يشكل فشل النظام الاقتصادي العامل المشترك في جميع التحليلات المتعلقة بأسباب تمزق اليمن سواء أكانت الثورة الشيعية في صعدة بالشمال أو انبعاث الحركة الانفصالية من جديد في الجنوب أو التحالف الخطير الذي بدأ ينمو بين القبائل والقاعدة في الشرق. وفي هذا السياق، قال عبد الكريم الإرياني، الذي عمل لمدة طويلة كمستشار للرئيس اليمني، لشبكة الأنباء الإنسانية (إيرين): "في رأيي، يتمثل السبب الرئيسي لكل مشاكل اليمن بدءاً من صعدة إلى الحركة الانفصالية إلى القاعدة في الفقر. فلا أحد يقبل أن يُجنَّد مجاناً. العامل الديني موجود فعلاً ولكنه يستقي قوته من ظاهرة غياب الدخل". وكان مؤتمر دولي عُقد في لندن الأسبوع الماضي قد طالب اليمن باتخاذ "إجراءات ملموسة وعاجلة" لمعالجة "الظروف المؤدية للتطرف وعدم الاستقرار". وجاء في البيان الختامي للمؤتمر، الذي حضره عدد من الدول العربية والغربية بما فيها المملكة المتحدةوالولاياتالمتحدة والمملكة العربية السعودية، أن "التحديات في اليمن تشهد تصاعداً كبيراً وإذا لم يتم التعامل معها، فإنها ستهدد استقرار البلاد والمنطقة بأسرها". غير أن البعض يرى أن هذه ستكون مهمة شاقة بسبب المؤشرات الاقتصادية السلبية. هل سيتوقف دخل النفط ابتداء من 2017؟ وصل مجموع ميزانية الدولة في 2008 إلى 1.8 ترليون ريال يمني (حوالي 8.76 مليار دولار)، وفقاً لمصطفى ناصر، رئيس مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي بصنعاء. وقد جاء أكثر من ثلاثة أرباع الميزانية من دخل النفط. وبالرغم من أن الوزراء يصرون على أن معظم اليمن لم يخضع بعد للتنقيب عن النفط إلا أن البلاد لم تشهد سوى اكتشافات محدودة خلال السنوات الخمس الماضية. كما أن الإنتاج شهد انخفاضاً من 450,000 برميل يومياً خلال عام 2003 إلى حوالي 280,000 برميل في اليوم خلال عام 2009. ويقدر البنك الدولي ألا تجني الحكومة أي دخل من النفط خلال عام 2017. ووفقاً لتقرير صادر عن مؤسسة كارنيغي في شهر سبتمبر 2009 تحت عنوان "اليمن: تجنب الدوامة"، فإن نصف السكان، الذين من المتوقع أن يتضاعف عددهم خلال العشرين سنة المقبلة، أميون ويجنون أقل من دولارين في اليوم وأن البطالة تطال حوالي 35 بالمائة من مجوع السكان.
كما أن بعض المؤشرات الصحية، مثل سوء التغذية الذي يصيب حوالي نصف أطفال البلاد، تشبه إلى حد كبير مثيلاتها في إفريقيا جنوب الصحراء.
البطالة والقاعدة ويرى الشيخ عبد الله الشريف، أحد زعماء القبائل بمدينة مأرب التي تبعد حوالي 120 كلم شرق صنعاء وتشكل في الوقت نفسه معقلاً قوياً للقاعدة، أن هناك علاقة مباشرة بين غياب فرص العمل وارتفاع وتيرة الانضمام للحركات القتالية. وجاء في قوله أن "السكان المحليين يعانون من البطالة وعندما يقابلون عناصر أجنبية من تنظيم القاعدة فإنهم ينساقون لإغرائهم. هم يقولون أنهم يتبعون الدين ولكنهم في الواقع شباب وعاطلون عن العمل".
كما يعتقد الشريف أن التوجهات الأصولية تزداد قوة بسبب المدارس الدينية الخاصة التي عادة ما تأتي لتملأ الفجوة التي يخلفها النظام التعليمي غير الملائم. ووفقاً لبعض الصحفيين، لا زالت واحدة من المدارس في مأرب، كان قد أسسها أبو الحسن المصري، وهو مواطن مصري، تعلم المنهج الأصولي للمتطرفين اليمنيين والأجانب حتى الآن.
وأوضح الشيخ الشريف أن "هذه المدارس الدينية قد خُلقت لدعم النظام التعليمي بسبب الثغرات التي يعاني منها. وعلى المستوى السياسي، لا تملك هذه المدارس سوى تأثيراً بسيطاً ولكنني أعتقد أنها تغذي الإيديولوجيات الطائفية". العصيان يستنزف الموارد وتتباين الآراء حول الشمال، خصوصاً وأن الدوافع الإيديولوجية للحوثيين الشيعيين وأتباعهم الذين قادوا ثورة مناهضة للحكومة في صنعاء، تسببت في تشريد ونزوح ربع مليون شخص.
ويرى محمد الظاهري، وهو أستاذ محاضر في كلية العلوم السياسية في جامعة صنعاء، أنه في الوقت الذي يعتبر فيه الحوثيون أنفسهم أحفاداً مباشرين للرسول محمد مما يجعلهم الأحق بالسلطة في اليمن، فإن تمردهم نجم أيضاً عن تهميش اقتصادي واجتماعي. وأوضح الظاهري أن "هذا ما يحدث عندما لا تقوم الحكومة بمهمتها. فصعدة تفتقر للتنمية الاجتماعية وتعاني من عدم كفاية المدارس والمستشفيات، كما أن هناك قيوداً على المعارضة المسالمة مما يؤدي إلى ظهور العنف".
وقد تسببت الحرب على الحوثيين في استنزاف الموارد الحكومية الضعيفة في الأصل مما جعل الرئيس علي عبدالله صالح يحذر في شهر أغسطس من أن أموال المدارس بدأت تستَعمل لبناء الخنادق من أجل الحرب. كما أن البرلمان علق موافقته على ميزانية 2010 إلى أن ينتهي النزاع.
وألقى الظاهري بالمسؤولية في فشل دولة اليمن على عتبة المجتمع الإنساني. وألقى باللوم في ذلك على الولاياتالمتحدة وأوروبا لإنفاقها المال في دعم نظام الرئيس صالح بدلاً من الاهتمام بالتنمية. حلم العمل وكخطورة الحرب على الحوثيين وتهديد القاعدة، تأتي الحركة الانفصالية في الجنوب لتشكل أكبر تهديد لاستقرار البلاد على المدى البعيد، وفقاً للعديد من السياسيين والمحللين اليمنيين، حيث يرى الأرياني، مستشار الرئيس، أن "الانفصال يعني عودة الحرب بين الشمال والجنوب كل 10 سنوات والحرب بين سكان الجنوب أنفسهم كل خمسة أعوام. وإذا ما تم الانفصال، فإن اليمن سيصبح مرتعاً للنزاع".
وحسب الإرياني وبعض المهتمين الآخرين، بالرغم من الاستثمار في البنية التحتية وفتح مدارس جديدة في الجنوب منذ الوحدة عام 1990 ونهاية الحرب الأهلية عام 1994، إلا أن الحركة الانفصالية التي تعرضت مظاهرات مناصريها لرصاص قوات الأمن في العديد من الأحيان خلال العام الماضي مما أودى بحياة عشرات المشاركين فيها، نابعة في الأساس من انتشار البطالة.
وجاء في قول الأرياني أن "كل رجل في 19 من عمره عاش الوحدة. لم يدرك أبداً مدى معاناتنا من التقسيم. إن الأوضاع الاقتصادية تجعل الناس يعتقدون أنهم إن انسحبوا من الوحدة سيعثرون على عمل في اليوم التالي. بالعكس، فإذا توفرت للشخص فرصة عمل في الغد فإنه قد لا يحظى بها في الشهر المقبل".