في كل مكان يوجد من يكذب ومن يرى في ذلك أمراً معيباً. في مصر لا يبدو الموضوع بهذه البساطة، إذ يجب أن تكذب أو تكذب، فليس أمامك سوى هذين الخيارين اللذين يجسدان في هذه اللحظة التاريخية معاني الوطنية الحقة. في أول حديث تليفزيوني للرئيس المؤقت عدلي منصور قال مفاخراً إنه رغم إعلان حالة الطوارئ ورغم مرور البلاد بفترة استثنائية لم يتم إحالة أي شخص للمحاكم العسكرية، فهو كقاضٍ يرى أن من حق كل مواطن أن يمثل أمام قاضيه الطبيعي. كان الرئيس المؤقت يتحدث بكل ثقة عن هذا الإنجاز الكبير وشريط الأخبار للقنوات التي تبث حديثه يبث خبر مفاده: المحكمة العسكرية في مدينة السويس المصرية تصدر أحكاماً بالسجن المؤبد على 11 من مؤيدي الرئيس المعزول محمد مرسي والسجن خمس سنوات على 45 آخرين. لا يجب أن تتفاءل وتعتقد أن المصريين قد اكتشفوا أن رئيسهم ليس إلا رجلاً كاذباً، فهناك طاحونة للكذب تطمس الأكاذيب بأكاذيب جديدة لا تتوقف إلا وقت رفع الأذان. لقد انبرى العديد من الشخصيات المحسوبة على سلطة الانقلاب للإشادة بالرجل، وعلى سبيل المثال، يرى محمود كبيش، وهو عميد كلية حقوق جامعة القاهرة، إن حوار عدلي منصور كان يعبر عن حوار يليق برجل الدولة. هذه هي الرسالة التي يجب أن تصل إلى المصريين في بيوتهم، الرئيس رجل دولة، وإذا قال أشياء غير حقيقية فهو يقولها لأنها حقيقية، إنه الكذب من أجل الكذب مثل الفن من أجل الفن. لا يبدو الرئيس منصور خائفاً من افتضاح أمره، فالمصريون صاروا يتنفسون الأكاذيب بدل الهواء، كم هو شعب سيئ الحظ ذلك الذي يضطر لسماع كل أشكال الكذب دون أن يثير ذلك حفيظة أحد. يبدو لا نهاية وشيكة لهذا السيرك المنصوب منذ زمن، الرئيس أوباما وأخوه إخوان مسلمون، ميدان رابعة العدوية به أسلحة كيماوية، جماعة الإخوان المسلمين وراء سقوط الأندلس. قطاعات شعبية واسعة يتم سوقها في هذه المحرقة، حسناً، الأمر لا علاقة له بانتشار الأمية والجهل، ففي الانتخابات الرئاسية الماضية، وفي معرض تشويه الرئيس محمد مرسي، تحدث توفيق عكاشة صاحب قناة الفراعين، عن شخص مات قهراً لأنه لم يستطع معالجة ابنه في عيادة الدكتور محمد مرسي. في اليوم التالي، شكا دكتور إخواني لزميله في الجامعة لجوء وسائل الإعلام إلى الكذب على هذا النحو المكشوف، فالدكتور محمد مرسي مهندس وليس طبيباً، فما كان من زميله هذا إلا أن قال في ثقة عارمة: ما دام هو مهندس يروح يعمل عيادة ليه؟. في فيلم البريء للمخرج عاطف الطيب، والذي تدور قصته حول السلطة التي تتمكن من تصنيف الشعب إلى شرفاء وأعداء للوطن، كان أحمد زكي يؤدي دور مجند اسمه أحمد سبع الليل. كان سبع الليل قاسياً مع أعداء الوطن، وكان هذا يجعله فخوراً بنفسه، قبل أن يكتشف أنه لا أعداء ولا يحزنون، في نهاية الفيلم، يقوم سبع الليل بإطلاق الرصاص من بندقيته، يفعل ذلك وهو يصرخ في وجه الكذب الذي كان يلف مصر. اليوم، لا أحد يصرخ سوى الضحايا الذين هم بالمناسبة أعداء الوطن، ولسوء الحظ، لا أحد يسمع لصرخاتهم.