كنت في زمن الطاغية على حافة الهاوية، وقبل أيام من 15 يناير 2011 كانت حالتي النفسية في اتعس انهيارتها، وعدوي اللدود نفسي المثقلة بهموم تتضاعف تبعاتها، ولطالما وجدتني كمن يخرج من غرفة التخدير هارباً خارج تشظياتي وانكساراتي غير القابلة للترميم، فكانت الثورة دوائي كما هي طوق نجاة الوطن برمته.. وباعتصامي المستمر في ساحة الثورة شعرت بتماثل روحي للشفاء. وكلما مر الوقت ودب اليأس الى قلوب وعقول بعض شباب الثورة، يغمرني الأمل بغزير من تجلياته، وكأني بمنأى عما يحاك للثورة من مؤمرات طافحة بالمخاوف القاتلة، وهذا ما يزيد من مخاوفي.. ثمة حفنة قتلة يتربصون بحمامات قلوبنا المحلقة في سماء الثورة، اتضح للملأ بأنهم قناصة من قوات الحرس الجمهوري، لكنهم بقدر حقدهم علينا سيتبخرون بسرعة انتشارهم على منافذ الثورة في كل الساحات والميادين في أرجاء الوطن الثائر ضد الطغيان.. في الوقت بدل الضائع من معركة الثورة المضادة، قد يستوقفنا المتهالكون في دروب التغيير ونقاط العبور الى المستقبل بثقالة التفحيص عن الهوية والتشييك على الهندام ولكنة الصوت كما هو حال قوات الأمن المركزي والشرطة العسكرية الجاثمة على مسميات المدن والأحياء منذ خرج الشعب عليهم بالمفردة المقدسة "ارحلوا قبل أن ترحلوا" المعروفة اختصارا ب"ارحل".. بين حين وآخر تهاجمني كوابيس تنغص بالي الثورة المتوقد لإسقاط نظام صالح بكل حمولاته وعبواته وقنابلة "الموقوته" كما كان يرطن بها "طائر الخراب" قبل رحيلهم بما صنعت يداه وهدد بها الشعب اليمني، وعلى كثر ما هاجمتني تلك الكوابيس بمنقارها المرعب قليلا ما تأثرت بها وادخلتني لحظات من اللاوعي الثوري والنفسي فأنزوي بخيمتنا العامرة بالأمل واليأس بنسب متفاوته، كلحظة شاردة عن واقع ثوري متوهج يتقدم بوعي قواه ومحركاته الفاعلة والمخلصة.. رغم كل ما واجهنا بشكل فردي وجمعي في ساحات الثورة في عموم مدن الجمهورية الممطورة بالقذائف والصوراريخ من قبل فلول قوات صالح، يثبت اليمنيون بأنهم لن يعودوا بنصف ثورة، وبقدر حروبهم النفسية القائمة على تسييس الثورة وشخصنة السلطة البائدة لحقيقة الثورة على يد كتائبهم الذي زلت لسان كبيرهم بمفردة "شخصصة" في اسطوانته المقفرفة كتصوير سخيف لحال الثورة وإخلاص مؤيديها من قبائل وقادة سياسيين وعسكريين، يزداد تماسك قوى ومكونات الثورة، تسير مواكب الثوار بخطى واثقة، وعما قريب تسرسوا سفائنهم في مواني اليمن الجديد..
حينها سأتخلص وغيري مما أثقلنا وأحال حياتنا الى مهزلة.. لحظتها فقط سنكتشف المجهول فينا..