تعد الآثار بمكانتها الحضارية ومدلولها الإنساني ثروة قومية لها من الأبعاد النفعية الاقتصادية والسياحية ما يمكن أي بلد من البلدان من معرفة ماضيه واستثمار حاضره وتأمين مستقبله، لذا تضل هذه الثروة محل اهتمام ورعاية الحكومات ومجتمعاتها. وإذا ما نظرنا إلى واقع وحال ثروتنا التاريخية وتراثنا الحضاري، نجد أنها قد تأثرت تأثراً سلبياً جرى سياسة فساد النظام السابق. كون تلك السياسة قد غضة الطرف عن نهب الآثار، بل وتخلت عن واجبها الوطني في حمايتها فضلاً عن أن سرقتها والمتاجرة بها قد تمت ولا تزال على أيادي كبار مسؤولين عسكريين ومدنيين . لقد خسرت اليمن ولا تزال أغلى ما تملكه من التحف الأثرية والمخطوطات النادرة التي كان بالإمكان أن ترفع رصيد العملة الوطنية أو تعالج الخلل الاقتصادي الذي بدوره سينعكس إيجابا على إيجاد فرص عمل للعاطلين وسيجعل البلد محل اطمئنان لتوجه الاستثمار السياحي , لو أننا حافظنا عليها وحرّزنا مواقعها واستثمرناها في المتاحف والمعارض التاريخية كما تفعل الحكومات والشعوب.
إن ما يتم بيعه من المواقع الأثرية (العصيبية والشاهد والقطن في مديرية السدة) من قطع أثرية وتحف نادرة ومجسمات خيالية مصنوعة من البرنز والذهب، يعد جريمة وخيانة وطنية لما لهذه الآثار من قيمة تاريخية ولما لها من خاصية فريدة تجسد حرفية ومهارة من صنعوها وأتقنوا أشكالها الهندسية التي أن دلت على شيء فإنما تدل على أن الحميريين قد وصولوا إلى درجة عالية من التقدم .
إذا كانت الأنظمة السياسية والحكومات في القرن الحادي والعشرين توثق برتوكولات الاحتفالات الرسمية وكافة النشاطات اليومية معتمدة على وسائل الإعلام وتطور تكنولوجيا الاتصال من قنوات فضائية وكاميرات رقمية وغيرها، فإن من يشاهد القطع الأثرية الحميرية يجد أن الحميريين قد سبقوا حضارة اليوم حين وثقوا كل نشاطهم السياسي والزراعي بالنحت على الأحجار وصمموا رسومات بالغة الدقة لكافة أعمالهم .
وحتى لا أتهم بالمبالغة. نؤكد بأن هناك العديد من القطع الأثرية ذات تصميم هندسي دقيق وذات تماهي مطلق في الهوية بين القطع المنحوتة وبين الصور الحية , من ينظر إليها لا يكاد يصدق أنها قطعاً أثرية صمدت ألاف السنين بين الخراب والدمار، حين يشاهدها وهى متمسكة بجمالها وروعتها وكأن الحياة قد دبة فيها من جديد .
إن استمرار العبث بآثار هذه المنطقة وعدم تجاوب جهات الاختصاص، يمثل تجاوزاً لمفاهيم الوطنية الحضارية وسرقة للهوية، بل واستمرارا لسياسة استعمارية قديمة نهبت ثروة اليمن.
فلقد توالت على الحضارة اليمنية قوى استعمارية (الحبشية و العثمانية والبريطانية) واليوم تطل علينا مافيا الآثار من أمراء النفط جماعات الخليج الذين لم يكتفوا بسرقة أرضنا وأحلامنا وتطلعاتنا وحتى أغانينا وألحاننا في ظل مجتمع مستباح ووجود مليشيات النافذين وتقسيمات إدارية ممثلة بأشخاص حضروا بأسمائهم ومسمياتهم الوظيفية (مدير المديرية ومحافظ المحافظة) ،وغابوا وغاب معهم شعور الإحساس بالمسؤولية الوطنية، كل هذا جعل الوطن والمواطن عرضة للانتهاك .
يبقى أن نشير إلى أن الجهات الرسمية قد تخلت عن حماية آثار المنطقة. فهل نجد من يحميها من المنظمات العالمية المعنية، أم إننا ننتظر أن تحل لعنت الموتى على محافظ إب كما حلت لعنت الفراعنة على بعض علماء الآثار الغربيين. لهذا لابد من إصدار القوانين والتشريعات التي تحفظ ما بقى للآثار من حرمة، ولابد من إيجاد وعي مجتمعي يتحمل كلاً في نطاق اختصاصه، ولابد من الكشف عن هوية المتاجرين بالآثار وضبطهم ومصادرة ممتلكاتهم ومعرفة ما تم بيعه .