قد تبدو سلسلة الاعتصامات الشعبية التي دعا إليها المشترك في عموم المحافظات في إبريل الغضب والتي بدأها باعتصام لأمانة العاصمة ومحافظة صنعاء بملعب الظرافي والمسيرة الجماهيرية الحاشدة بمحافظة تعز الخميس الماضي للتنديد بسياسات التجويع والقمع التي تنتهجها السلطة كما هو معلن.. إلا أنها في حقيقة الأمر تبدو أكبر من ذلك وتؤسس لمرحلة جديدة في علاقة السلطة والمعارضة التي بدأت تتمرن لها بالفعل منذ مارس الماضي ب"الاعتصامات" التي نفذتها في العاصمة وتعز والحديدة وإب والجوف والبيضاء ضد الحملة العسكرية التي حركتها السلطة في المحافظات الجنوبية.
ويبدو واضحا أن المشترك بات يدرك أنه لا يعول كثيرا على الحوارات مع السلطة ما لم تسند بتحرك شعبي يبدأ التمرن عليه من الآن، فالحوارات والرسائل الأخيرة التي تبادلها المشترك مع المؤتمر وصلت إلى طريق مسدود بإعلان كل طرف لمسودة مختلفة لمحضر الاتفاق لتنفيذ إتفاق فبراير..
في حقيقة الأمر لكل طرف هدف وغاية مختلفة عما لدى الأخر لتنفيذ إتفاق فبراير تكشف عنه رسائل كل منهما، فالمؤتمر يريد حوارا يوصله للدخول في الإنتخابات البرلمانية القادمة في إبريل 2011م القادم قبل التوصل لإصلاحات سياسية ودستورية كما هو منصوص عليها في الاتفاق، فيما يريد المشترك من موعد الانتخابات ضاغطا رئيسيا للتوصل لتلك الإصلاحات قبل الدخول في الإنتخابات.
وقياسا على أداء المؤتمر الراهن الذي لا يبدو جديا في التوصل لآلية مرضية لجميع الأطراف لتنفيذ إتفاق فبراير لا يستبعد أن يقدم على تنفيذ الاتفاق والدخول في الانتخابات بشكل منفرد.. فالمؤتمر قد هدد بذلك بالفعل في المؤتمر الصحفي الذي عقده الدكتور عبدالكريم الأرياني مع قيادات حزبه في فبراير الماضي حيث قال " إن الدولة ومؤسساتها معنية وملزمة بتنفيذ اتفاق فبراير وانجاز التعديلات المطلوبة وتنفيذ الانتخابات البرلمانية في وقتها في وجود المشترك أو في غيابه، وهو الأمر الذي كرره صادق أمين أبو راس وسلطان البركاني في ذات المؤتمر، والأخير يعبر دائما عن رغبة حقيقية لدى الكثير من القيادات المؤتمرية في تنفيذ الاتفاق بذلك الشكل.
وهو ما أفصح عنه رئيس الجمهورية صراحة في كلمته أمام الأكاديمية العسكرية في مارس الماضي حين قال أن إتفاق فبراير كان خطأ لن يتكرر وأن الإنتخابات القادمة ستنفذ بمن حضر، في رده على دعوة المشترك للاعتصام ضد الحملة العسكرية التي حركتها السلطة في المحافظات الجنوبية.
قالت قيادات مشتركية إنها تأخذ ذلك على محمل الجد، كأحد الخيارات التي قد تقدم عليها السلطة في حال قدوم موعد الإنتخابات قبل التوصل لاتفاق على آلية لتنفيذ إتفاق فبراير، أو التوصل إليها في وقت قريب من موعد الإنتخابات لا يسمح بالتوصل إلى إتفاق على الإصلاحات السياسية والدستورية المطلوبة، ووضع المشترك أمام ذلك كأمر واقع..
قانونيا يبدأ الشروع في الانتخابات قبل ثمانية أشهر من موعد يوم الاقتراع، بستة أشهر قبل دعوة الرئيس للانتخابات لفترة القيد والتسجيل، ودعوة الرئيس قبل شهرين من موعد الاقتراع، وبحسبة ذلك زمنيا سيبدأ الشروع الفعلي في التحضير للانتخابات في سبتمبر من العام الحالي، وبذلك لم يتبق أمام الفرقاء السياسيين لتنفيذ اتفاق فبراير قبل موعد الإنتخابات غير أربعة أشهر فقط، هي للاتفاق على آلية الدخول في الحوار، والاتفاق في الحوار أيضا على الإصلاحات السياسية والدستورية والانتخابية المطلوبة بحسب إتفاق فبراير.
إذا كان الاتفاق على الآلية منذ التوقيع على الاتفاق في فبراير 2009م استغرق حتى الآن خمسة عشر شهرا دون أن ينجز شيئ حتى الآن، فالأربعة الأشهر المتبقية لا تبدو كافية للاتفاق على الآلية والاتفاق في الحوار أيضا.. ولذلك يبدو مستبعدا تماما أن يحل موعد الانتخابات والسلطة والمعارضة في إتفاق.
ولذلك تبدو الخيارات المنفردة الأكثر احتمالا.. فإما أن تقدم السلطة على تنفيذ شكلي لاتفاق فبراير و الدخول في الانتخابات بشكل منفرد، أو تعمد إلى تمديد آخر للبرلمان بأغلبيتها فقط، أو تنتهي الشرعية البرلمانية و تبرر استمرارية شرعية حكمها بالشرعية الرئاسية إلى 2013م، أو تنهي شرعية المؤسسات الدستورية وتعلق الدستور وتعلن حالة الطوارئ.
وأي من الخيارات السابقة لا يقل خطورة عن الأخر على الحياة السياسية وعلى المشترك كممثل للمعارضة في البلد، ولمواجهتها تحتاج المعارضة لتحرك شعبي مدروس ومتصاعد، وهو ما يبدو أنها بدأت تفعله بالفعل.
فسلسة الاعتصامات التي أعلن عنها المشترك وبدأ في تنفيذها بشكل مدروس ومخطط له في فبراير الماضي والخميس الماضي بالاعتصام الرمزي في ملعب الظرافي بحضور قيادات المشترك واللجنة التحضيرية، وترك البدء في الحشود الكبيرة لمحافظة تعز ذات التاريخ الحافل في التحركات الشعبية، دلالة واضحة على أن هذه الاعتصامات ليست إلا بروفات تمرينيه لتحركات أكبر..
قد تطمئن السلطة لحصر قيادات المعارضة الكبيرة في السن لنفسها ولجماهيرها بالعاصمة في ملعب الظرافي ولرمزية الاعتصامات في المحافظات الأخرى باستثناء تعز، إلا أن تلك القيادات الشائبة بالفعل والتي لم تتعود على ممارسات شعبية حقيقية من قبل، قد تجد في ذلك تمرينا حقيقيا لها، واختبارا لمدى قوتها وشعبيتها الذي يمكنها من اتخاذ قرارات صعبة على شكل تحركات شعبية أكبر وأعنف تتطلب منها أن تكون في المقدمة، فما تفعله السلطة ومراوغتها في قضيا الحوار والإصلاحات لم يترك لقيادات المعارضة خيارات أخرى فإما أن تتحرك شعبيا أو تعلن استسلامها الأخير وتعلن عن وفاتها رسميا..
في حين تبدو لافتة الإصلاحات الاقتصادية والتنديد بالقمع في المحافظات الجنوبية لافتة مغرية لدعوة الجماهير للتحرك الشعبي وقد ارتكبت الحكومة خطأ تكتيكيا بقصد بالإعلان عن رفع أسعار 75 سلعة وبدون قصد في تدهور العملة الوطنية، وهو ما أعطى المعارضة ميزة إضافية لدعوتها للتحرك الشعبي تستطيع من خلاله الضغط لمطالبها السياسية أيضا..
فالبيانات الصادرة عن الاعتصامات الأخيرة لم تقتصر على التنديد بالسياسيات الإقتصادية للحكومة والتنديد بالقمع في المحافظات فقط، ودخلتها جمل عن الإصلاحات السياسية والحوار الوطني الشامل.
وستجد في البيان الصادر عن المشترك في اعتصام العاصمة ومحافظة مطالب سياسية راهنة إضافة إلى المطالب الاقتصادية المرغوبة شعبيا.. في حين يدعو البيان الحكومة إلى الوفاء بالتزاماتها ووعودها المعلنة للشعب بالقضاء على الفقر والبطالة والأمية ومكافحة الفساد ومحاكمة الفاسدين وتحسين مستوى الحياة المعيشية للناس وإيقاف الجرع السعرية القاتلة وحل مشاكل الكهرباء والماء والغاز والتعليم والصحة ورفع الأجور والمرتبات لكافة موظفي الدولة المدنيين والعسكريين، والاهتمام بشريحة الشباب باعتبارهم حاضر اليمن ومستقبله وتوفير فرص العمل للخريجين وتحفيزهم على المشاركة الفاعلة في تعزيز الوحدة الوطنية والتنمية، والاهتمام بمطالب المعلمين وهيئة التدريس بالجامعات، كمطالب اقتصادية ومعيشية.
يقدم مطالب سياسية راهنة لدى المشترك كالدعوة إلى وقف كافة الانتهاكات القمعية اليومية للناشطين السياسيين والحقوقيين والحراك السلمي في المحافظات الجنوبية ،ورفع المظاهر العسكرية الاستثنائية وحالة الطوارئ غير المعلنة وإيقاف الحصار العسكري المضروب على العديد من مدن وقرى وطرقات محافظتي الضالع ولحج .
ومطلب سياسي استباقي يستهدف الرئيس مباشرة كمطلب إيقاف أي تعديل دستوري يعزز من سلطة الفرد والاستبداد أو ينتقص من الحقوق والحريات أو يلتف على التعددية السياسية والتداول السلمي للسلطة ،إضافة إلى المطلب المرفوع دائما المتمثل في الدخول في حوار وطني شامل وصادق مع كل الأطراف المعنية في داخل وخارج البلاد ، ومناقشة كل قضايا ومشاكل البلاد بشفافية وصدق للخروج بحلول وطنية شاملة ودائمة .
ولا تخفي قيادات المعارضة صراحة تلك المطالب السياسية في كلماتها التي ألقيت في الاعتصامات، حيث أكد رئيس اللجنة التحضيرية للحوار الوطني محمد سالم باسندوة في أمام المعتصمين في ملعب الظرافي بأمانة العاصمة، الذي يعد حضوره بحد ذاته رسالة سياسية واضحة، أن الاعتصام يأتي ضمن برنامج تصعيدي لوسائل النضال السلمي من أجل تحقيق التغيير المنشود على مستوى الساحة الوطنية.. وبصراحة دعا باسندوة من وصفهم بالغيورين على الوطن إلى العمل من أجل العمل على التغيير الجذري بشكل سريع قبل أن تحل الكارثة.
لا يمكن إغفال العلاقة بين الاعتصامات التي نفذها المشترك وبين الأداء السياسي الراهن مع السلطة في قضايا الحوار والإصلاحات والانتخابات القادمة، وربما تجد قيادات المشترك نفسها مطالبة بالخروج من مدرجات الظرافي إلى الشارع مدفوعة بمطالب جماهيرها وبأداء السلطة التي يبدو واضحا أن سنوات من الحوار معها لم تكن مجدية.. فهل سيتطور الأمر لنشهد عبدالوهاب الآنسي وياسين نعمان وعبدالوهاب محمود وسلطان العتواني والرباعي وحسن زيد في الشارع يتصادمون مع الأمن ويزج بهم في السجون أيضا؟!