فقط في اليمن عندما يفتح أحدهم متجراً يصنع مطباً جواره ليُجبر السيارات على تهدئة السرعة وملاحظة وجوده، وفي الطريق بين المحافظات يصنع أصحاب البضائع على اختلافها مطبات ليعترضوا طريق المسافرين لكي يشتروا منهم ويغضون الطرف عن الخسائر الفادحة التي قد تسببها هذه المطبات للشارع العام الذي كلف الدولة مبالغ وقدرها "نصفها استقرت في جيوب المسؤولين"، والسيارات الخاصة، وعلاوة على ذلك الأضرار الصحية التي قد يُصاب بها من يستقلون تلك السيارات. بلد نشأ على ثقافة المطبات على المستوى العام والسياسي سواء بسواء، فها نحن اليوم نجد الفرقاء في اليمن يصنع كل منهم المطبات للآخر لكي يثبتوا فشله وعدم أهليته لقيادة البلد، فبدل أن يقدم مشروعاً خاصاً ليخدم الوطن والمواطن ويتميز به يُثبت ذاته بتعجيز وتركيع غيره، مما يزيدنا غرقا في وحل الخلاف والفقر والفساد، وأصبحوا يتفننون في صناعة المطبات والحفر لبعضهم بعضا، ولن يستفيقوا إلا عندما يقعون فيها جميعاً، وهذا ما نُعايشه اليوم واقعاً مراً، ومنذ أن وُقعت المبادرة الخليجية ونحن نعيش في دوامة هذه السياسية التي تحاول تدميرها وتقويضها وإثبات فشل الثورة اليمنية لدرجة يتمنى فيها المواطن البسيط عودة ما قبل الثورة ويترحموا على ما فات...
وهذا الأمر ما أوصل أحد صديقاتي إلى التذمر والشكاء عن الحال الذي آلت إليها أوضاع اليمن، تقول متذمرة "واحدة من الشعب الذي فاض به الهم من كل ذلك": "إيجار الدباب بدل ثلاثين صار خمسين، وإيجار البيجو أصبح أكثر من الضعف، زاد الفقر والغلاء وانتشرت البطالة وفوق هذا كله لا أمن ولا أمان".. واستطردت قائلة "وما يُغيض أكثر قولهم إن الثورة نجحت.. لو كانت ضد المواطن .. نعم فلقد نجحت".
هي تتحدث على لسان المواطن البسيط الذي يُريد أن يلمس التغيير واقعاً معاشاً يعود بالنفع عليه وعلى تحسين ظروفه المعيشية ولكنه يجد العكس فعلاً.!
أنى للثورة أن تنجح وهناك فأر من سلالة فأر سد مأرب ينخر في جدارها لينقض على المواطن، وأنى لها أن تنجح ونحن مستمرون بلعبة توم وجيري وصنع المقالب لبعضنا البعض، وأنى لها أن تنجح وكلٌ من الفرقاء يستند على حائط أجنبي ويمضي في تحقيق أهدافه!
وأنى لها أن تنجح وسرطان الفساد مازال متربعاً في أروقة وزوايا وشرايين الدولة والحكومة أيضاً، وأنى لها أن تنجح ومازالت هناك أيدي خفية تُرسل الكلافيت لتحطيم وتدمير الكهرباء وتنشر المجرمين لبث الرعب وإختلاق المشاكل، وتستورد الأسلحة في هيئة بسكويت ، وتزرع الألغام لتنفجر في وجه الحياة، وهناك من يهدد حياة الإنسان ليل نهار، وأنى لها أن تنجح وحتى الطفولة لم تسلم من الإغتصاب في أي مكان وفي أي لحظة! مجلس الأمن ضيفنا
وهذا ما جعل المجتمع الدولي يهرول إلينا ويرسل أعضا مجلس أمنه الداعم للأمن والسلام العالمي إلى اليمن، وهذا دليل واضح على عجزنا وفشلنا في حل مختلف المشاكل والعراقيل التي تختلقها بعض الأطراف في اليمن وعلى انعدام الحكمة اليمانية التي طالما صرعنا أُذني العالم بها فالإيمان يمان والحكمة يمانية. وللأسف الشديد لقد تنازلت الحكمة عن الجنسية اليمنية، والتي أصبح اسمها مُرتبطا بالإرهاب والفقر والتسول على مستوى عالمي، وأصبح للعمالة والارتزاق فيها تجارة لن تبور، تتنازع فيه الطوائف والفصائل والفرقاء المختلفون على تقسيم الكعكة ويبقى المواطن والوطن ومصلحتهما خارج الحسبة..
جاء بعصاهُ الأممية ليدعم موقف هادي وليؤكد له بأنه رئيس اليمن وليخرجه من صمته وليقنعه بأنه ليس بذرة قمح ستأكلها الدجاج، وفي نفس الوقت يُشرع العصى في وجه خصومه ليخبرهم أيضا بأنه لم يعد هناك ثمة بذرة قمح لتأكولها..
وأخيراً.. إن إجتماع مجلس الأمن أمس في اليمن ومقابلتهم لرئيس الدولة وللحكومة ولجنة الحوار الوطني دليل على الرغبة الصادقة لإنجاح التسوية السياسية وتأكيد على دعم هادي وعلى أنها طوت صفحة صالح وإلى الأبد، لذلك يجب على صالح أن يعي الدرس جيداً وأن لا يُهدر طاقته فلقد فاته القطار.