نستغرب عندما نشاهد الأخ رئيس الجمهورية يكتب في الجريدة اليومية، بغض النظر عن محتوى الكتابة، وهل لها أهداف واقعية، أم مماحكات سياسية وتسجيل نقاط على بعض الفرقاء في الساحة. ولكن للأمانة فهذه بادرة طيبة من الرئيس، لو أنه لا جديد فيما قاله، ولكن هذا بحد ذاته يعتبر إنجازاً، فالرئيس بدأ يكتب، ويدرك- ولو متأخراً- أن في هذا الشعب المغلوب على أمره توجد شريحة كبيرة تقرأ الصحف، وتميّز ما فيها من أخبار. وهذه الشريحة قد ملت أخبار التاسعة مساءً، التي تقدس السلطة وتلعن كل من يخالفها، فالظاهر أن الرئيس قد تعب من الشتم المباشر وغير المباشر في شاشة الفضائية اليمنية. والدعوة للحوار ليست جديدة، فأنا شخصياً سئمت من هذا الحوار الذي نسمعه من سلطة ومعارضة، وصارت هذه الكلمة حقاً يراد بها باطل ، فالرئيس يدعو للحوار، وطبعاً في مقدمة من يدعوهم التنظيمات السياسية المعارضة، والمتمثلة في أحزاب اللقاء المشترك، ولكن نفاجاً به بعد كل دعوة من الحوار يفجر قنبلة تبعد المشترك عن هذا الحوار، فحيناً يتهمهم بأصحاب النظارات السوداء وأنهم عملاء وخونة، ويوماً يجزئ خطابه ضدهم ، فنجده يمدح حزباً معيناً ويوماً آخر يلعنه بالشتم والاتهامات الخطيرة، التي لا نعلم هل توجد أدلة عليها؟ أم أنه مطمئن أنه لا ولن يوجد من يتقدم بدعوى قضائية ضد فخامته. فبعض هذه الأحزاب تجدها يوماً وطنية ، وحدوية ، قومية ، إسلامية ، مناضلة في الدفاع عن وحدة اليمن بخيرة شبابها في حرب 1994 المشئومة، ويوماً آخر نجدهم لعبة في يد فخامته يحركهم ويستخدمهم كما يشاء، وعندما ينتهي من اللعب بهم يرميهم. وإذا ذهبنا للاشتراكي فهم شركاؤه في صناعة الوحدة وشركاؤنا في الوطن، ولا يستطيع إلا الجاهل أن ينسى ما قدموه لليمن، ويوماً آخر يصفهم بالشموليين، وهم من يرتكب المجازر من أجل الوصول إلى الكراسي، وهم من يسحلون أبناء المحافظات الجنوبية في الشوارع، وهم الماركسيون الشيوعيون (كما يقول صاحب الفخامة). أما الناصريون، وما أدراك ما الناصريو،ن فهم حيناً من القوميين الوطنيين الأحرار، ويوماً آخر نكتشف أنهم مرتزقة لمعمر القذافي، وتاريخهم أسود... الخ.
ولكن من هنا_ وللإنصاف_ فالمشترك لا يختلف كثيراً عن السلطة في دعوته للحوار، فهو يناور ويناور حتى مات الناس من الجوع، وهو يناور ويراوغ في مكانه، أو كما يقول صاحب الفخامة أنهم في غرف مغلقة لا يعلمون ماذا يجري في "جنوب الجنوب"، أو في "شمال الشمال"، أو ما يعانيه عموم أبناء الشعب من فقر وأزمة اقتصادية تكاد تدمر البنيان الأسري لكثير من أبناء الشعب، أوصلتهم إلى التسول أو الذهاب للرذيلة، في ظل غياب تام للسلطة لتأمين الحد الأدنى من الحياة الكريمة لهذا الشعب. والمعارضة ليس لها برنامج اقتصادي بديل سوى دعوتها للحوار (تحاور نفسها)، وهم جميعاً- سلطة ومعارضة- بعيدون عن الحاجة الأساسية للمواطن، فالمعارضة تنعم قيادتها بالحد الأدنى للعيش الهنئ والرغد في العاصمة صنعاء بجوار صاحب الفخامة. إذاً ومن هنا فلا هذا ولا ذاك يعلم ما يعانيه المواطن في الشارع، وأنا أدعو إلى "صحوة" لكل من له ذرة ضمير للتحرك، وإنقاذ هذا المسكين الذي ينام في الرصيف، وذاك المشرد الذي يأكل من براميل القمامة، بينما السلطة والمعارضة تدعو للحوار الذي يصح أن نسميه حوار الطرشان. أما طريقة التحرك، فإذا كنا الشعب جاهلاً- كما يحلو للبعض- فلننظر إلى من حولنا من بعيد، وسنجد الطريقة المناسبة لتغيير الحال إلى أفضل حال.