عام مضى بالتمام والكمال وما أسرع انقضاء الوقت وكأنها لحظات وليست بأيام وشهور وساعات، ومع ذلك فلابد من النظر إلى هذا العام بجدية وتجرد خالص، مع مراعاة الظرف الاستثنائي والدقيق لهذا العام وخصوصيته عن غيره من الأعوام الماضية. ففي مثل يوم الجمعة تم التوقيع الشهير والذي انتظره اليمنيون ستة أشهر تامة، منذ 22مايو 2011م وحتى 23نوفمبر2011م، ومع ذلك الانتظار الطويل والمرهق جدا والذي كلف شباب الثورة والمواطنين الكثير من التضحيات الجسام إلا أنهم انتصروا بعد صبر ومصابرة عجيبة أذهلت العالم كله، رغم ادراك العالم وقبله الشعب بأن صالح كان يعلن موافقته على التوقيع للمبادرة من أجل الكسب الإعلامي والمراوغة وإطالة الوقت والمراهنة على عامل الزمن، وكذا استمالة الخارج للوقوف بجانبه ولحشر المعارضة في زاوية ضيقة وضعيفة، ولكن صالح ومكره آل إلى بوار وانتصرت الإرادة الشعبية بتحقيق النصف الأول من هدف الثورة الشبابية، وبكل تأكيد فإن اسقاط شخص صالح ليس بالمهمة السهلة كما يتوقع البعض، فهي خطوة تعد الأهم لما بعدها رغم أهمية الخطوات التالية لاستكمال بقية أهداف ثورة الشباب. لكن الخطوات التالية ما كان لها أن تأتي إن لم يبدأ الشعب بالخطوة الأولى والتي انتهت بالتوقيع على المبادرة الخليجية في الرياض، ولأن صالح الذي يتصف بالمكر والخديعة والمراوغة يدرك أهمية تلك الخطوة ظل يلعب عليها كثيرا وأرهق شباب الثورة بتلك المراوغات ولو كان صالح يدرك بأن التوقيع واسقاط شخصه من رئاسة الجمهورية ليست خطوة هامة كما يردد البعض لما تأخر كل ذلك الوقت، وعلى كل فليس الوقت للإسهاب فيما مضى لأن التاريخ وحده من سيدون كل شيء، والأهم النظر إلى المستقبل لاستكمال أهداف الثورة والوفاء لدماء الشهداء والجرحى التي سالت في شوارع المدن مطالبة بالتغيير وبناء اليمن الجديد. ولعل من الأهمية بمكان تقيم المرحلة الماضية من العام الماضي والاستفادة من الأخطاء وتعزيز الإيجابيات لتحقيق طموح الشعب بالتغيير والتي تجسدت بشكل واضح وجلي وغير مسبوق في 21فبرائر2012م، ماجرى وحصل خلال عام ماضي من المبادرة(سنة أولى مبادرة/سنة ثانية ثورة) ليس بالشيء اليسير أو الهين فلابد من احياء الروح الثورة بالأمل لأن تغذية الروح الثورية باليأس يسبب الكثير من الإحباط ويصيب أرواح الثوار بالعطب والدخن، وهو مما ينبغي أن لايكون في أنفس الثوار، فذكر ماتحقق من نجاحات لشباب الثورة هام ومهم كي تظل جذوة الثورة باقية حتى تصل سفينة الوطن إلى بر الأمان وبناء الدولة المدنية المنشودة، الثورة منذ انطلاق شرارتها وسقوط أول قطرة دم لشهيد الثورة في محافظة عدن قضت على مشروع التوريث الذي كان صالح يسعى إليه بكل ما أوتي من قوة ولولا هذه الثورة المباركة لكان مشروع التوريث قاب قوسين أو أدنى،ولقد أسقطت الثورة رأس النظام في 23نوفمبرالعام الماضي وأعلنت للعالم مدى تطلع اليمنيين للتغيير بسبعة مليون صوت انتخابي في 21 فبراير 2012م وتم تشكيل حكومة الوفاق لمهمة استكمال انتقال السلطة وتحقيق عملية التغيير وانجاح المبادرة الخليجية، وفي العام الماضي تم الإطاحة ببعض أقارب صالح ومقربيه من المؤسسات العسكرية والمدنية، وتم رفع الكثير من النقاط العسكرية والقبلية في العاصمة وبعض المدن، وانهاء الحرب في أرحب ونهم وبني جرموز ومدينة تعز، وتم تعيين بعض المحافظين واشراك قوى الثورة المختلفة ببعض مرافق الدولة وفي العام الماضي اختلف الأداء الإعلامي بشكل كبير عن ماقبل 23نوفمبر2012م وفي العام الماضي صدرت العديد من القرارات الهامة في المؤسسة العسكرية بخصوص الهدف الثاني للثورة الشبابية وهو بناء جيش وطني قادر على حماية الوطن ومكتسبات الثورة، ومازال طريق هيكلة الجيش مستمر رغم الصعوبات التي تلاقي هذه المهمة والتي فشلت فيها ثورة سبتمبر وأكتوبر، ولقد أعترف الرئيس هادي بالثورة الشبابية وتغيرت نظرة العالم لليمن بفضل شبابه الميمون والصامد في ساحات الثورة منذ قرابة العامين، وعلى كل فما تحقق ليس بالكافي لتحقيق أهداف الثورة فثمة مخاطر عديدة اليوم تستهدف الثورة الشبابية بغية تحقيق أهداف ومطامع شخصية وعائلية تريد أن تقول بأن زمن ما قبل ثورة الشباب كان أفضل. خلال عام مضى منذ التوقيع على المبادرة الخليجية كانت مرحلة التغيير بطيئة ولا تلبي طموح شباب الثورة بالشكل الذي يعوض أنفسهم منقابل منح صالح الحصانة، التغيير الذي جرى ويجري لا يزال بعقلية النظام السابق ومتمترس خلف أسوار المصالح الضيقة ومراكز النفوذ هنا وهناك، ولايزال المشهد يتسم بالضبابية في بعض الأحيان وما تشكيل لجان عدة للتحقيق في قضايا رأي عام عنا ببعيد فمثلا حادثة السبعين/استهداف طلاب كلية الشرطة/ اغتيال وزير الدفاع /قتل شباب الثورة ثاني يوم لتوقيع المبادرة/ الاعتداء على وزارتي الدفاع والداخلية/ وغيرها من الحوادث المشابهة ينبغي أن تظهر نتائجها للعلن بدلا من تشكيل لجان التحقيق ومن ثم دفن الحقائق في دهاليز أدراج اللجان وعقول بعض السياسيين ومطلعي الحقائق، فمثل هذة السلوكيات تظهر بجلاء مدى عورة السياسيين والأحزاب الموجودة على الساحة بعدم استيعاب المتغيرات وما أفرزته الثورة الشبابية على المشهد العام، ومما يلاحظ على النظام الحالي خلال عام مضى بأن محاولته استعادة هيبة الدولة بطيئة، رغم نجاحه المبهر في محافظتي أبين وشبوة بطرد تنظيم القاعدة وهزيمته لأول مرة في تاريخ اليمن منذ عقود، لكن ما يلاحظ أن هيبة الدولة ليست بالشكل المطلوب خصوصا حينما تسمح بقايا النظام بالتسبب بانفلات أمني يذهب بهيبة الدولة إلى أسفل سافلين، أتمنى أن يستوعب الرئيس هادي والحكومة مسألة هيبة الدولة والعمل على استعادتها مهما كانت الصعوبات والمعوقات،إذ أن مسألة هيبة الدولة من وجهة نظري أهم وأكبر من الحوار الوطني المرتقب،إذ لا يمكن أن نتصور التحاور بمستقبل اليمن وهيبة الدولة لا زالت بهذة الصورة الغير مكتملة، مما يستلزم تكثيف الجهود لفرض هيبة الدولة وإن تأخر الحوار الوطني إلى أجل مسمى، ومما يلحظه المتابع لمسيرة ثورة الشباب بأنه وعقب التوقيع على المبادرة الخليجية انطلقت شرارة ثورة المؤسسات والتي كانت خطوة جبارة لتحقيق التغيير بصورة أسرع مما هي عليه الآن، لكن الانتخابات التي أعقبت التوقيع كانت هي السبب الرئيس لإجهاض ثورة المؤسسات، وشخصيا أتمنى أن تعاد ثورة المؤسسات من جديد لأن الفاسدين والنظام السابق ما زال متغلغلا في كل مرافق الدولة والوقت يمضى سريع وأسرع مما مضى وسنصحو وانتخابات 2014 بين أظهرنا وسيعود النظام السابق بطريقة جديدة تسهل ما استعصى عليه من ذي قبل ولربما من يلاحظ المؤتمر الشعبي العام سيقرأ ذلك جليا فمهمته الحالية بقاء أعضائه في مفاصل الدولة وسلطاتها هنا وهناك حتى يأتي فبراير2014م ويستفيد من بقاء أعضائه في مرافق الدولة، ولعل الملاحظ إلى عام مضى من المبادرة وعامين من الثورة أن مسألة خطيرة تهدد الثورة الشبابية وتصيبها بمقتل هو تفكك الصف الثوري بالشكل الذي آل إليه، فمسألة اختلاف وجهات النظر والتباين الثوري ليس هو المشكل ولكن التباين والاختلاف على حساب أهداف الثورة فتلك مصيبة كبرى تحقق أهداف صالح وتعيد إليه الأمل وعدم اليأس خصوصا مع بقاء صالح في رأس المؤتمر الشعبي العام، أتمنى من شباب الثورة وقادة الأحزاب والنخب أن يعيدوا النظر لتقيم المرحلة الماضية ليس بغرض جلد الذات وإنما للمصارحة والمكاشفة الهادفة للتقويم والانطلاق من جديد صوب الدولة المدنية المنشودة.