أراد أن ينهض من الفراش.. فقد كان يصرخ. قلت له: أرجوك يا ياسر اهدأ. ثم جلست على الأرض ووضعت يدي عليه. بينما كانت الدموع تنهمر من عينيه. لم يكن يعرفني وكان يبكي. قلت له لماذا تبكي؟ كان ينظر لكنه لم يكن يتحدث. وكانت الدموع تنهمر من عينيه. هكذا صورت سهى عرفات حال الراحل أبو عمار وهو يصارع الموت في مستشفى بيرسي. قبل أي حديث عن أسباب مقتله كانت عبارة "سمموه" تحتل العنوان الأبرز في صحيفة مصطفي بكري كمعارض مصري لم تظهر حينها علاقته بالعسكر على النحو المشاهد اليوم.
من القاهرة ورد أول تسريب صحفي عن تسميم عرفات ومنها جاء التأكيد الطبي الأول في الاتجاه ذاته، وعندما شرعت "الجزيرة" في تقصي أسباب الوفاة اقتضى التحقيق الحصول على إفادة الدكتور إبراهيم مصطفى، الطبيب الرئيسي ضمن الفريق الطبي المصري، كونه الوحيد الذي أخبر سهى عرفات عن اعتقاده أن أبا عمار مات مسموماً.
لم يكن مصطفى في مكتبه خلال الزيارة الأولى ولابد من مقابلته لأنه "مهم للغاية" برأي الصحفي كلايتون سويشر الذي ترأس فريق التحقيق ولخّص زيارته الثانية كالتالي "عندما عُدنا إليه دوّن اسمي وطلب منا المغادرة بسرعة، ثم اتصل بنا لاحقاً لبيان أن الجيش المصري طلب منه التزام الصمت حيال هذا الأمر".
لماذا جازف عسكر مصر بتوريط القاهرة في التستر على قتلة عرفات ووصم أم الدنيا بعار تاريخي متعلق بجريمة القرن التي أودت بحياة الرئيس الفلسطيني الأكثر تجرعاً لمرارة الانكشاف في مواجهة كيان سلبه كافة التنازلات وسلبه الحياة حين آمن بالمقاومة كبديل للمفاوضات الآيلة دوماً الى طريق مسدود؟ هل كان بعض كبار عسكر مصر على دراية بأهم تفاصيل الحكاية التي سُرِّبت للصحفي الأكثر مثابرة اليوم في كيل مبررات تحويلهم الى مقدسات بقوة القانون لاسيما أن الرواية التي نشرها المعارض العتيد يومها مصطفى بكري قد أوردت النتيجة التي خلص اليها تحقيق الجزيرة: "سمموه"، مع فارق أن رواية صحيفة بكري جاءت بمثابة جرعة من الإذلال تجسد سطوة الكيان الاسرائيلي دون دليل ملموس يجرمه على عكس تحقيق "الجزيرة" التي أصبح بكري يصف كل من يعمل فيها بالشيطان، حيث أثبتت "سمموه" بالأدلة المادية.
هل هؤلاء النفر من عسكر مصر هم الانقلابيون الذين ينالون اليوم من مكانة بلدهم؟ وهل هؤلاء الذين أحكموا السيطرة على المؤسسة العسكرية ومارسوا سلوك العصابات في التعاطي مع الرموز السياسية المنتخبة بوحشية تستهدف إذلال شعب مصر على ارتباط مسبق بمافيا السياسة الدولية المتورطة في مقتل عرفات؟ تل أبيب هي المستفيد الأول من قتل عرفات بالبولونيوم 210 كون هذه الجريمة المنافية لكل الاعتبارات الإنسانية والقانونية والسياسية تحقق رغبتها في إذلال الفلسطينيين وقياداتهم لاسيما المتخوفة من مصير مماثل لمصير أبي عمار، أما عسكر مصر الذين نجحوا في كتم شهادة صاحبهم فربما توحي مشاركتهم في التستر على القتلة بمدى انغماسهم المشين في عالم المصالح غير المشروعة التي يتحكم قتلة عرفات بأداء المتورطين في شبكاتها حول العالم.
أول معركة للانقلابيين لصالح اسرائيل كانت في مواجهة بلدهم التي أطاحوا بمكانتها المعتبرة على الصعيد الدولي بالتوازي مع معركة أخرى في مواجهة غزة! شركة علاقات عامة يديرها خبراء اسرائيليون يحملون جنسية الكيان القاتل تعمل لصالح تحسين صورة سلطة الانقلاب لدى الرأي العام الأمريكي! أول محطة لعباس عقب نشر تقرير الفريق السويسري كانت القاهرة ليلتقي السيسي! تقرير الفريق الروسي خلص الى وجود البولونيوم 210 والرصاص في رفات عرفات تمهيداً لتصفية القضية باعتبار البولنيوم الموجود في رفاته من النوع الطبيعي الناتج عن تحلل الرصاص! علاقة القاهرة بموسكو أبرز منتجي البولونيوم 210 ترتفع بوتيرة غير مسبوقة مع العلم أن ثاني ضحاياه كان الكسندر ليتفننكو الجاسوس الروسي المنشق وأبرز معارضي بوتن! تقرير الفريق الفرنسي جاء ليستبعد فرضية تسمم عرفات!.
مؤخراً زيارة مرسي ممنوعة طوال يناير الجاري من أي كان بالتزامن مع نشر إعلام الانقلابيين أنباء مفبركة عن مخاوف لدى مرسي من إقدام الإخوان على تصفيته حفاظاً على أسرار الجماعة! أعتقد أن المعطيات السابقة التي تكشف عن سطوة المافيا التي قتلت عرفات على العالم وقدرتها على تصفية جريمة القرن وتحصين القتلة من العقاب توحي بأن مخططاً في كواليس المافيا العابرة للقارات يستهدف حياة الرئيس المصري المعزول محمد مرسي عبر إغراء الراغبين في التخلص منه بإمكانية تصفية القضية على طريقة تصفية جريمة مقتل عرفات، لاسيما وقد تحولت المطالب الشعبية المنادية بعودة أول رئيس منتخب في تاريخ مصر الى كابوس يؤرق الانقلابيين وحلفاءهم في اطار الصراع الكوني المحتدم بين الشعوب والمافيا الدولية الراغبة في الإطاحة بمحاولات الخلاص آملة في مواصلة تحكمها بمصائر الناس.