أقر مجلس النواب في جلسته المنعقدة اليوم الأحد تشكيل لجنة مكونة من رؤساء الكتل البرلمانية لدراسة المقترحات المقدمة من قبل الأعضاء والمتعلقة بالإجراءات المفترض اتخاذها بشأن حادثة اغتيال النائب عبدالكريم جدبان، لكي يتم التصويت على أحدها غداً الاثنين. بدأت جلسة الأحد بوقوف الأعضاء دقيقة حداد لقراءة الفاتحة على روح جدبان، الذي اغتاله مسلحون مساء الجمعة أثناء خروجه من جامع الشوكاني بأمانة العاصمة.
عقب إقرار محضر الجلسة السابقة وقراءة الفاتحة، تقدم غالبية النواب بطلب إعطائهم فرصة للحديث، منهم نواب عُرفوا بالميل إلى الصمت والاستماع ومشاركاتهم في الجلسات التي حضروها منذ دخولهم البرلمان لا تتجاوز عدد أصابع اليد؛ لكن يحيى الراعي الذي رأس الجلسة خصص لكل مداخلة فترة زمنية لا تتجاوز الدقيقتين.
كانت المرة الأولى التي يتفق فيها النواب، باختلاف الكتل السياسية المنتمين لها، على ضرورة اتخاذ موقف حازم إزاء حادثة اغتيال زميلهم البرلماني جدبان، على خلاف بينهم حول نوعية الموقف المناسب المفترض اتخاذه. بدءاً بسحب الثقة من حكومة الوفاق الوطني، وهو الرأي الذي تبناه وأيّده غالبية نواب حزب المؤتمر، وانتهاءً بتعليق أعمال المجلس إلى حين القبض على المتهمين باغتيال جدبان وإحالتهم للعدالة.
خيار سحب الثقة وتهمة مؤيديه ب«المزايدة» النائب عبدالله المقطري، الذي ينتمي لكتلة الحزب الناصري ويخالف كتلته في الكثير من قراراتها، وتحديداً أثناء مقاطعة كتل المشترك جلسات المجلس في الفترة الماضية، تقدم في بداية الجلسة بمبادرة تضمنت ضرورة سحب الثقة من الحكومة التي وصفها ب«الفاشلة»، ومطالبة الرئيس عبدربه منصور هادي بتشكيل حكومة وفاق وطني تراعي معيار الكفاءة، وتتولى مهام وضع حد للانفلات الأمني، وتدهور الاقتصاد والمال، حسب قوله.
المبادرة التي حظيت بموافقة وتزكية من قبل نواب المؤتمر، تضمنت أيضاً، «إقالة رؤساء خمسة أجهزة أمنية، منهم رئيسي جهازي الأمن (السياسي، والقومي)، ونقل عاصمة الدولة إلى محافظة عدن الجنوبية»، تحت مبرر أن «بقاء العاصمة في صنعاء غير مجدي».
ازدادت حدة الهجوم على الحكومة في الجلسة التي خُصصت لمناقشة حادثة الاغتيال، بعد أن تم إخراج مسؤولين حكوميين كانوا تواجدوا لمناقشة تقارير مرتبطة بهم، ونُعتت الحكومة بأوصاف من قبيل «الفاشلة، الفاسدة، المستهترة، البكاءة، الخائنة، ...الخ». كان رئيس المجلس يحيى الراعي في جلسات سابقة يُجبر من يُطلقها على سحبها والتراجع عنها.
النائب نبيل باشا دعا إلى أن تكون أربعينية جدبان موعداً لسحب الثقة من الحكومة، مطالباً بتشكيل لجنة برلمانية للتحقيق في الحادثة بدلاً من لجان التحقيق الحكومية «التي لم نعد نثق فيها»، على حد قوله.
النائب المستقيل من حزب المؤتمر ومن يسمي نفسه ب«رئيس كتلة الأحرار» عبده بشر، هدد بتبني مواقف قد لا تعجب البعض- حسب قوله- في حال لم يسحب المجلس الثقة من الحكومة ويحيلها للتحقيق والمحاكمة.
كما أن سنان العجي وعدد من نواب المؤتمر زكوا مطلب سحب الثقة عن الحكومة، وقال العجي «لا خير فينا إذا لم نقف وقفة جادة بإقالة الحكومة».
في الجانب الآخر، طالب نواب آخرون عدم اتخاذ حادثة اغتيال جدبان فرصة «للمزايدة السياسية»، وقال رئيس كتلة التجمع اليمني للإصلاح زيد الشامي «يجب أن ننظر للقضية بعيداً عن أي مكايدة سياسية، ولو كانت القضية سحب الثقة من الحكومة وتحتل الإشكالات لما تأخرنا عن ذلك».
وأضاف الشامي «أنا لست من المدافعين عن الحكومة أو وزرائها، لكن لا نريد أن نزيد الطين بلة».
النائب عبدالعزيز جباري عبر عن رفضه لأي توظيف سياسي للقضية، وقال «نريد تحقيق شفاف ولجنة من كل الأطراف السياسية».
وقال النائب محمد النقيب: أرجو من الزملاء ألا يوظفوا القضية توظيف سياسي.
كما اعتبر النائب محمد الحزمي سحب الثقة من الحكومة بمثابة «صب الزيت على النار»، داعياً المجلس إلى أن يكون جزءاً من حل المشكلة وليس مشكلة في ذاته.
تحميل أجهزة الأمن المسؤولية نواب آخرون، وعلى رأسهم علي العنسي وعلي المعمري وعبدالعزيز جباري، أكدوا مسؤولية أجهزة الأمن وعلى رأسهم وزارتي الداخلية والدفاع عن الحادثة وكل الحوادث الأمنية المشابهة.
ودعا علي العنسي وزيري الدفاع والداخلية إلى تقديم استقالتهما قبل أن يتم سحب الثقة منهما. كما دعا النواب إلى توحيد الكلمة، معبراً عن رفضه لقرار سحب الثقة بقوله «إن سحب الثقة من الحكومة إجمالاً سيعمل على إرباك الحوار والمرحلة الانتقالية».
إلى ذلك قال النائب عبدالعزيز جباري إنه كان يتوقع من وزير الداخلية تقديم استقالته فور سماعه حادثة اغتيال جدبان، وأضاف «اليوم شعرنا بالخطر لأنه وصل إلى مجلس النواب».
وطالب جباري بتشكيل لجنة برلمانية لمتابعة إجراءات التحقيق الخاصة بالحادث.
إلى ذلك اتهم النائب علي المعمري، أطرافاً لم يسمها، ب«إيقاع اليمن في مستنقع الحرب الطائفية»، وقال: هناك من أزعجهم خروج اليمن من مشكلاته وأزماته فعمدوا إلى الزج به إلى فتنة طائفية.
ودعا المعمري إلى سحب الثقة من وزير الداخلية ورئيسي جهازي الأمن «السياسي، والقومي»، الذين لم يستطيعوا القبض على جهة اغتالت أكثر من 100 ضابط عسكري، على حد قوله.
وقلّل النائب عبدالسلام هشول من الدور الذي يمكن أن يقوم به المجلس إزاء مقتل زميلهم البرلماني جدبان، وقال إن أكثر من نائب قد تم اغتياله وتصفيته في الفترات السابقة في حوادث مشابهة، ولم يحرك المجلس ساكناً.
وكشف هشول عن تعرض زميله جدبان لأكثر من تهديدٍ قبل أن يتم استهدافه، داعياً النواب إلى الوفاء بالقسم الذي أدوه واتخاذ موقف يتناسب معه.
القوى السياسية.. في مرمى الاتهام أرجع عدد من النواب الاختلالات الأمنية الجارية إلى الصراع الدائر بين القوى السياسية في البلاد، معتبرين بداية حل المشكلة من إنهاء الخلاف الموجود بين تلك القوى.
وطالب النائب عبدالله العديني من وصفهم بعقلاء اليمن، في إشارة إلى قادة تلك القوى السياسية، بنزع فتيل الأزمة والصراع بينهم.
وأيد العديني في طرحه النائب علي اللهبي، وقال «على القوى السياسية أن تتقي الله في البلد».
إلى ذلك قال النائب عبدالله حسن خيرات «إن الحكومة جزء من المشكلة، لكن المشكلة هي في القوى السياسية»، داعياً المجلس إلى إلزام لجنة الدفاع والأمن في المجلس بالتواصل مع الجهات الأمنية ومتابعة التحقيقات.
واقترح النائب فؤاد واكد تعليق أعمال المجلس لفترة أسبوعين حتى تتخذ الحكومة إجراءاتها بشأن الحادثة، أو يشرع المجلس في سحب الثقة منها.
وطلب رئيس المجلس يحيى الراعي تأجيل قرار البرلمان بخصوص حادثة اغتيال النائب جدبان، حتى جلسة اليوم الاثنين، بعد أن وافق النواب على مقترح للنائب عزام صلاح يتضمن تشكيل لجنة من رؤساء الكتل في المجلس لجمع ودراسة الخيارات التي طرحها النواب وعرضها في الجلسة القادمة للتصويت على قرار محدد.