* ذهب حسني.. وبقيت مصر مباركة. "حد كان يصدق؟ طب إزاي.. إزاي ده يحصل"؟! كان هذا آخر عهده بالرئاسة وآخر ما نطق به الرئيس وخلّفه وراءه في قصر العروبة الرئاسي قبل أن يغادره ليستقل طائرة الهيلكوبتر ويرحل بصفته الرئيس السابق والرئيس المخلوع. لم يتطوع أحد من المتواجدين ساعتها بالإجابة على السؤال. ولم يكن الرجل ينتظر إجابة من أحد. قيل إنه التفت إلى حيث صورته الكبيرة المعلقة في الصالة الخارجية (الصالون) وأجاب: "معليش يا رئيس.. أنا كمان مش عارف إزاي"؟! القصر وحده سوف يتكفل بتنظيف نفسه، والتخلص من الصورة ومن السؤالومن كل شيء يتعلق بالعهد البائد، بهذه الطريقة سوف يقدم القصر اعتذاره الشديد ل"العروبة": الاسم والأمة! * الشاعر المصري ابن البلد عبدالرحمن الأنبودي قال للجزيرة: "حصل أي والله حصل بجد: مصر رجعت لينا من تاني". يعرف الأنبودي وجميع المصريين ما الذي حصل، وكيف، ولماذا؟ أحد من المحتفلين لم يطرح سؤالاً غبياً: "إزاي ده يحصل"؟! * الشعب عندما يريد القدير يستجيب. "هوَّ ده اللي حصل"، قال الشاعر المصري الكبير أحمد فؤاد نجم وأضاف: "الحمد لله أنا باحمد ربنا إني عشت وشفت مصر من تاني". وإلى جواره في ميدان التحرير يحتفل ثوار 25 يناير بالنصر. كان ممد كريشان يريد شعراً: هل كانت لديك قصيدة كتبتها طوال هذه الأيام.. أيام الثورة؟! وكأن السؤال استفز الشاعر العجوز: "قصيدة إيه وشعر إيه.. هي دي القصيدة. العيال دول كتبوها وخلصوا"! الثورة.. القصيدة.. "ارفع رأسك فوق.. أنت مصري". هتف الثوار طوال الليل طوال النهار طوال الثورة. أما الناشطة السياسية الشابة نوارة نجم التي لم تبرح ميدان التحرير من أول أيام ثورة الغضب وسمعناها عشرات المرات على الجزيرة والجزيرة مباشر، لم تكن أقل من والدها الفيلسوف الشاعر إيجازاً وبلاغة في التعبير عندما سئلت عن مشاعرها في تلك اللحظات: كيف تصفين لنا مشاعرك الآن؟ فجاء ردها "زغرودة" طويلة وصلت إلى الملايين من المشاهدين عبر العالم. هذه إجابة لا يحصل الناس على مثلها، أو بحجم بلاغتها إلا في حالة فريدة لثورة "خفيفة دم" كما قيل عن ثورة الغضب أو ثورة 25 يناير المصرية. وبعد الزغرودة استدركت: "مبروك لينا وليكم ومبروك لكل العالم العربي.. مصر بقت حرة". مبارك يا مصر.. بثورتك البيضاء المباركة. لم يعرف أحد الوجهة التي قصدها الرئيس السابق. قيل إنه غادر فعلياً القصر قبل ذلك بيومين وقبل ظهور نائبه السابق أيضاً عمر سليمان ليعلن قرار "السيد الرئيس" التنحي عن رئاسة الجمهورية. ربما تواجد في شرم الشيخ حسب تسريبات أريد منها الإيحاء بنوع من "الرحيل المشرف" وليس الهرب والمؤكد أن جمال وعلاء مبارك وصلا إلى لندن مع عائلتيهما السبت. وكان هناك وقت كاف، بين 25 يناير و12 فبراير لترتيب خروج الكثير من الحقائب المعبأة بالكثير من معاني "الرحيل المشرف"! وتحدثت مصادر مصرية وأجنبية عن حركة تحويلات مالية نشطة نفذتها البنوك المصرية أو بعضها خلال الأسبوعين الذين سبقا رحيل مبارك. وعلى كل حال فإن الأموال والثروات عادة ما ترحل إلى الغرب قبل أصحابها بسنوات طويلة. وتبقى هناك تنتظرهم بينما الشعوب تنتظر فتات المساعدات الأجنبية والقروض الآجلة. جزء كبير منها يذهب لحسابات خاصة في بنوك غربية، والقليل المتبقي يذهب لميزانيات حكومية يتكفل الفساد الحكومي والإداري بإنضابها خدمة للشعب والوطن! والخلاصة أن القروض الغربية تعود إلى البنوك الغربية، حيث يفضل الحكام والمسؤولون العرب أن يحتفظوا بالثروات بعيداً عن عيون الحاسدين. ويتحمل الشعب والوطن قضاء الدين عبر عشرات الأجيال القادمة والمرهونة سلفاً لدى المانحين! * بعض الثورات تتوالد عن الثروات النازفة. لكن الثورة بحد ذاتها ثروة لا تقدر بثمن. ودائماً هناك سراق ثورات ولا يقتصر الأمر على الثروات! ولولا أن هناك من يسرق الروات لما قامت الثورات. وبالمثل لولا من يسرق الثورات لما تكررت ثورة بعد ثورة. * التوانسة فرحوا بنجاح ثورة المصريين وقالوا إنها تحصن الثورة التونسية وإلى الأبد. والمصريون يقولون إن الثورة التونسية قذفت روحها في الحركة الاحتجاجية الشابة في مصر لتكتسب قيمتها النهائية كثورة بعد أن كانت حركة مطلبية في طور التخلق. ويقول الصهيوني المتطرف في الحكومة الإسرائيلية "بن أليعزر" إنه غير مصدق الطريقة التي أنهى بها مبارك تاريخه في سدة الرئاسة؟! وأسف كثيراً لرحيل "أفضل وأقوى أصدقاء إسرائيل" في الشرق الأوسط، بتلك الطريقة غير المشرفة. اللافت أن بن أليعزر وحده كان من تلقى آخر اتصالات مبارك في اليوم السابق لرحيله. وشرح: "كان مبارك غضباً جداً وسمعت منه انتقادات مريرة للموقف الأمريكي. إنه غير مصدق ومصدوم لتخلي أمريكا عنه بهذه السهولة؟! مرة أخرى كان قد سأل، أو شكا لصديقه المفضل الوزير الإسرائيلي النكران الذي تعاملت به الإدارة الأمريكية معه في هذه المحنة، بما معناه: "إزاي ده حصل"؟! ولكنها أمريكا تأخذ حاجتها من الحكام المهطعين ثم تصرفهم من الخدمة بطريقة الإعدام المفضلة: "سلم سلطاتك فوراً.. الآن" كما قيل لمبارك. كانت أمريكا تراهن على انتقال "سلس" للسلطة إلى سليمان رجلها الجديد. قبل أن تفقد الاثنين معاً، لكن المصريين حسموا خيارهم سريعاً وصاحوا بسليمان: "مش عايزينك أنت كمان". ليس مستبعداً أن يكون مبارك قد رد على قسوة الأمريكيين معه وتخليهم عنه بحيث رفض تسليم السلطة لنائبه مبكراً وأوصل الأمور إلى اللحظات الأخيرة عندما لم يعد ممكناً أبداً أن يقبله الثوار أو تسكت عنه الثورة. لم يفوضه إلا ليعزله ويضمن رحليهما معاً. وهذا كان! * الثورة المصرية أذهلت العالم وسطرت فصلاً جديداً لمصر والعرب وللمنطقة الشرق أوسطية.. حتى أوباما استعاد مهاراته الخطابية وتحدث بلباقة.. وبلغة عاطفية مفعمة بالتشبيهات والاستشهادات الإنسانية من تاريخ الشعوب والأمم وهو يبارك للمصريين برحيل مبارك. ذكرنا خطابه هذا بخطابه في جامعة القاهرة التي اختارها لتكون المحطة الأولى والمنصة التي يخاطب منها العالم الإسلامي بعد وصوله إلى البيت البيض كأول رئيس أسود. قال أوباما: لقد ألهمتم العالم وأدهشتم الإنسانية. وتعلم منكم الأمريكيون الإصرار والإرادة والنضال السلمي. أو قريباً من هذا المعنى، لكنه أبداً لم يتطرق إلى الرئيس السابق أو يذكر اسم مبارك. فقاعة واختفت! * قال رئيس البرلمان اليمني الشيخ يحيى الراعي: ما حدث في مصر لا يشرف مصر ولا يشرف أبناءها!! لا أحد يسره أن ينقل كلام كهذا إلى الأشقاء المصريين كموقف رسمي يمني من الثورة الشعبية المصرية التي ألهبت الحماسة والإعجاب لدى شعوب وأمم على امتداد القارات الست. ولا نعرف ما هي صلاحيات الشيخ يحيى في الحكم على الثورات ونضالات الشعوب والحركات الإنسانية الكبرى؟ ألا يكفيه البرلمان اليمني وسكوتنا على مضض؟! كان الرئيس علي عبدالله صالح كريماً وسخياً مع الشيخ يحيى إلى أبعد الحدود. ولكن ليته وقد فعل ذلك قال له: أعضاء البرلمان عليك والعالم الخارجي عليَّ، لا تتعب نفسك أكثر من اللازم يا شيخ! الآن أحسن طريقة للاعتذار للشعب المصري هو إصدار بيان رسمي ينفي الخبر جملة واحدة ويقول بأن التصريح المنسوب لرئيس البرلمان مدسوس عليه ويقطع وعداً بملاحقة المفترين قضائياً، الذين تقوّلوا على الشيخ ونسبوا له كارثة عظيمة بهذا الحجم! بقية تصريح الراعي كانت تتضمن دعوة اليمنيين إلى "التعقل" أو "يعقلوا" اختلف الرواة. وبعضهم قال إنها: "اهجعوا خيرة الله عليكم"! عادي مش مشكلة، قد احنا أصحاب بلاد ومتعودين على الزبج لكن المصريين ماشي، مش هو سوا. نقطة نظام بحجر الله.