما نحن فكان من العيب أن يعمل أحدنا، لأنه يقال إن هذا فلانا بن فلان يشتغل في مطعم أو في أي شيء آخر، لهذا كنا مضطرين لتحمل الجوع من أجل أن نحافظ على "القبيلة"، يعني تعاني المرارة من أجل "القبيلة".

* أين أنت في الترتيب بين إخوتك؟
لدي أخ أكبر مني، لكنه لم يستمر في الدراسة، كما أن لدي شقيقين من بعدي، وهما لم يستمرا في الدراسة أيضاً.

* لماذا اخترت التعليم ولم تختر القبْيَلَة؟
منذ كنت صغيراً وأنا لدي رغبة في التعليم، أتذكر أن أعمام والدي رحمهم الله عندما لم يكن أحداً في البيت لا يقرأ بصائر الأراضي كانوا يستعينون بي، وكانوا لا يدعون أحداً يفتح الخزائن باستثنائي أنا، لأن هذه الخزائن كانت تحتوي على أموال، إضافة إلى البصائر والأوراق المهمة.

وكان إذا غاب الفقيه أو خطيب المسجد في القرية أخطب بدلا عنه، وكنت بالطبع أقرأ من كتاب من الكتب القديمة، وفي العصر أبدأ أقرأ لهم القصص التاريخية، عندما كان الإمام علي رضي الله عنه يضرب المشركين ويقتل 70 ألفاً باليد اليمنى و70 ألفاً باليسرى.

بالنسبة لنا كانت ثقافتنا في تلك الفترة محدودة، ولم نكن نعرف أن هذه الأمور غير معقولة، وكان الذين يستمعون ثقافتهم أقل، بالتالي لم أكن أنتبه إلى هذه الخرافات ولا هم يستطيعون أن يردوا عليّ، كنت أقرأ وأروي مثل هذه القصص، وهم يستمعون و"مكيفين".

دجاج القصر الجمهوري
* ما الذي أثر بك وأنت صغيرا ولا تزال تتذكر ذلك حتى اليوم؟
الواقع أن هناك أشياء تعجبني في أهل الوادي، ومنها انشغالهم بأعمالهم من أجل الكسب الحلال، وكانوا يتعبون كثيراً للحصول على الرزق الحلال، وعندما دخلت إلى صنعاء وبدأنا ندرس كنت تشعر أن الأستاذ يعاملك كأنك ابنه ويهتم بك كثيراً ويحرص على إفهامك مهما كلفه هذا من جهد، كان من المستحيل أن يمر درس على أحد الطلاب بدون أن يفهمه.

عندما دخلت إلى صنعاء قاموا يمتحنونني، فكنت موفقاً في الكثير من المواد ما عدا بعضها، مثل الرياضيات والعلوم، أدخلوني في البداية الصف الثالث، وعندما رأوا مستواي أكبر من ذلك قالوا: ننقله إلى الصف الرابع، وفي نصف السنة من الصف الرابع وعندما قيموا إجاباتي في المواد المختلفة نقلوني إلى الصف الخامس، وفي الصف الخامس جئت الأول على الصف الذي كنت فيه؛ فقال لي مدير المدرسة: "مادام عندك هذا الفهم ما رأيك تمتحن مع المكملين في الصف السادس وأنا سوف أعينك وأدرسك؟".

وهكذا درست الصف السادس في الإجازة في مكتب تابع لأحد الزملاء ونجحت بعدما امتحنت مع المكملين بكل المواد، كانوا يعتبرونني راسباً في كل المواد وأنا مع الجميع أمتحن كل يوم، وكان ذلك الدور الثاني، وانتقلت إلى الإعدادية وكنت من الأوائل.

وفي الثانوية وصلت الثالث الثانوي وكان عندي المحصلة 90 بالمائة، إلا اللغة العربية؛ لأنها كانت عندي ضعيفة، وهي ضعيفة إلى الآن، يعني الفارق بين العلوم والرياضيات كانت متفاوتة فكانت درجاتي في الرياضيات 96 من مائة وفي العلوم 94، أما اللغة العربية فكانت درجاتي 76 درجة، لكن مدرس المادة كان مستعداً لأن يجاوبك على أي سؤال، وعندما يفحص الكراسة يفحصها بأمانة، ويعطيك ما تستحقه فعلاً وليس كما هو اليوم، حيث يتم استئجار مدرس فيما المدرس الأصلي غائب، فمدارسنا اليوم بلا كفاءة، هذه من الأشياء التي كانت تعجبني، فالناس كلها كانت تشتغل بأمانة، الموظف يعمل بأمانة كما هو حال المدرس وعامل النظافة.

وعلى ذكر الأمانة، أتذكر أن الناس كانوا يتحدثون في السبعينيات أن وزيراً مثل الكرشمي، الله يرحمه، كان يحاسب القاضي عبد الرحمن الإرياني، وهو رئيس دولة، على 10 آلاف ريال قيمة دجاج لعزائم القصر الجمهوري، وكان يقول له: هل أنت ثعلب يا قاضي؟ كان هناك حرص على المال العام ومال المسلمين، وكان الموظف حينها يعمل بجدية وبشرف وأمانة، كان المعلم والرعية والموظف مشغولين بأعمالهم، لم تكن هناك حالة نصب واحتيال وبسط على أراضي الناس كما هو الحال اليوم.
اليوم لا أتخيل أنني في البلاد نفسها التي عشت ظروفها في السنوات السابقة، أتخيل نفسي في بلاد ثانية تماما، هذا البلد الذي كنت فيه وأنا صغيرا أشعر وكأنه عبارة عن حلم أو خيال، وأتساءل: هل ما كان في الماضي حقيقة أم خيال؟ لأنه لا يمكن أن تقارن بين ما كان عليه الناس أيام زمان وبين اليوم.

في الماضي عندما كانوا يجدون شخصاً في السوق يقولون عليه "ابن سوق"، يعني ما عنده شغل، ويطالبونه بالذهاب للعمل والإنتاج، لو وجد مثل هؤلاء الناس في كل مجال ووجدوا التوجيه السليم للنشاط والهمة والعزيمة لكانت البلاد في خير.

في الماضي عندما كان الإنسان لديه أربعة أولاد كان يعمل بهم عجائب وكانوا نعمة، كل واحد منهم كان يحمل همك، كانوا يشتغلون وينتجون والأب له مكانته وبصوت واحد منه كانوا يحضرون جميعاً لتلبية ندائه، اليوم كلما زاد الأولاد زادت همومهم، وإذا أراد أحدهم ليحضر ابنه أمامه يصرخ حتى تنقطع أحباله الصوتية، في الماضي لم يكن هناك فرق كبير بالنسبة لنا بين القرية والمدينة، خاصة في مستوى المعيشة، فوادي ظهر يعتبر جزءاً من صنعاء، مع ذلك تجد المدينة غير المدينة والناس غير الناس والحياة غير الحياة، الأمور تغيرت اليوم، لكنها للأسف لم تتغير لصالح الإنسان.

كان الطالب في الماضي حريصاً على العلم، أما اليوم فإنه يريد النجاح بأي شكل، ويمكن يشتري الشهادة شراء، أي شهادة جاهزة، لهذا قد تجد أمياً يحمل شهادة دكتوراه، بعضهم يحمل شهادة جامعية، لكنه يكتب الإملاء غلط في السبورة، وربما تجد قاضياً لا يعرف نواقض الوضوء، بمعنى آخر هذا التغير المفاجئ المتمثل في افتتاح جامعات وغيرها لم تفد الناس كثيراً، لا توجد القيادات التربوية الصادقة المخلصة التي تقوم بالواجبات الصحيحة، لا توجد عقوبة للمزورين وللغشاشين، ويفتح الباب لمن جاء، هذه الصورة التي عندي وأنا "شيبة"، غير ما كانت عندي وأنا صغير.

* كيف كانت علاقتك بالوالد؟
الوالد رحمه الله تزوج امرأتين، أم أخي الكبير رحمها الله توفيت، وعندما تزوج والدتي كنا في صراع بيني وبين أخي الأكبر أدى ذلك لأن أغادر وادي ظهر إلى صنعاء، هذا هو الذي دفعني للمغادرة إلى صنعاء، أما العلم فكنت أدرس في المكتب وفي مستوى ممتاز.

كانت علاقتي بالوالد طيبة وممتازة، وكان رحمه الله حريصاً على أن أكتسب العلم، ولكن عيشه مع أعمامه وأبناء أعمامه لم يكن يجعله يستطيع أن يأخذ نقوداً ويعطيني؛ لأنه حينها لم يكن يستطيع أخذ أي مبلغ من المال إلا عن طريق الرجل الكبير في العائلة لأنه متولي أمور الأسرة.

وكان معظم وقت الوالد في صنعاء؛ لأنه كان يذهب إلى المحاكم والشريعة على الأموال، وعندما كان يدخل صنعاء كان يحمل إلي معه الخضروات والفواكه فقد كانت علاقتي بوالدتي عميقة جداً، لكن بحكم الأمية لا يستطيع أحد أن يوجهك التوجيه السليم، هو يقول لك تعلم ولكنه لا يدري أتتعلم أنت بصدق أم لا، تتعلم صح أم خطأ، كانت مهمته أن يدفعك دفعاً إلى التعليم وبعد ذلك أنت حر، يمكنك أن تدرس بجد أو أن تضحك عليه .

ذكريات "المدرهة"
* هل تتذكرون بعض الألعاب التي كنتم تلعبونها وأنتم صغارا؟
- كانت هناك ألعاب نمارسها ونحن صغارا في الأعياد والمناسبات، أتذكر أنه عندما كان يذهب الناس لأداء شعيرة الحج كنا نلعب ما تعرف ب"المدرهة"، وكانوا هناك يسمونه "الحادي"، وكانت عبارة عن قصائد، كان الواحد منا ينكت في الثاني وهو يجلس إلى الليلة الثانية ويرد عليه، وأتذكر أنني عندما كنت صغيراً كانوا يجعلونني أكتب بعض الأبيات الشعرية، لأن عدد الذين كانوا يكتبون عندنا كان محدوداً، كنا نجلس بعد العيد عشرة أيام وكل واحد يعطي نكتة عن الثاني.

وكان الوقت بالنسبة للألعاب نجده في المناسبات المعينة وفي وقت محدد، فالطفل لم يكن مسموحاً له أن يلعب إلى وقت ما يشاء، حتى الكبار الذين يتعاطون القات لم يكن مسموحاً لهم بمضغ القات إلى ما بعد العصر، لأن ذلك يعني خراباً، لا بد للكبار أن يذهبوا للعمل، وليس كما هو عليه اليوم، حيث يتناول الموالعة القات حتى وقت متأخر من الليل، يصل إلى الثانية عشرة مساء في كثير من الأحيان.

بعد العشاء لا تجد أي شخص مستيقظاً، الكل ينام، كما أنك لا تجد احد نائماً بعد الفجر، وبالتالي فإن وقت لعب الأطفال كان محكوماً بوقت محدد، ولا بد من استغلاله، وعندما تكون الفترة محدودة يكون لها طعم ولذة.
وكانت هناك هواية اللعب بالكرة، لكنها ليست كرة بلاستيكية كما هو الوضع اليوم، بل كانت كرة مصنوعة من القماش، وكان عندنا ما يسمى "القاحش" يلعبون بها، يعني مثل العصا الملفوفة نجلس نلعب بها في الشوارع في الطرقات.

* كانت لديكم مزارع، فكيف كانت علاقتك بالأرض؟
نعم، كانت لنا مزارع، لكن بالنسبة لي كنت قليل العمل فيها؛ لأنني اتجهت إلى صنعاء، وكانوا يعفونني من العمل في الأرض باعتبار أنني أقرأ، كان أولاد عمي يشتغلون، لكن عمّ الوالد رحمه الله كان يستعين بي لأقرأ له البصائر والرسائل والأوراق، وفي نفس الوقت أذهب معه إلى السوق وأجلس أكتب وأجمع له كم جابوا شعيرا وبرا وغيرها؛ لأن الباقين لم يتعلموا أن يفعلوا هذا، وبالتالي هذا أعفاني كثيرا من الأشغال الشاقة التي كانت مفروضة على الجميع.

الحلقة الثالثة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.