بعد سبعة وأربعين عاماً من اندلاع ثورة السادس والعشرين من ايلول (سبتمبر) وحروب داخلية عدة، لا يزال اليمنيون يناضلون من أجل تثبيت النظام الجمهوري في البلاد. وتتزامن احتفالات البلاد في ذكرى ثورة "26 سبتمبر" التي اندلعت العام 1962 للقضاء على نظام الأئمة مع أزمتين عميقتين تهزان البلاد، الأولى هي الحرب الشرسة التي يخوضها الجيش ضد حركة تمرد الحوثي في جبال صعدة للسنة السادسة على التوالي من دون حسم واضح، وتتمثل الثانية في القلاقل التي تسود المناطق الجنوبية من البلاد منذ سنوات قليلة، والتي تتزايد فيها الدعوات الانفصالية لعودة تقسيم اليمن بعد 19 عاماً من الوحدة .
وتعيد الحرب الدائرة رحاها في صعدة بين الجيش وجماعة الحوثيين اليمن إلى المربع الأول للدفاع عن "ثورة 26 سبتمبر" في شمال البلاد في مواجهة حركة تمرد نوعية التصقت بها ومنذ صيف العام 2004 تهماً تتعلق بالتآمر المسلح للانقلاب على النظام الجمهوري وإقامة حكم إمامي على غرار ما كان قائماً في اليمن قبيل اندلاع ثورة سبتمبر في العام 1962 .
وتكشف مصادر حكومية مطلعة ل"المستقبل" عن رغبة رسمية تهدف إلى تحقيق حسم عسكري واضح في المواجهات المسلحة الراهنة مع الحوثيين خلال سقف زمني يواكب عشية الاحتفال بالذكرى السابعة والأربعين ل"ثورة 26 سبتمبر"، لأن من شأن ذلك أن يمثل بعداً معنوياً يرد للمؤسسة العسكرية وللنظام الجمهوري القائم اعتباره بعد ستة حروب متواصلة مع الحوثيين، إلا أن حديث الرئيس علي عبدالله صالح الذي قال فيه إن البلاد مستعدة لحرب طويلة مع الحوثيين تصل إلى ست أو سبع سنوات، والحقائق على الأرض تشير إلى صعوبة تحقيق ذلك في ظل استمرار الحرب وشراستها على مختلف جبهات القتال بين الجانبين .
وجددت المصادر نفسها اتهام الحوثيين بتبني أجندة خارجية لتحقيق مكاسب في الداخل تتمثل في قلب نظام الحكم تمهيداً لإقامة حكم إمامي كهنوتي يستلهم أدبياته من نموذج الثورة الإسلامية الإيرانية التي أطاحت نظام الشاه، وأقامت نظاماً يرتكز على التسليم بولاية الفقيه عبر شن حرب عصابات موسعة، مشيرة إلى أن دوائر صنع القرار السياسي في طهران، وإن نفت وجود أي دعم رسمي لجماعة الحوثيين في شمال اليمن، إلا أن مصادر مسؤولة لا تستبعد تورط ما تصفه ب"الكيانات الدينية المجتمعية الايرانية المعارضة" تقديم بعض أنواع الدعم اللوجيستي للحوثيين .
وتزامن احتفاء اليمن بالعيد الوطني ل"ثورة 26 سبتمبر" مع انهماك الجيش في محاولة إخماد ما يعتقد، بحسب الاتهامات الرسمية، بأنها أول محاولة انقلابية تستهدف الإطاحة بالنظام الجمهوري القائم منذ سبعة وأربعين عاماً، عبر انتهاج الخيار المسلح انطلاقاً من أقصى الشمال، يواكبه انهماك للحكومة اليمنية بمواجهة محاولة انقلاب مماثلة على دولة الوحدة اتخذ، ومنذ مطلع العام الجاري وبالتزامن مع اشتعال جبهة الشمال بصعدة، ما يمكن وصفه ب"العصيان المدني المسلح" المناهض للوحدة الاندماجية بين شطري البلاد في توقيت يتوافق مع اقتراب حلول الذكرى ال46 لثورة 14 تشرين الاول (أكتوبر) التي اندلعت في أراضي الجنوب العام 1963، والتي حررته من الاستعمار البريطاني في العام 1967، وهي الثورة التي تبنت شعار الوحدة اليمنية كقيمة معنوية ومبدأ عمل سياسي على مدى ما يزيد على أربعة عقود، قبل أن تحمل السنوات الأخيرة في طياتها تحديات إعادة اليمن مجدداً إلى المربع الأول لتواجه في آن واحد تحديات الحفاظ على نظامها الجمهوري والحفاظ على دولتها الموحدة .
وعلى الرغم من التحديات التي تواجه بلادهم، سواء في الشمال في الحرب ضد الحوثيين أو في الجنوب ضد الدعوات الرامية إلى إعادة تقسيم اليمن الموحد إلى نصفين، إن لم يكن أكثر، إلا أن المسؤولين اليمنيين لا يخفون ثقتهم بقدرة ثورتي سبتمبر وأكتوبر على مواجهة المخاطر التي تتهددهما، ويقولون إن الشعب الذي دافع عن مكاسب الثورتين طوال السنوات الماضية قادر على حمايتها من العواصف التي تتهدد دولة الوحدة اليوم .
مع ذلك فإن المسؤولين يعترفون أن ظروف اليوم اختلفت واللاعبون لم يعودوا كما كانوا في مواقعهم، بل تبدل اللاعبون وتغيرت أماكن تموضعهم، فكثير ممن كانوا من المدافعين عن الوحدة صاروا يطالبون بفك الارتباط عنها، والذين كانوا رموزاً من رموز النظام الحالي، قبليين ومدنيين على حد سواء، صاروا يطالبون بتفكيك النظام ويدعون إلى "فدرلة" اليمن وتغيير نمط نظامه ليتواكب مع العصر، مستشهدين بتجارب دول كثيرة أخذت بالخيار الفيدرالي وحققت نجاحاً كبيراً .
ويقول أصحاب المشروع الفيدرالي إن تبني هذا الخيار مع بقاء البلد موحدة أفضل من أن يبقى النظام بشكله الحالي والبلاد ممزقة، منطلقين في ذلك من مخاوف انزلاق البلاد إلى دوامة من عنف لا نهاية لها .