الرئيس الزُبيدي يهنئ خادم الحرمين الشريفين وولي عهده باليوم الوطني السعودي ال95    مشاركة الرئيس الزبيدي في الأروقة الدولية : دلالات ومعاني ترسم ملامح جديده لمستقبل الجنوب    جامعة 21 سبتمبر: "في ذكرى الثورة.. ثابتون مع غزة والأقصى    التحويلات المالية للمغتربين ودورها في الاقتصاد    حزب الإصلاح يحمي قتلة "إفتهان المشهري" في تعز    ريمه : عرض شعبي لخريجي دورات "طوفان الأقصى" بعيد ثورة 21 سبتمبر    نائب وزير الشباب والرياضة يهنئ قائد الثورة والرئيس المشاط بثورة 21 سبتمبر    لوبيز يغيب عن برشلونة لمدة ثلاثة أسابيع بسبب الإصابة    أمن الأمانة يرفع الجاهزية تحسبا لاي طارئ    مباحث حجة تكشف غموض احد اخطر جرائم السرقات    11 عاما على «نكبة» اليمن.. هل بدأت رحلة انهيار الحوثيين؟    انتقالي حضرموت يثمن جهود وتحركات الرئيس الزُبيدي داخليا وخارجيا    فريق التوجيه والرقابة الرئاسي يزور كلية المجتمع ونادي النصر الرياضي بالضالع    وزارة الاقتصاد: توطين الصناعات حجر الزاوية لبناء الاقتصاد    ماذا تعرف عن جائزة الكرة الذهبية؟    مصر تفوز بتنظيم كأس العالم للدارتس 2027 في شرم الشيخ    اجتماع يناقش الوضع المائي لحوض تعز    وقفة في مديرية صرواح بمأرب إحتفاء بالعيد ال11 لثورة 21 سبتمبر    تعز..تكدس النفايات ينذر بكارثة ومكتب الصحة يسجل 86 إصابة بالكوليرا خلال 48 ساعة    القاتل الصامت يودي بحياة خمسة أطفال من أسرة واحدة في محافظة إب    قبيلة الخراشي بصعدة تقدم قافلة رمان للمنطقة العسكرية الخامسة    صحة البيئة بالمنصورة تشن حملة واسعة لسحب وإتلاف "شمة الحوت" من الأسواق    سوريا تستسلم.. ونحن وراءها؟    لقاء تشاوري بين النيابة العامة وهيئة الأراضي لمناقشة قضايا أملاك الدولة بالوادي والصحراء    اثنان من الحكام اليمنيين ضمن الطاقم التحكيمي لبطولة كأس الخليج للناشئين    المحافظ بن ماضي يستقبل نجوم شعب حضرموت أبطال ثلاثية الموسم السلوي ويشيد بإنجازهم التاريخي    انتقالي مديرية الضالع يكرم طلاب الثانوية المتفوقين للعام الدراسي 2024/2025    نائب وزير الإعلام والثقافة والسياحة ومدير صيرة يتفقدان أعمال تأهيل سينما أروى بصيرة    وفاة خمس نساء من أسرة واحدة غرقا في أبين    عدن.. البنك المركزي يكشف عن استخدامات المنحة السعودية ومستقبل أسعار الصرف خلال الفترة القادمة    خبير طقس: اضطراب مداري يتجه تاثيره خلال الساعات القادمة نحو خليج عدن    هبوط جماعي للأسهم الأوروبية!    اجتماع للجان الفنية لدمج وتحديث الهياكل التنظيمية لوحدات الخدمة برئاسة الحوالي    براءة العلويين من البيع والتنازل عن الجولان لإسرائيل    "إنهم يقومون بكل الأعمال القذرة نيابة عنا"    ثورة 21 سبتمبر إنجازات عسكرية وسياسية استثنائية    الجنوب ليس قضيتكم.. فخففوا صراخكم    الراحلون دون وداع۔۔۔    برشلونة يواصل ملاحقة ريال مدريد    السعودية تسرق لحن زامل يمني شهير "ما نبالي" في عيدها الوطني    قاضي: جريمة اغتيال المشهري خطط لها باتقان ونفذها أكثر من شخص    أحتدام شراسة المنافسة في نهائي "بيسان " بين "ابناء المدينة"و"شباب اريافها".. !    وزارة الإعلام تطلق مسابقة "أجمل صورة للعلم الوطني" للموسم الثاني    قراءة في كتاب دليل السراة في الفن والأدب اليمني لمصطفى راجح    الوفد الحكومي برئاسة لملس يختتم زيارته إلى مدينة شنغهاي بالصين    التعايش الإنساني.. خيار البقاء    عبد الملك في رحاب الملك    على خلفية إضراب عمّال النظافة وهطول الأمطار.. شوارع تعز تتحول إلى مستنقعات ومخاوف من تفشّي الأوبئة    على خلفية إضراب عمّال النظافة وهطول الأمطار.. شوارع تعز تتحول إلى مستنقعات ومخاوف من تفشّي الأوبئة    بمشاركة 46 دار للنشر ومكتبة.. انطلاق فعاليات معرض شبوة للكتاب 2025    الكوليرا تفتك ب2500 شخصًا في السودان    موت يا حمار    العرب أمة بلا روح العروبة: صناعة الحاكم الغريب    خواطر سرية..( الحبر الأحمر )    اكتشاف نقطة ضعف جديدة في الخلايا السرطانية    في محراب النفس المترعة..    بدء أعمال المؤتمر الدولي الثالث للرسول الأعظم في صنعاء    العليمي وشرعية الأعمى في بيت من لحم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«فلاتر» حول الرئيس..!
نشر في المصدر يوم 22 - 12 - 2013

خلال النصف الأول من ولايته التوافقية (العامين التي أوشكت على الانقضاء) لم يبدِ الرئيس عبد ربه منصور هادي اعتناءً حقيقياً ببناء قواعد شعبية تسانده خلال مراحل التأزم، إذ بدا شديد الانكباب على تسكين الاحتقانات التي كانت سائدة إبان وصوله إلى كرسي الرئاسة بموازاة الاعتناء بتوزيع الغنائم بين مراكز القوى الرئيسية في البلاد.

بعد ثلاثة أشهر سنكون على موعد مع استهلال النصف الثاني من الولاية التوافقية للرئيس هادي (العامين اللذين يوشكان على البداية).

المرحلة الفاصلة ما بين العامين الماضي والقادمين، تستوجب وقفات رئاسية ذات طابع تأملي تحقيقاً لغايات عديدة من بينها رصد مكامن الترهل في مجمل الأداءات الرئاسية والمسببات التي أدت إلى تخليقها خلال مرحلة السنتين الماضيتين، بموازاة معرفة المسببات التي حالت دون نيل رضا الغالبية العظمى من الجماهير وكانت سبباً في التأثير المباشر على إنماء الكتلة الجماهيرية الرئاسية والعوامل الموضوعية التي تسببت في إبقائها عند مستوى معيّن مقابل النمو المضطرد لكُتل جماهيرية أخرى انحسر تأثيرها إلى الحدود الدنيا خلال الأيام الأولى لرئاسة هادي ثم تمكّنت من مبارحة التبعثر الذي لحق بأوراقها كنتاج للإطاحة بالمخلوع صالح.

استخلاص دروس السنتين
في المرحلة الأولى من حكم هادي، كان صالح يُعاني حالة من العزلة الشديدة، حيث بدا لمراقبين أن ثمة تطويقاً مُمنهجاً جرى نسجه حول الرجل للحيلولة دون قيامه بأي أنشطة ذات صلة بمساعي تعكير صفو التسوية السياسية والحوار الوطني.

معظم التحليلات آنذاك كانت تفترض وجود تكتيكات على صعيدي الداخل والخارج لإبقاء المخلوع في مربّعات التطويق والحيلولة دون مبارحته للأجواء الانعزالية التي كان يعيشها.

اتذكر هنا مثلاً أن وزراء حكومة الوفاق بمن فيهم وزراء المؤتمر الشعبي العام لم يكونوا قادرين على زيارة صالح أو قبول توجيهاته أو إبرام صفقات بينية معه، إذ بدا الرجل أشبه ما يكون برئيس صوري للمؤتمر الشعبي ليس أكثر، غير أن المخلوع ما لبث أن تمكن من مجاوزة تلك الحالة الانعزالية بمساعدة عوامل ذات صلة بضعف الأداءات الرئاسية وعدم قدرة الرئيس على التقاط راية القيادة المؤتمرية.

فخلال الرّبع الثاني من مُدة السنتين، شرع المخلوع في مبارحة تموضعات الانعزال مستغلاً هفوات وأخطاء بائنة في الاداءات الرئاسية وبالأخص تلك المتصلة بأمرين، الأول: انكفاء الرئيس هادي على مجموعة بعينها من ذوي الحظوة وانهماكه في سيناريوهات المُراضاة لمراكز القوى الرئيسية (سبق أن بيّنتها في مقال سابق بعنوان: تداعيات التهميش الرئاسي للقوة الناعمة) والثاني: الغرق في بحر التروي إزاء قضايا كانت تستدعي الحسم كرئاسة المؤتمر الشعبي مثلاً.

لكي لا تمضي الأسطر في نُسق من المقارنة غير المحمودة بين هادي وصالح، يتعيّن القول إن المسألة هنا ترتبط بمدى ما حققه الرئيس هادي من إنجازات ذات أبعاد وانعكاسات شعبية وما رافق تلك الانجازات من مثالب كانت سبباً في تبديد الأبعاد والانعكاسات الشعبية.

جردة حساب المثالب والأخطاء خلال العامين الماضي، فُعلٌ لا مناص من القيام به بالنسبة للرئيس هادي لاستخلاص الدروس الكفيلة بتحسين مجمل الاداءات الرئاسية وصولاً الى ابتكار أنماط قادرة على تحقيق أداءات أفضل خلال مرحلة السنتين القادمة.

أفعال من قبيل الاقتراب من الفئات الجماهيرية الأدنى بموازاة فتح أبواب الرئاسة على مصراعيها لكل الأطياف والتوجهات وكذا إعادة بناء الطاقم الرئاسي وتعزيز قدراته بصورة تكفل قيامه برفع جوانب من الأعباء الثقيلة المُلقاة على عاتق الرئيس علاوة على تعزيز علاقات التشبيك والصلة مع أركان القوة الناعمة المدنية في البلاد والتواجد في قلب الأحداث (حضرموت أنموذجاً) أفعال من شأنها أن تتسبب في رفع الأسهم الجماهيرية للرئيس وتعزيز كتلة التأييد العريضة التي شهدت في الربع الأخير من السنتين الماضيتين انحساراً تدريجياً لصالح نمو كتل أخرى مناوئة.

تعطيل مكتب رئاسة الجمهورية
حين شعر الرئيس أن حكومة الوفاق ليست بمستوى تطلعاته وقدرته على رفع وتائر الأداء والانجاز المنسجم مع تطلعات ورغبات الجماهير، كان بوسعه أن يمنح طاقم الرئاسة المتضخّم سلطات لمجاوزة الأداء الحكومي المتعثر، وبالتالي الاعتماد على مكتب رئاسة الجمهورية في إدارة جانب من السلطات الحكومية باعتباره يملك كادراً وتقسيمات إدارية قادرة على تغطية الفراغات التي لم تتمكن من شغلها وزارات الحكومة (للمزيد من الإيضاح عن هذه الجزئية ثمة ضرورة للعودة إلى مقال سابق منشور في الانترنت بعنوان: دوائر الرئاسة حكومة اليمن الفعلية).

ورغم أن المكتب سعى للقيام بأدوار محدودة في تعزيز الأداء الحكومي عبر توجيه بعض الوزارات ومراقبة أداءاتها وأعمالها بموازاة تفعيل أدوار الأجهزة المركزية (الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة أنموذجاً) التي لا يجد الرئيس فرصة كافية لمطالعة نواتج أعمالها والنصائح والمقترحات المرفوعة من جانبها بشأن مجمل الأداءات الحكومية، إلا أن التشكيك المتواصل في أداءاته –أي مكتب الرئاسة- وأعماله وعدم منحه فرصة فعلية وسلطة حقيقية لتحمل جوانب من الاعباء الرئاسية كان سبباً في تعطيل قدرته على التحرك إزاء عددٍ من القضايا والملفات.

شخصياً كنت اتوقع من الرئيس تفويضاً كلياً لمدير مكتبه للتعاطي مع التقارير الآتية إليه من الأجهزة المركزية واتخاذ إجراءات الثواب والعقاب في حدود معينة لجميع مؤسسات وهيئات الدولة بما فيها وزارات الحكومة على اعتبار أن هذا الفعل يتعذر انجازه من جانب الرئيس نهائياً نظراً لمستويات انشغاله بإدارة توازنات اللعبة السياسية واستحقاقات المرحلة الانتقالية وملفات الهيكلة وغيرها، غير أن شروع المكتب في الهيمنة على بعض الأجهزة المركزية كتمهيد لتحسين وتطوير أداءاتها كان سبباً في إغضاب ذوي الحظوة مع أن أي انجازات لمكتب رئاسة الجمهورية في تطوير إداءات الكادر الإداري للدولة وتطويق أوجه العبث والفساد لم تكن لتحسب بتاتاً لنصر طه مصطفى وإنما للرئيس هادي شخصياً.

انتقاء رجال الهرم الأعلى
في فن الإدارة، لا يمكن للرجل الأول الاكتفاء بالركون المطلق على ذوي الحظوة فحسب، إذ يتعين أحياناً أن يتم منح جوانب واسعة من الصلاحيات لأطراف أخرى لا تنسجم مع رغبات ذوي الحظوة من المقرّبين والحواشي.

أذكر هنا أن المخلوع لم يكن يكتفي بالأولاد ومؤسساتهم فحسب، إذ كان شديد الحرص على بقاء المؤسسات النظيرة والمراكز الندية بهدف تحقيق أمرين أساسيين أولهما: تعزيز وتائر المنافسة لتحقيق انجازات أعلى، وثانيهما: كشف مثالب كل طرف من الأطراف (مثالب ذوي الحظوة وإخفاقات منافسيهم) وصولاً إلى تطوير شامل لمختلف الأداءات (يمكن العودة هنا إلى مقال سابق في الانترنت بعنوان: بين المركزين؛ المقدّس والمُصغر، كيف يدير الرئيس دولتين معاً!).

واقع الحال أن النقاط بعاليه ليست سوى تعبير جزئي عن جانب من جردة حساب الأخطاء والترهل في مجمل الأداءات الرئاسية، إذ ثمة قضايا ذات صلة بانتقاء رجال الحظوة.

في فلسفة إدارة الهرم الأعلى داخل الدولة ثمة عدة مفاهيم لأساليب انتقاء رجال الحظوة وأولئك القادرين على تحقيق مستويات متقدّمة من النفوذ السلطوي بفعل اقترابهم من المصدر الأعلى للقرار السيادي المتمثل بالرئيس.

عادةً ما تتصل أهم تلك المفاهيم بالتموضعات الداخلية للدولة نفسها، فحين تكون الدولة في حالة أزمات متفاقمة لا مناص من إجراء تغييرات أو تعزيزات تكفل إحداث نوع من التوازن بين طواقم الحظوة الرئاسية بصورة تتسبب في حضور واضح لرجال البأس والصرامة والقوة بموازاة الحضور الموازي لنقائضهم من الرجال..!

عندما يكون الرئيس محاطاً برجال ضعفاء لا يملكون القدرة على إنفاذ سياسات الرئيس وتكريس نفوذ حقيقي في معظم المؤسسات وبالأخص تلك التابعة على نحو مباشر للسلطات الرئاسية، يتعيّن الاستعانة برجال أشداء ذوي بأس لتغطية الفراغات التي لا تسترعي انتباه الرجل الأول ويصعب عليه كشفها أو ملاحظتها دون أدوات الإعانة والفحص والتمحيص من رجال الهرم الاعلى.

فلاتر حول الرئيس!
الموازنة في الحضور ما بين شتى الأوصاف (الضعف والقوة والشدة والليونة) في تكوينات رجال الهرم الأعلى (المحيطين بالرئيس) تكتسب أهمية أخرى، فالانكفاء على رجال ضعفاء بحُجة الولاء وحسابات ذات صلة بالانتماءات المناطقية والجهوية تتسبب في صناعة اتجاه واحد داخل الهرم الأعلى (إما جهوي أو سياسي)، وهو ما يؤدي بالتقادم إلى تخليق ما يُعرف بال"فلاتر" الرئاسية التي عادةً ما تنعكس على نحو سلبي في مجمل الأداءات والخطوات الرئاسية كنتاج لتغييب اتجاهات أخرى في الهرم الأعلى وعدم قدرة الرئيس على مطالعة كل ما يأتي إليه، إذ أن فلاتر الاتجاه الواحد عادة ما تمنحه القدرة على قراءة ومطالعة ما يتماشى مع رغباته ورغباتهم بموازاة حجب وتغييب ما لا يتوافق أو يتماشى مع تلك الرغبات.

يمكن لنظرية كهذه النجاح في إدارة مؤسسة شخصية أو دويلة صغيرة لا وجود فيها لأطياف وتيارات وتكوينات متناقضة ومتعارضة وأحياناً متناحرة فيما بينها، غير أن مسألة نجاحها في دولة ناضحة بشتّى صنوف التجاذب والتباين والاختلاف والصراع وغيرها من مترادفات اللا استقرار تبدو ضئيلة للغاية.

في مفاهيم انتقاء رجال الهرم الأعلى، ثمة اعتبارات أخرى تتصل بما يُسمى رجال السلم ورجال الحرب، فحين تكون الدولة في تموضع صراعي حاد ينبغي على الرجل الأول ألاّ ينصت لرجال السلم كثيراً إذ يتعين عليه أحياناً الاستماع ولو في الحدود الدنيا من رجال الحرب أيضاً، وحين تكون الدولة قد ولجت إلى خضم الحرب فعلاً يتعيّن على الرجل الأول أن لا ينصت إلى رجال الحرب كثيراً، بل يتعيّن عليه أيضاً منح هوامش من الانصات إلى رجال السلم، المسألة هنا تفترض ضرورة إحداث التوازن في الانصات والاستماع الرئاسي للمقرّبين، غير أن هذا الميزان يضطرب حين يتصف جميع رجال الهرم الأعلى بنعوت الضعف والخوف والخشية وغياب أي حضور لمفاهيم ذات صلة بالإقدام والشجاعة والحنكة، عندها ينعكس ذلك الضعف بطريقة لا إرادية على مجمل الأداءات والقرارات الرئاسية ليُقال حينها بطريقة انفعالية لا شعورية وقسمة تبدو في واقع الأمر ضيزى: رجال أبين جاءوا ليستمروا في الحكم ولم يأتوا لتحقيق تطلعات الجماهير.

حضور رغبات الرجل الأول كمفهوم بين لستة مفاهيم انتقاء رجال الهرم الأعلى يفترض ألاّ يطغى على المفاهيم الأخرى المتصلة بتموضعات الدولة داخلياً وخارجياً وتركيبة الخارطة السياسية والديمغرافية للبلاد.

فحين يتم الاكتفاء بمفهوم الرغبات فقط، يتشح طاقم الهرم الأعلى برداء موحّد ليبدو الأمر كما لو أنهم مجرد اتباع لإرضاء الرغبات فقط وليس لتحقيق أداءات أفضل وطباخة وصناعة انجازات ماثلة تنعكس -في المجمل- على الأداءات الرئاسية الكلية.

متفاعلات الاستمرار في الحكم
ثمة من يعتقد بأن الاستمرار في الحكم يستوجب مراضاة مراكز القوى بما يترتب على ذلك من مترادفات وأفعال الاستكانة والضعف وقلة الحيلة، معادلة كهذه لا يمكن لها أن تتسبب في إعطاء النواتج المرجّوة (الاستمرار في الحكم) إذ أن الرضا المزعوم من جانب بعض القوى الرئيسية –على الأداءات الرئاسية- لا يمكن أن يحقق هذا الناتج دون وجود متفاعلات أخرى في ميزان المعادلة الكيميائية.

يمكن هنا الحفاظ على المستويات الدّنيا من سياسات إرضاء تلك المراكز والقوى بموازاة التعاطي بصرامة في كل ماله علاقة بتحقيق تطلعات الجماهير، فحتى ولو كان ذلك التحقيق سيتطلب إغضاب البعض إلا أن تكتيك التعويض يمكن إحلاله كنهج سلوكي في التخفيف من وطأة ردود الفعل المترتبة على أي نهج رئاسي صارم لتحقيق تطلعات جماهير الشعب اليمني على اعتبار أن الاستمرار في الحكم يتطلب أيضاً تحقيق تلك التطلعات بدرجة رئيسية (متفاعلات أولى) مع تحقيق نسبة من الإرضاء لتلك القوى (متفاعلات ثانية) لتكون النواتج في ميزان المعادلة متوافقة إلى حد كبير مع رغبة البقاء والاستمرار في الحكم.

عندما يتمكن الرئيس من إلزام رجال الهرم الأعلى بعدم تأدية أدوار الفلاتر والالتزام بإطلاعه على كل ما يأتي إليه من عموم فئات وتكوينات وفصائل الشعب اليمني، يكون بذلك قد قطع شوطاً في اتجاه تحقيق جانب لافت من التطلّعات الشعبية، على أن مسألة اتخاذ القرار المناسب إزاء ما يأتي لا يمكن تحقيقها بالركون إلى عملية الانصات من رجال غير متصفين بمختلف النعوت والأوصاف.

مشكلة كثير من رجالات الحكم على مرّ التاريخ تتمثل في ندرة حضور نظرية المستشار الأمين، والأمانة هنا يقصد بها عدم مداهنة الرئيس وتلاوة ما يتماشى مع رغباته وأهوائه، وإذا كانت المثالب والسلبيات المترتّبة على غياب تلك النظرية في نظم حكم بائدة لم تكن لتتجلّى بفعل شمولية النظام الحاكم وتدنِّي أصوات التضاد مع سياساته ونهجه المهيمن، فإن بروز تلك المثالب والسلبيات يتجلّى في تلك الأنظمة التي تستعصي إدارتها بأسلوب شمولي مطلق، حيث تظهر إلى العلن معظم السلبيات وتنعكس في الحضور الجماهيري والشعبي للرجل الأول.

فحتى وإن كان المستشار السياسي للرئيس –لديه مستشارون من كل الأحزاب- هو الصانع والمتحمل الوحيد لوزر جانب من القرارات والسياسات الرئاسية فإن المثالب والتداعيات لا يمكن احتسابها عليه بل سيتم إلقاء اللائمة في الأوساط الجماهيرية على الرئيس باعتباره المُنفِذ (من الإنفاذ وليس التنفيذ) للقرار حتى وإن لم يكن هو صانعه.

على أن المعضلة الناجمة عن أخذ الرأي وإنفاذ المشورة تبدو بالاستناد إلى نظرية (قوة العقل الجمعي غالبة على الاكتفاء بالعقل الفردي) أقلّ سلبية من التداعيات السلبية المترتبة على المعضلة التي عادةً ما تنجم عن الاكتفاء بالعقل الفردي والاستغناء عن الاستزادة بالرأي والمشورة، فكما أنه ليس من الحكمة رسم إمضاءة الرئيس على قرارات لم تخضع لطائلة التدقيق الشخصي من جانب صاحب الإمضاءة، فليس من الحكمة أيضاً رسم تلك الإمضاءة على قرارات لم يتم تعزيز قوة مضمونها بآراء النصح والمشورة.

وماذا بعد
على اعتاب السنتين القادمتين، يبدو الرئيس شديد الاحتياج إلى إحداث مراجعة شاملة لمجمل الأداءات الرئاسية.

فحتى وإن كان الرئيس يعتقد بأن نظرية (الرئيس التوافقي) تشكِّل بالنسبة إليه تعليلاً كافياً يمنحه جانباً من الأعذار في مواجهة تطلعات الجماهير أو تبرير أي خيبات أمل شعبية، إلا أن ذلك الاعتقاد يبدو قاصراً، فالجماهير التي انتخبته أرادته أن يكون رئيساً للدولة ومحققاً لتطلعاتها ولم تشأ أن يكتفي بدور إدارة كعكة التوزيع بين مراكز القوى فقط.

في قائمة مفاضيل الاهتمام يتعيّن على الرئيس إحداث تعديلات تكفل رفع مستويات الاهتمام الرئاسي ببعض القضايا التي لم تكن بفعل تموضعات المرحلة الفائتة ذات أولوية بموازاة تقليل الاهتمام بتلك التي كانت تتصدّر قائمة الأجندة الرئاسية والأولويات.

فإذا كانت تموضعات التعقيد اللاحقة لما بعد التسوية قد استوجبت الانزواء الكُلي لإدارة مفاعيل التوازن بين أطراف اللعبة السياسية وتوزيع الغنائم وتحديد أحجام وأوزان المُحاصصة بين مختلف الأطراف، فإن تموضعات البناء التي يفترض أن تكون عنواناً للسنتين القادمتين تتطلب اعتناءً رئاسياً خاصاً بكل ما يمكن أن يعزز الحضور الشعبي والجماهيري لشخصية الرئيس لدى عامة الشعب، وهي في واقع الأمر غاية لا يمكن تحقيقها دون العبور إلا عبر جردة حساب للأخطاء والمثالب والمنزلقات بما يضمن تحسين الأداءات وتفاديها في المستقبل وكفى!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.