امتدت اليد الأجنبية لمحاربة "القاعدة" لتصل إلى اليمن هذه المرة بعد أن ظل هذا البلد في منأى عن التدخل الأجنبي المباشر لملاحقة عناصر "القاعدة" حيث يعتقد الأميركيون والغرب عموماً أنه تحول إلى ملاذ آمن لهذا التنظيم وخاصة بعد تصاعد التوجسات الإقليمية والدولية من احتمالات تحول اليمن إلى قاعدة إقليمية ل"القاعدة" عقب تهديداته بضرب المصالح الأميركية والغربية في البلاد . ومع تزايد الحديث عن "الملاذ الآمن" لتنظيم "القاعدة" المتمثل في اليمن تزداد المخاوف من حضور أجنبي لملاحقة عناصر التنظيم ومن أن تتحول الأرض اليمنية إلى ساحة جديدة من ساحات "المنازلة" بين "القاعدة" وأعدائها وخاصة الأميركيين الذين يبدو أنهم سيرمون بكل ثقلهم في ساحة المنازلة الجديدة.
وشكلت هذه القضية مصدر قلق لدى المواطن اليمني الذي يتخوف من تدخل أجنبي تحت ذريعة مكافحة الإرهاب، لذلك سارع نائب رئيس الوزير لشؤون الدفاع والأمن رشاد العليمي إلى طمأنة مواطنيه والتأكيد على أن أي تدخل أجنبي في اليمن لمحاربة "القاعدة" لن يساعد في القضاء على خطر التنظيم ، بقدر ما سيساعد على تقويته في ظل مجتمع محافظ يرى في توجهات الأميركيين والغرب عموماً شراً لا بد من مواجهته.
كما انبرى وزير الخارجية أبوبكر القربي للدفاع عن قرار سلطات بلاده بشأن هذه القضية الحساسة بالنسبة الى اليمنيين, وأكد هو الآخر أن اليمن لا يقبل بأي تواجد أجنبي على اراضيه وأن ما تطلبه صنعاء من الأميركيين والغرب عموماً يتمثل في تدريب القوات اليمنية وتوفير التجهيزات والقدرات القتالية والأسلحة المتطورة ووسائل النقل الحديثة على أن يكون القرار الأول والأخير للحكومة اليمنية في التعامل مع العناصر الخارجة على القانون، سواء كانت من "القاعدة" أو من أي حركات أخرى، في إشارة إلى حركة تمرد الحوثيين في الشمال أو الحركات الانفصالية في الجنوب .
السؤال الذي يطرح اليوم بقوة على الساحة اليمنية هو ماذا يحمل لليمن مؤتمر لندن الذي دعت إليه بريطانيا؟ ، ولماذا تم الإعلان عن عقده بشكل مفاجئ حتى بدون علم السلطات اليمنية التي فوجئت بإعلانه من قبل رئيس وزراء بريطانيا غوردن براون؟.
ويخشى مراقبون أن يكون قرار ضرب "القاعدة" في الساحة اليمنية قد اتخذته الولاياتالمتحدة وبريطانيا وأن المؤتمر محاولة للضغط على صنعاء للقبول بهذه الضربة وأن تكون أدواتها هي العصا الأجنبية ، وتفرض على صنعاء تقديم تعاون في هذا الجانب .
ويرى مراقبون أن رفض صنعاء حتى الآن هذا الخيار قد يتم ترويضه في مؤتمر لندن الذي سيطرح قضايا عدة على طاولته أبرزها القضية الأمنية، اضافة إلى مسألة التنمية التي تعد التحدي الأكبر أمام اليمن، ربما يكون أخطر من تهديد تنظيم "القاعدة" نفسه.
قصة "الأفغان العرب" لكن هل يمكن أن يجري القضاء على تنظيم "القاعدة" بحسب ما يخطط له الأميركيون والبريطانيون؟. وهل يسمح أعضاء التنظيم الذين يشكلون خليطاً من الجنسيات العربية والأجنبية للتوجهات الأجنبية بالقضاء على كيان التنظيم وهيكليته، وماذا يملك من أسلحة لمواجهة هذه التحديات؟.
لقد لعب المقاتلون العرب والأجانب دورا مهما في تركيبة تنظيم "القاعدة" ، وبقدر ما ينطبق على المركز ، أي في الخارج ، في أفغانستانوباكستان ، حيث قيادة التنظيم ، فهو ينطبق على وضع " قاعدة الجهاد في جزيرة العرب"، وهو فرع "القاعدة" في اليمن حيث يتواجد عشرات من العرب والأجانب في صفوف "قاعدة الجزيرة العربية" وتبذل الحكومة اليمنية جهوداً كبيرة لملاحقتهم.
ويعود تواجد العنصر الأجنبي في "الجهاد" ومن ثم "القاعدة" في اليمن إلى السنوات التي أعقبت انتهاء احتلال ما كان يعرف ب "الاتحاد السوفياتي" لأفغانستان وتحديدا منذ العام 1990 حيث استقبل اليمن ما يقدر بثلاثة آلاف من "الأفغان العرب" الذين وفدوا إلى اليمن دون غيرها من دول المنطقة لاعتبارات تتعلق بمخاوف من التعرض للاعتقال والمضايقة من قبل سلطات بلادهم وللتسامح الذي أبدته الحكومة اليمنية في التعامل مع العائدين من "الجهاد" في أفغانستان ليلتحق الكثير من هؤلاء بالعمل في وظائف تفاوتت بين التدريس في معاهد دينية اشرف على إنشائها وتمويلها تيار الأخوان المسلمين في اليمن الذي تحول إلى نواة لحزب إسلامي هو الأكبر في الساحة اليمنية عرف، ومنذ العام 1990، بالتجمع اليمني للإصلاح.
وقد اضطلع بعض الأفغان العرب الوافدين من أفغانستان إلى اليمن بمهام الوعظ والإرشاد في مساجد يسيطر عليها ذات الحزب الإسلامي، قبيل أن يسهم هؤلاء مع الكثير من رفاقهم اليمنيين العائدين من أفغانستان بدور فاعل سواء بحمل السلاح أو التحريض الديني من خلال منابر المساجد في الحرب التي اندلعت صيف العام 1994 على خلفية محاولة انفصالية تزعمها عدد من قيادات الحزب الاشتراكي اليمني استهدفت "فك الارتباط" بين شمال اليمن وجنوبه، وهو ما تعثر لاحقا لتخلص تلك الحرب إلى خلق معادلة سياسية جديدة في البلاد عقب الإعلان عن إنشاء أول ائتلاف حكومي من نوعه جمع حزباً راديكاليا كحزب المؤتمر الشعبي العام وحزب الإصلاح الإسلامي بتياراته المعتدلة والمتشددة وجناحه القبلي، الأمر الذي عزز من أوضاع وحضور الأفغان العرب سنوات لاحقة لم تدم طويلا، إذ سرعان ما انفرط عقد الائتلاف الحكومي الناشئ في العام 1997 لينسحب حزب الإصلاح الإسلامي إلى مربع المعارضة وينفرد حزب المؤتمر بالسلطة المطلقة وهو ما أفضى بالضرورة إلى بداية مرحلة جديدة من العلاقة بين الحزبين اتسمت بالتوتر والصراع النسبي الذي لا يزال حتى اليوم قائما .
في العام 1998 بدأ مصطلح تنظيم "القاعدة" يتردد في اليمن عقب إعلان أسامة بن لادن عن تأسيس تنظيم إسلامي جديد يتبني فكرا وتوجها جهاديا مناهضا لهيمنة الغرب والولاياتالمتحدة عرف ومنذ ذلك التاريخ بتنظيم "القاعدة" الذي انضوى في عضويته الآلاف من الشباب اليمنيين والعرب الذين شاركوا في القتال ضد قوات الجيش الأحمر السوفياتي في أفغانستان في الثمانينيات من القرن المنصرم.
وقد أسهمت شعبية بن لادن المسبقة في أوساط هؤلاء والتي اكتسبها من خلال دوره الفاعل في تقديم الدعم المادي واللوجيستي للمجاهدين ومبادراته بإنشاء معسكرات لتدريب المتطوعين للجهاد من أشهرها معسكر "الأنصار" الذي كان يفد إليه كل الوافدين إلى أفغانستان من الشباب اليمنيين والعرب في تحول هؤلاء بصفة خاصة إلى مقاتلين في الصفوف الأولى بالتنظيم الأصولي الناشئ ليشهد ذات العام تغييرا دراماتيكيا لافتا في طريقة تعاطي الحكومة اليمنية مع الأفغان اليمنيين والعرب فرضته تداعيات الصراع بين حزب المؤتمر الشعبي الحاكم وحزب الإصلاح الإسلامي المعارض من جهة وتبني تنظيم "القاعدة" الناشئ لتوجهات مناهضة للولايات المتحدة التي سرعان ما بدأت بممارسة الضغوط على الحكومة اليمنية .
وقد أفضى كل ذلك إلى مبادرة السلطات اليمنية خلال العامين 1998 1999 بإلغاء المعاهد العلمية وإدماجها في التعليم العام وتنفيذ حملة أمنية موسعة استهدفت اعتقال وترحيل الأفغان العرب المتواجدين في البلاد، وهو ما تم لاحقا بترحيل ما يقدر ب 2500 شخص، أي نحو 90 % من إجمالي المتواجدين منهم في اليمن والذين منحوا حق اختيار الدول التي يرغبون في التوجه إليها ليغادر معظمهم اليمن إلى دول أوروبية وعربية كالجزائر ومصر بعد رفضهم العودة إلى بلدانهم خشية التعرض للاعتقال والمحاكمة.
وقد شهد اليمن ومنذ العام 2000 تصاعدا لافتا لحضور وتهديدات تنظيم "القاعدة" عقب تبني الأخير لهجوم مباغت استهدف المدمرة الحربية الأميركية "اس اس كول" قبالة شواطئ عدن في تشرين الأول (اكتوبر) من ذات العام .
وقبل هذا التاريخ بعامين كانت السلطات اليمنية تمكنت من اعتقال خلية نشطة لتنظيم "القاعدة" تضم في عضويتها مجموعة من الشباب البريطانيين من بينهم شاب يحمل الجنسية البريطانية والدته متزوجة من رجل دين متطرف يعيش في إحدى ضواحي لندن اسمه "أبو حمزة المصري" الذي تكشف لاحقا صلته الوثيقة بذات التنظيم الذي نفذ ثلاث عمليات إرهابية خلال العام 2001 وأربع أخرى في العام 2002 .
وبعد أحداث الحادي عشر من أيلول (سبتمبر) في الولاياتالمتحدة نفذت الاستخبارات الأميركية عملية تصفية جسدية استهدفت خمسة من قيادات تنظيم "القاعدة" في اليمن على رأسهم زعيم التنظيم في اليمن أبو علي الحارثي الذي قتل ورفاقه الخمسة بصاروخ موجه أطلقته طائرة بدون طيار أميركية من نوع "بريد أتور" في صحراء مأرب في خريف العام 2002 . وشهد العام 2004 تراجعا ملموسا لحضور تنظيم "القاعدة" في اليمن عقب عمليات نوعية نفذتها القوات اليمنية بالتعاون مع الاستخبارات الأميركية، ليعلن الرئيس اليمني علي عبدالله صالح نهاية ذات العام أن اليمن أصبح خاليا من خلايا "القاعدة".
ومثل العام 2007 بداية الظهور المتجدد لحضور وتهديدات "القاعدة" في اليمن حيث أسهمت الضربات التي تلقاها التنظيم في العراق سواء من قبل القوات الأميركية والعراقية أو قوات الجيش الشعبي العراقي أو ما يسمى "الصحوات" إلى جانب ما تكبده التنظيم من خسائر بشرية في أوساط قياداته وناشطيه في السعودية في اختيار القيادة العليا لتنظيم "القاعدة" في اليمن قاعدة إقليمية جديدة للتنظيم ليبدأ الأفغان العرب الذين يمثلون نخبة الصفوف الأولى في "القاعدة" رحلة العودة إلى اليمن .
وبحسب تصريحات أدلى بها مصدر مسؤول في شعبة مكافحة الإرهاب اليمنية فإن عناصر "القاعدة" الأجانب الذين تعتقد السلطات أنهم لا يزالون في البلاد يحملون الجنسيات السعودية، وعدد هؤلاء يقدر بين 30- 40 شخصا. أما الجنسية المصرية والإفريقية الأخرى إلى جانب آخرين من بلدان عدة، فإن عددهم يقدر ب 30 شخصا يحملون الجنسيات الأوروبية والأميركية ، إلى جانب جنسياتهم العربية والإسلامية .
وخلال السنوات الممتدة بين 2000 2001 كان التوجه بحرا من باكستان إلى دبي الميناء الأكثر ازدحاما في المنطقة وقارة آسيا ومنه إلى خليج عمان وصولا إلى اليمن، إحدى الطرق التي سلكها عناصر "القاعدة" الأجانب للوصول إلى الأراضي اليمنية قبل ان تقوم السلطات العمانية باعتقال عشرين متسللا منهم وتشديد الرقابة على مياهها الإقليمية لتشهد السنوات اللاحقة لجوء عناصر "القاعدة" الأجانب إلى طرق مغايرة من أهمها السفر جوا إلى السعودية تحت مبرر تأدية العمرة ثم التسلل إلى المناطق السعودية الحدودية لليمن، ومنها إلى الأراضي اليمنية بالاستعانة بمهربين أو عناصر "القاعدة" السعوديين إلى جانب استغلال الزوارق من البر الصومالي باتجاه اليمن انطلاقا من دول القرن الإفريقي المجاورة .