[1] سوف نبدأ من اليوم استعراض آراء الحوثيين القدامى والجُدد تجاد عقيدة اليمنيين، ومنهم الجنوبيون بالضرورة، في مسائل معروفة في تاريخ الخلافات العقائدية بين الفرق الإسلامية، أبرزها: [الإمامة.. وصفات الله تعالى، ووعده ووعيده، الجبر والاختيار أو العدل - كما يصفونه-، والموقف من الصحابة وما جرى بينهم، والموقف من آل البيت النبوي، وعلماء السنة ومحدثيهم ومذهبهم بشكل عام].. فمن خلال معرفة مواقف الحوثيين في هذه المسائل سوف نعرف مواقفهم الحقيقية التي أثبتوها في كتبهم ورسائلهم القديمة والحديثة تجاه أهل السنة أو الأشاعرة/ الأشعرية في اليمن الذين كان الجنوبيون وما يزالون يمثلون جزءاً مهماً منهم، فها هي الطريقة السليمة لكشف الحقائق وليس الألاعيب الإعلامية عن موقف هذه الفئة تجاه اليمنيينوالجنوبيين! [2] في تبريرات الحوثيين القدامى لمجيء مؤسس مذهبهم من جبل "الرس" في المدينةالمنورة؛ سوف نجد أنهم يقدمون الأمر بأنه إعادة إدخال اليمن واليمنيين إلى الإسلام بعد فترة كانت الأمة الإسلامية فيها تعيش في ضلال وكفر، وعداء وحسد لآل البيت النبوي، وسلبهم حقهم في الخلافة أو الإمامة التي حصلوا عليها بنص إلهي. وفي سيرة الهادي يحيى بن الحسين الموثّقة من الحوثيين الدليل على كيف كانوا ينظرون إلى اليمن واليمنيين والجنوبيين معهم؛ إذ يورد مؤلف السيرة علي بن محمد عبيد الله العباسي العلوي الموصوف ب"ابن عم الهادي وصاحبه" هذه الأحكام القاطعة الواضحة في حق اليمنيين. ونماذج من ذلك ما ورد عند التمهيد لظهور الهادي في اليمن؛ الذي يبدأ من حشد الآيات القرآنية التي نزلت في الأنبياء وتنزيلها عليه، وتنتهي بالروايات المنسوبة للرسول - صلى الله عليه وسلم - والإمام علي عن الجهاد في سبيل الله، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وحق آل البيت بالخلافة المُوصى به من الله تعالى الذي اغتصب منهم.. الخ، حتى يصل الأمر إلى وصف الأمة الإسلامية بالكفر لأنها [خالفت نبيها في ذلك حسداً لأهل بيت نبيها، فقدموا غيرهم وأمّروهم عليهم، وطلبوا العلم من سواهم، واتبعوا أهواءهم.. وكفروا بربهم، ونقضوا كتاب الله خالقهم، فقالوا في دينهم بالتقليد والهوى خلافاً لله ولرسوله وحسداً لأهل بيت النبوة] ص27.. ولاحظوا فقط كلمات مثل: كفروا بربهم ونقضوا كتاب الله خالقهم حتى تتضح حقيقة موقفهم من عامة المسلمين، بمن فيهم اليمنيونوالجنوبيون منهم بالضرورة، الذين لم يطلبوا منهم العلم، ورضوا بخلافة الصديق والفاروق وذي النورين! وكقول مؤلف سيرة الهادي عن أبيه ص 40 [ما كُنا ننزل منزلاً إلا خرج يحيى بن الحسين حتى يتنزح منّا ساعة ثم يبكي وينتحب كما تنتحب المرأة الثكلى على الإسلام وعلى الأمة الضالة المضلة!!] كما أورد أبياتاً تكفيرية لابن عقيب الشاعر (ص31-32) منها: عدا قوم على ملك وكان الله قد شده ولا بد لأهل البيت أن يسترجعوا عقده إذا ما خرج الهاد ي بعد البأس والشدة ليلقى أمة حادت عن الإسلام مرتدة(!!) [3] وفي مواطن عديدة أخرى من الكتاب سوف نجد في صفحات التاريخ الهادوي إشارات واضحة على أن الهادي كان يعد نفسه وأنصاره هم المسلمين وخصومه شيئاً آخر.. أو كما أورد كاتب سيرته: - [سمعته يوما يقول: والله ما دعوتنا هذه إلا دعوة محمد - صلى الله عليه وسلم- مثلاً بمثل.. حتى يقول: ما يمنع أهل الأموال من القيام معنا إذا أخذنا ما يجب عليهم، وما يمنع الفقراء من القيام معنا إذا لم نستأثر بشيء من الأموال دونهم؟ والله ما يمنعهم من ذلك إلا ما منع من كان قبلهم من القيام مع رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم- .. وما يمنعهم إلا أن دعوتنا مثل دعوة محمد - صلى الله عليه وآله وسلم-!!]. - [وسمعته مرّة يقول: والله ما أعلم اليوم راية مثل راية بدر إلا رايتنا!]. - [والله لأن ثني لي الوساد، واستوت لي البلاد ليعبدنّ الله حقاً حقاً.. ولأظهرنّ دين محمد عليه وعلى آله السلام على الاستواء!). - ووصف مؤلف سيرته أتباع الهادي وخصومه في موقعة وصفاً يستحق التأمل: [واقتتلوا حتى وقع بينهم قتلى فقتل من المسلمين(!!) رجل من همدان من العهرا – من أتباع الهادي- وقتل من أصحاب الدعام رجل..) (10).. وفي إحدى الوقائع كان رجل يرجم الهادي بالحجارة فقال لرجل من أصحابه: خذ هذا السهم فارمِ به هذا الكافر!! [4] يتحدث كثير من الهادوية على أن دخول الهادي إلى اليمن كان بمثابة إدخال اليمنيين إلى الإسلام أو إعادتهم للإسلام الصحيح(!) أو كما اشتهر عن القاضي أحمد بن صالح أبو الرجال قوله: [نعمتان في الإسلام – أي على اليمن واليمنيين والجنوبيين منهم- الأولى الإمام الهادي الذي أنقذهم من المذهب الباطني والجبر والتشبيه، والثانية: القاضي جعفر الذي أنقذهم من مذهب التطريف].. والجبر والتشبيه هما التهمتان اللتان يرمي الحوثيون بهما معظم اليمنيين من حضرموت حتى غرب اليمن، وتجعلهم في ميزانهم: كفار تأويل! وفي كتاب "الرياض المستطابة" ليحيى بن أبي بكر العامري يتكرر الوصف نفسه؛ بل أشد نكيراً: [جاء إلى اليمن وقد عمّ بها مذهب القرامطة والباطنية فجاهدهم جهاداً شديداً]، والكلام غير صحيح فلم يكن القرامطة وقت مجيء الهادي قد بسطوا سيطرتهم على اليمن ولا عمّ مذهبهم أرضها، ولم يبدأ علي بن الفضل القرمطي مسيرة توسيع دولته إلا بعد ستة أعوام من مجيء الهادي.. ودلالة هذا التعميم الحوثي عن انتشار مذهب القرامطة الكفار أو الملحدين في اليمن (!) يُفهم من حقيقة أن الأئمة كفروا القرامطة تكفيراً حاسماً، وأباحوا دماءهم وأموالهم وأعراضهم.. والمفاجأة الآن أن دعوة علي بن الفضل اليافعي (فهو من يافع) الإلحادية في نظر الأئمة كان معقلها الجغرافي ومخزونها البشري مناطق جنوباليمن، وبالتحديد: يافع وعدنأبين، قبل أن تبدأ في التوسّع باتجاه الجند، وما يُعرف الآن بتعز والحديدة وصولاً إلى صنعاء وما بعدها! [5] وفي بعض المؤلفات الحديثة سوف نجد الحكم نفسه؛ أن الهادي يحيى بن الحسين جاء إلى اليمن هو [منقذ اليمن من الضلال!!] على حد رأي الشيخ عبد الواسع الواسعي صحاب تاريخ اليمن المسمّى: فرجة الهموم والحزن في حوادث وتاريخ اليمن.. الغريب أن القارئ للكتاب يُصاب بالكآبة ممّا في تاريخ اليمن رغم أن اسمه: فرجة الهموم والحزن! وفي كتاب "التحف شرح الزلف" لمجد الدين المؤيدي، يُوصف مجيء الهادي إلى اليمن ب[أقام الله به الدين في أرض اليمن(!!) وأحيا به رسوم الفرائض والسنن(!!) فجدد أحكام خاتم النبيين وآثار سيد الوصيين!].. ويوضّح أكثر ما المقصود في كتابه: الفوائد، القسم الأول ص 181 عندما يصف الهادي قائلاً: [المطهر لليمن الميمون من أرجاس الملحدين (!!) والمفسدين أمير المؤمنين الهادي إلى الحق المبين يحيى بن الحسين!]. [6] يؤكد الأستاذ محمد محمود الزبيري في كتابه "خطر الإمامة على وحدة اليمن" أن الأئمة كانوا يعدون المناطق الجنوبية التي كانت مستقرة تحت حكم الأتراك وكانت لا تدين بمذهبهم بأنهم: "كفار تأويل"، وأهمية شهادته هذه أن الزبيري من أبناء المناطق التي وصفها هو نفسه في قصيدة بأن "صخورها تتشيع للإمام"، فهي شهادة خبير يعرف ماذا يدور في أذهان الحوثيين في زمانه، وكيف يحكمون على عقيدة الآخرين في المناطق الأخرى من اليمن! أما المناطق اليمنية الأخرى التي كانت تحت حكم الإنجليز (أي ما يعرف الآن بجنوباليمن) فيمكن معرفة حكم الأئمة تجاهها بموقفهم ممن كان يذهب إلى العمل في عدن من المناطق المجاورة لها.. فقد كانوا يوصفون بأنهم "إخوان النصارى".. وعلى هذا الأساس فيمكن استنتاج ماذا كان يُوصف اليمنيونالجنوبيون الذين كانوا يعيشون في ظل الحكم البريطاني لجنوباليمن؟ [6] هذه خلاصة موقف الحوثيين القدامى والجُدد بشأن عقيدة اليمنيين بشكل عام، والجنوبيين بشكل خاص.. والتركيز على الجنوبيين هنا مهم؛ لأنه من غير المعقول أن هذا الموقف العقائدي الحاسم كان المقصود به فقط اليمنيون في الشطر الشمالي من اليمن! أو سكان "ج. ع. ي"! أو اليمنيون فقط على الجانب الشمالي للحدود الشطرية السابقة على الوحدة السلمية الديمقراطية قبل حرب 1994، أو هو حكم يستثني اليمنيين الذين كانوا يعيشون في المساحة التي كانت تحتها بريطانيا، أو عاشوا في ظل جمهورية اليمن الديمقراطية أو جنوباليمن الذين يتباكى عليهم اليوم الحوثة الجُدد بأنهم تعرضوا لتكفير من قبل الإصلاحيين في حرب 1994 وعجزوا كغيرهم عن إظهار دليل واحد على هذه الفتوى التي تكِّفر الجنوب والجنوبيين، كما هو بالنسبة لفتاوى تكفيرهم القديمة والجديدة لكل اليمنيين ممن هم على غير مذهبهم! وفي الأسبوع القادم سوف نستعرض تفاصيل نماذج صريحة عن تكفير الحوثيين بدءاً من الهادي وحتى آخرهم لعقيدة اليمنيينوالجنوبيين خاصة، ومن كُتبهم ورسائلهم.