وقف ( الهدهد ) على مسافة ليست بعيدة من سليمان ( عليه السلام ) أعظم ملوك الأرض ، وخاطبه بلهجة تبدو صارمة ، لا يداخلها انكسار أو انتكاس ، لم تظهر أي علامة من علامات الذل أثناء حديثه ، كما أنه تناول القضية نفسها ، وقصد عدم إهدار الوقت لدرء الباطل،أوضح القضية بخلاصة منه وإيجاز ، وكان منطقه هو الخبر ذاته ، ولم يكن بوسع سليمان (عليه السلام ) ، إلاً أن يحيل الأمر إلى التأكد بعناية من الخبر الذي ورد من لدنه ، رغم اعتزامه قبل ذلك بمعاقبته لتغيبه عن الجيش الذي احتشد له طيور ووحوش ومخلوقات من العالم الآخر ، ولم يشفع له احد أبناء جنسه كالطاووس مثلاً ! ، بل شفع له تقصيه للحقائق ورجوح المصلحة العامة في ظاهر حديثه، فتقديمه و تفضيله لعنوان القضية عن أي أعذار أخرى أعفاه من سوء النية. للحديث صلة وثيقة بكوارث الحرية المتعاقبة في السقوط في العالم العربي ، فكمية الشروط المتوافرة ، للمثول أمام صانعي القرار ، المتمركزون في السلطة ، تشعرك بأنك بحاجة إلى توخي الحذر أثناء تقصي الحقائق ، فالصحافة الرسمية في العالم العربي عموماً ، تقر احترام لا محدود لصانعي القرار بالأخص ، و تبيح التغني بالواجبات المفروضة ، بطريقه تشعرك بأننا في المقدمة بين الشعوب ، كما أنك في الأول والأخير ملزم بالصبر ، و تجنب الكتابة في الحالات الغير طبيعية على حد تعبيرهم ، كحالات التأثر الشديد لواقع الحال ، أو بعد استماعك لخطبة مؤثرة لخطيب قرر أخيرا أن يستخدم ضميره بدل رزمة الأوراق التي وزعت عليه لتعزيز ( الولاء الوطني ) لدى الشعب ، أو في حالة وجودك شاهد عيان لاغتصاب الحقوق . بمعنى آخر منهجية الصحف الرسمية، ستكون خط سير إجباري و رئيسي للإعلام الخاص والمستقل والفكر الموازي للحكومة ، فالأحرى على حسب تلميحاتهم ألا يمتلك منابر للناس ، إلا أئمة لم يتورطوا من قبل في الاتجاه المعاكس لسياسة الدولة ، يحلو لي أن اسميه الشكل العدائي للعلاقة بين الصحافة والحكومة ؟! كما خلص ( ديفيد ساكسمان ) في إحدى الدراسات التي أحالت العلاقة بين الصحافة والحكومة إلى شكلين : إما عدائي أو تعاوني . الأكثر حرجاً ليس تلك القرارات المتكئة على التعثير والإرباك ، والموصولة بالتضييق والتعميم على كل ما هو خاص في مجال الحريات، بل نمكث في الخلف بين الأمم ، ونسعى جاهدين في الخطب الطويلة الرنانة و التي دائماً تحوم حول القضايا الرئيسية وتبتعد عن ذاتية المشكلة وعلاجها ، أن نغض الطرف عن كل فوهة حق وغضب ، والتي نشأت كحفرة في البداية ، وجراء التقصير المتعاقب عليه تحولت إلى فوهة بركانية غاضبة ، كما هو الحال اليوم في مدينة فوهة البركان (عدن ) . على خلاف الصحافة الأمريكية و الأوروبية ، هناك القيمة للكتاب العالميين ذوي الاختصاصات المهنية في الدول الأكثر تقدماً في العالم ، استقبلت الشعوب أفكارهم وساهمت بوضعهم في المكان الأنسب، لأنهم أدوات جماهيرية مؤثرة في الواقع السياسي، تواصلت مع الجمهور قبل ذلك لغرض الإصلاح والتوعية ، بالأخص تلك التوجهات المستقلة وأصحاب المشاريع الإستراتيجية الذكية . لم تقتصر قيمة الصحافة والأقلام في تلك الدول على دور الشعوب ، بل كان للقانون الخاضع لإرادة الشعوب الدور الأمثل للحفاظ على وجودهم كسلطة رابعة و أصحاب الجلالة الفعليين ، فكان لصحف في أمريكا دوراً في سن قوانين جديدة في عدة قضايا أنهكت الرأي العام لفترات طوال ، وتعديل قوانين أخرى والعدول عن البعض الآخر ، ودوراً أهم كشركاء رئيسيين في البناء باعتماد أفكارهم على الواقع العملي ، والأخذ بانتقاداتهم ، و احتساب مردود مادي لتطوير الأفكار والمشاريع ، ولا يخفى على العالم النفوذ السياسي الملحوظ للصحافة و الأقلام ذات المشاريع الإصلاحية العميقة في تلك الدول . كما هو الحال في ألمانيا أيضا ، هناك مقالات عدة تصف صاحبة القرار المستشارة الألمانية (أنجيلا ميركل ) بالسيئة ، وقبلها الهجمة الصحفية الشرسة الذي تعرض لها المستشار الألماني السابق (جيرهارد شرودر ) بخصوص قيامه بجولة استطلاعية مع حبيبته بطائرة حكومية ، وحاسبوه على ذلك حساباً عسيراً !. بالعودة إلى واقعنا ما الذي نرتجيه من تكميم الأفواه عقب الترويج لحصار الصحافة والإعلام، والصمت الغير صحي تجاه القضية ؟! ، غير أن الإعلام سيعود آلة مكررة لعمليات بليدة ، وكمثال على واقع الحال ، طالعتنا الصحف الرسمية بعبارات وارفة مؤخراً تغلب على الإشارة بوضوح إلى متن العلاقات المصرية اليمنية على خلفية زيارة الرئيس ( صالح ) للرئيس ( مبارك ) .
يأتي ذلك تزامناً لوقائع تعكس صورة مغايرة !، ففي 14 فبراير المنصرم تم احتجاز على حسب الزميل عباس غالب في رحلة القاهرة «848»، مجموعة من الصحفيين وتأخيرهم ومعاملتهم بسوء، وعزى ضباط المطار الأمر إلى مباحث أمن الدولة ! ، كما ذكر في مقال ( إحنا بتوع الترانزيت ) ، بأنه كان محتجز عدد ما يزيد عن " 30 " جواز ليمنيين مسافرين لتلك الوجهة ، كان الصحفيون ( شاهد عيان ) فتم الضبط والتحرير ، واذكر ذلك على سبيل المثال فقط على لسان صحفي حضر تلك الأحداث ، وسأتجاوز الكثير من الأحاديث الشعبية ، كما لا يمكننا تجاهل قضيتان حاضرتا بقوة لدى الرأي العام ، الأولى : الحيلة الذي اختطف من فندق المريديان بالقاهرة عام 2002 ، و إنكار الجهات المسئولة في مصر لذلك ، ليستقر به المقام في (جوانتنامو ) كأخطر سجن غير شرعي في المعمورة ، والثانية: اختفاء الطالب اليمني " أيمن " منذ 2006 بعد دخوله قسم شرطة الدقي طبقاً لرواية والده ، كما طالعتنا العربية بذلك والمصدر أونلاين ، ويبدو أننا كيمنيين بحاجة إلى فيلم سينمائي عالمي يتردد صداه ، كمثل ذلك الفيلم السينمائي الهندي " اسمي خان ولستُ إرهابي " ولكن بصيغة " يمني ولستُ إرهابي " ! لتغيير تلك المفاهيم جراء المعاملات التي نتلقاها من الأشقاء العرب والأجانب على حد سواء ! لا غبار على علاقتنا كشعبين عريقين وإنما المساءلة التي يجب أن تحضر وبقوة تتوقف عند قيمة الإنسان اليمني لدى حكومته وحكومة تحسب عليه رسمياً بالشقيقة !، وحضور الإنسان كمادة أساسية في سياسة البلدين. نحتاج مثيل الهدهد بجوار صانعي القرار اليوم ، في ظل وجود طيوراً أخرى أبابيل تنقض على مفاصل القرار والمطالب الجماهيرية ، بعضها في إثر بعض ، تختص لإهدار المال العام ، والعبث بحقوق المواطن وممتلكاته ، وتشارك في إبقاء الحال على ما هو عليه ، وتسن قوانين معاكسه لمصلحة المجتمع ، و تهمل العقليات الجديرة بالمساهمة في بناء الوطن إثر تفضيلها لشخصيات أخرى بما يتوافق مع ( القبيلة الحزبية الوساطة المحسوبية الثروة ) ، وتحول دون التواصل البنَاء بين الصحافة والحكومة لخدمة المجتمعات والإنسان العربي .