- قرأنا وسمعنا وتابعنا بعض ما يطرح تأييداً للنظام من الناحية الدينية واستحوذت على نصيب الأسد من ذلك الطرح الآية الكريمة: "يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا"، ويتم التركيز رسمياً على "أولي الأمر منكم" لإقناع البسطاء بطاعة "ولي الأمر" بصيغة الفرد الذي يقصد به الرئيس طبعاً، حتى لو كان الأمر ببتر أجزاء الآية الكريمة بشقيها: الأول (أطيعوا الله وأطيعوا الرسول) والآخر (فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول)!. تعليقي على هذا الطرح المتذاكي أو المتغابي في نقطتين: الأولى: ما معنى "منكم" في قول الله تعالى "أولي الأمر منكم"؟! هل الحاكم الظالم المستبد القاتل منّا؟! هل يرضى أحد أن ينتمى لهذا النظام بفساده وظلمه من كل النواحي؟! هل هناك من هو مستعد للقاء الله تعالى بهذا الموقف؟! النقطة الثانية: بحسب ترتيب أجزاء الآية الكريمة والوصية الإلهية العظيمة ونزولاً عندها والتزاماً بها نحن الآن في مرحلة التنازع ولن نعود إلى المرحلة الأولى إلاّ بكافة أطرافها: طاعة الله ورسوله وأولي الأمر! - تعالوا إلى إسفاف فكري آخر يحاول استجماع نزقه لصد الثورة القائمة، فيصف الثوار بالخوارج، ويحتفل الإعلام الرسمي مثل "لاقي الضايعة" بهذا الطرح المقعّر فيفتح له البرامج والصفحات والأوقات والمساحات، وهو طرح يجمع بين الضلال والتضليل، والغباء والتغابي، فهو لا يفرق أو لا يريد أن يفرق بين تغيير يرتكز على السِلم والإنكار الإعلامي والشعبي، وتغيير مسلح يقوم على العنف والتدمير، ولو كانت الثورة كذلك لحسمت أمرها –نصراً أو هزيمة- في وقت مبكر من انطلاقها، وهو ما لم يحصل، بل إن القبائل في أرحب تدفع ضريبة عرقلة تفجير الوضع وإفشال خطط العنف الذي كان ينتظر العاصمة والثورة السلمية. الأخطر في تهمة "الخوارج" والاحتفاء الأبله للإعلام الرسمي بها هو إدانة ثورة 26 سبتمبر واستحقاقات ثورة 14 أكتوبر، بوصفهما خروجاً عن ولاة الأمر (الأئمة والسلاطين)، بمعنى أننا نعيش اليوم في ظل نظام الخوارج (الجمهوري) الذي قام على أنقاض تلك الأنظمة البائدة، مع الفارق الكبير بين تلك الثورات وثورة اليوم التي هي أكثر شعبية وسلمية!.
- اليمن ليبيا سوريا وبس، هذه هي المفارقة في أنظمة "المُخضرية" ممن تجمع بين الأسماء ونقيضها، وبين الشعارات وضدها العملي، وخلطت بين النظام الجمهوري والنظام الملكي، فتوشحت قميص الجمهورية وهي ملكية أكثر من الملكيات الموجودة!
وللمتابع الحصيف أن يعجب من الحديث عن الحوار أو الانتخابات وربما عن ثورة سلمية إزاء أنظمة لا تفهم معنى الحوار ولا ترتاح للانتخابات، ولا تعرف السلمية، ففي حالتنا -مثلاً- عندما يتحول أقارب الرئيس وأبناء قريته ومنطقته إلى جنرالات عسكرية وقيادات حكومية منتشرة في مفاصل الدولة، هل يعني هذا أن الرئيس سيقبل بالرحيل ديمقراطياً أو تفاوضياً أو حتى بثورة سلمية؟! قد لا يعني الثورة السلمية دراسة الموقف جيداً قبل التفكير في التحول إلى ثورة مسلحة، فما مضى من الوقت يعد كافياً -و زيادة- لفهم الموقف جيداً وتماماً، وصولاً إلى تكرار النموذج الليبي، الذي لا نريده أن يتكرر في بلادنا، لكننا سنجعله توقعاً لا مطلباً .. وعلى الله الدرك! - آخر تقليعات الحلول السياسية التي تناقلتها وسائل إعلام محلية وعربية وعالمية هي الإبقاء على صالح رئيساً فخرياً حتى إجراء انتخابات رئاسية، مع أن الثورة التي قامت ضد رئاسته العبثية لم تفكر يوماً أن تكون فخراً لليمن بعد ثلاثة عقود مليئة بالإخفاقات والحروب والكوارث، لها إيجابيات بالطبع لكن السلبيات قاتلة ومدمرة، والتعامل المراوغ والعنيف مع ثورة الشعب السلمية يختصر الصورة الحقيقية لعهد صالح!.
الحل "الفخري" المشار إليه آنفاً يثير السخرية أكثر من الاشمئزاز، ويفتح الباب للتندر "الفخري" والطازج، من مثل أن هذا الحل "فخ فخري"، فضلاً عن كونه يختصر الوطن في نادي رياضي يفتقر لرئيس فخري يغدق عليه الدعم ليخرج مهزوماً في أول مباراة نزيهة تجمع الأرض والجمهور!، وهو ما يراد تكراره سياسياً وكأن هذا الوطن لا تنقصه إخفاقات الحلول "الفخرية"!