سنوات وسنوات نلوك ما ألقته السنوات خلف آكام الوهاد الذاوية، نحاور ونناور، نتفاوض ونناقش، نستصبح بوهم آمال أو آمال وهم.. حتى غدا الحوار من أجل الحوار والكلام لذات الكلام! رغم آلاف الأميال التي قطعناها إلا أننا لا نزال في الخطوة الأولى، نهارنا صار "عروسا من الزنج" تنقصها قلائد الجمان في صورة "معرية" كأننا المعنيون بها منذ زمن!
منذ عقود من الزمن لم نتجاوز "منعطفاتنا" التاريخية التي قطعت منا أكثر ما قطعنا نحن منها، ولا يزال الحبل على الجرار، بين كل حرب وحرب حرب ثالثة، وبين كل أزمة وأزمة أزمة أخرى أثقلت كاهل الأجيال التي ولدت فقط لتشقى وتعاني وكأن البؤس هو قدرها المحتوم أو لكأنها "جان فالجان" البئيس بطل "البؤساء" لفكتور هيجو، متجرعة صاب التاريخ وعلقم الجغرافيا!
يالله، أي باب ثالث دخلته صنعاء الآن؟! ما الذي ينتظرها؟ أصحيح ما يجري من همجية اليوم بعد كل الذي كان من الأحلام بالأمس؟ "لا انتهى المسعى ولا الساعي نجح"؟!
هكذا رأى عراف الحرف وكاهن المعنى منذ عقود، وهكذا أصبحت صنعاء قصيدة مقروءة، نظم أحرفها "الفوهرر" على طريقته الخاصة في "القريض" كما لو كان "جلجامش" لتنقرض بذلك أحلام اليمنيين الذاوية بعد أن ثوت طويلا ترقب صبحها الآتي من بين أهلتها المتبازغة زمنا..
آه يا صنعاء استهدفت قلبك الطهور الرصاصة قبل الوردة! وعلى وجنتيك سبقت شحوب اليأس تقاسيم البسمة! وفي سمائك استأثرت الصقور برزق الحمائم، غلبت على حياتك "المثالب السبع" عند غاندي، أهذا هو الباب الثالث؟!
آه يا صنعاء.. لم نميز الأعور إلا بعد أن استيقظ من منامه! لم نعرف الأعرج إلا بعد أن نهض من جلوسه! لم نعرف الأخرس إلا بعد أن حاول الكلام! غررنا طويلا بطير الأوز.. يعرف السباحة لكن ليس كمثل السمكة، ويعرف الطيران لكن لا كالطيور! ألم يقولوا: أضاع الناس نصف متعلم ونصف طبيب!
صنعاء.. كأني بك فاتنة عضها الدهر يوما فخرجت من قصر السلطان تلهث في ضحوة يوم ربيعي تندب حظها العاثر، وقد انكشفت لها خدعة مسيلمة لبني تميم، أو لكأنها تاهت خلف "برمودا" تبحث عن بقايا حلم بين زحام الفوضى..
صنعاء.. هذا الحال، وتلك النبوءة الضافية في يوم ما نظمها شعرا الراحل عبد الله البردوني: يا (علي) انظر، ألاح المنتهى لا انتهى المسعى ولا الساعي نجح لم نعد نهنأ، ولا نأسى، ذوت خضرة الأنس، خبت نار الترح أو خبا الحس الذي كنا به نطعم الحزن ونشتم المرح لم يعد شيء كما نألفه فعلام الحزن؟ أو فيم الفرح؟ دخلت (صنعاء) بابا ثانيا ليتها تدري إلى أين افتتح