عاجل: قوات العمالقة تقضي على مجموعة حوثية في أطرف مأرب اليمنية    المستشار سالم.. قائد عتيد قادم من زمن الجسارات    عدن تستغيث: لا ماء، لا كهرباء، لا أمل    استشهاد نجل مستشار قائد محور تعز العميد عبده فرحان سالم في مواجهات مع المليشيا    اسعار الذهب في صنعاء وعدن السبت 3 مايو/آيار2025    صنعاء تصدر قرار بحظر تصدير وإعادة تصدير النفط الخام الأمريكي    عقد أسود للحريات.. نقابة الصحفيين توثق أكثر من 2000 انتهاك خلال عشر سنوات    هذا ما حدث وما سيحدث.. صراع العليمي بن مبارك    مانشستر سيتي يقترب من حسم التأهل لدوري أبطال أوروبا    عدوان مستمر على غزة والاحتلال بنشر عصابات لسرقة ما تبقى من طعام لتعميق المجاعة    إصلاح الحديدة ينعى قائد المقاومة التهامية الشيخ الحجري ويشيد بأدواره الوطنية    اللجنة السعودية المنظمة لكأس آسيا 2027 تجتمع بحضور سلمان بن إبراهيم    خلال 90 دقيقة.. بين الأهلي وتحقيق "الحلم الآسيوي" عقبة كاواساكي الياباني    الهلال السعودي يقيل جيسوس ويكلف محمد الشلهوب مدرباً للفريق    غارات اسرائيلية تستهدف بنى تحتية عسكرية في 4 محافظات سورية    احباط محاولة تهريب 2 كيلو حشيش وكمية من الشبو في عتق    إذا الشرعية عاجزة فلتعلن فشلها وتسلم الجنوب كاملا للانتقالي    سنتكوم تنشر تسجيلات من على متن فينسون وترومان للتزود بالامدادات والاقلاع لقصف مناطق في اليمن    الفريق السامعي يكشف حجم الاضرار التي تعرض لها ميناء رأس عيسى بعد تجدد القصف الامريكي ويدين استمرار الاستهداف    الطيران الأمريكي يجدد قصف ميناء نفطي غرب اليمن    مسلحون يحاصرون مستشفى بصنعاء والشرطة تنشر دورياتها في محيط المستشفى ومداخله    وزير سابق: قرار إلغاء تدريس الانجليزية في صنعاء شطري ويعمق الانفصال بين طلبة الوطن الواحد    باحث يمني يحصل على برأه اختراع في الهند    الكوليرا تدق ناقوس الخطر في عدن ومحافظات مجاورة    غزوة القردعي ل شبوة لأطماع توسعية    "الأول من مايو" العيد المأساة..!    وقفات احتجاجية في مارب وتعز وحضرموت تندد باستمرار العدوان الصهيوني على غزة    احتراق باص نقل جماعي بين حضرموت ومارب    حكومة تتسول الديزل... والبلد حبلى بالثروات!    البيع الآجل في بقالات عدن بالريال السعودي    الإصلاحيين أستغلوه: بائع الأسكريم آذى سكان قرية اللصب وتم منعه ولم يمتثل (خريطة)    من يصلح فساد الملح!    مدرسة بن سميط بشبام تستقبل دفعات 84 و85 لثانوية سيئون (صور)    البرلماني بشر: تسييس التعليم سبب في تدني مستواه والوزارة لا تملك الحق في وقف تعليم الانجليزية    شركة النفط بصنعاء توضح بشأن نفاذ مخزون الوقود    السياغي: ابني معتقل في قسم شرطة مذبح منذ 10 أيام بدون مسوغ قانوني    السامعي يهني عمال اليمن بعيدهم السنوي ويشيد بثابتهم وتقديمهم نموذج فريد في التحدي    مليشيا الحوثي الإرهابية تمنع سفن وقود مرخصة من مغادرة ميناء رأس عيسى بالحديدة    شاهد.. ردة فعل كريستيانو رونالدو عقب فشل النصر في التأهل لنهائي دوري أبطال آسيا    وفاة امرأة وجنينها بسبب انقطاع الكهرباء في عدن    صدور ثلاثة كتب جديدة للكاتب اليمني حميد عقبي عن دار دان للنشر والتوزيع بالقاهرة    عرض سعودي في الصورة.. أسباب انهيار صفقة تدريب أنشيلوتي لمنتخب البرازيل    جازم العريقي .. قدوة ومثال    العقيق اليماني ارث ثقافي يتحدى الزمن    نهاية حقبته مع الريال.. تقارير تكشف عن اتفاق بين أنشيلوتي والاتحاد البرازيلي    الصحة العالمية:تسجيل27,517 إصابة و260 وفاة بالحصبة في اليمن خلال العام الماضي    اتحاد كرة القدم يعين النفيعي مدربا لمنتخب الشباب والسنيني للأولمبي    صنعاء .. حبس جراح واحالته للمحاكمة يثير ردود فعل واسعة في الوسطين الطبي والقانوني    صنعاء .. حبس جراح واحالته للمحاكمة يثير ردود فعل واسعة في الوسطين الطبي والقانوني    النقابة تدين مقتل المخرج مصعب الحطامي وتجدد مطالبتها بالتحقيق في جرائم قتل الصحفيين    برشلونة يفوز بالكلاسيكو الاسباني ويحافظ على صدارة الاكثر تتويجا    أطباء بلا حدود تعلق خدماتها في مستشفى بعمران بعد تعرض طاقمها لتهديدات حوثية    القلة الصامدة و الكثرة الغثاء !    عصابات حوثية تمتهن المتاجرة بالآثار تعتدي على موقع أثري في إب    الأوقاف تحذر المنشآت المعتمدة في اليمن من عمليات التفويج غير المرخصة    ازدحام خانق في منفذ الوديعة وتعطيل السفر يومي 20 و21 أبريل    يا أئمة المساجد.. لا تبيعوا منابركم!    دور الشباب في صناعة التغيير وبناء المجتمعات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إعادة تأهيل أبو جندل .. التلميذ المشاكس للقاضي الهتار
نشر في المصدر يوم 06 - 06 - 2009

لدى كل المعلمين تلامذة مشاكسون. كان تلميذ حمود الهتار شابا يحب أن يسمي نفسه "أبو جندل"، وهو لقب عربي يعني "القاتل" عموما. هذا اليمني المستدير الوجه وصاحب الكرش، الذي يدعى أصلا ناصر البحري، كان قد حارب في البوسنة والصومال والشيشان وأفغانستان, وكل ذلك قبل بلوغه ال30 من العمر.
وطوال ست سنوات، عمل حارسا لأسامة بن لادن، الذي ضمد شخصيا أحد جراح البحري بعد إصابته بطلق ناري قرب كابول. في أفغانستان، تعرف إلى محمد عطا وعدد من مختطفي الطائرات في 11 سبتمبر. وعندما عاد البحري أخيرا إلى موطنه في اليمن قبل نحو عام من تلك الهجمات، "كانت المرة الأولى في حياتي التي أحمل فيها جواز سفر يرد فيه اسمي الحقيقي"، كما قال لي الجهادي السابق ذات صباح عندما التقينا هذا الربيع في ردهة أحد فنادق صنعاء.
الاستخبارات اليمنية، التي كانت تخضع لضغوط من مسؤولين أمريكيين لملاحقة الجهاديين المحليين حتى قبل الهجمات على مركز التجارة العالمي، لم تنتظر طويلا لإلقاء القبض عليه. ففي ديسمبر 2000، اعتقل البحري وسجن في زنزانة صغيرة في جناح الحبس الإنفرادي في سجن صنعاء السياسي. "توقعت أسوأ أنواع التعذيب"، كما يتذكر. بدلا من ذلك، فتح الباب في أحد الأيام ودخل رجل يعتمر قبعة مستديرة صغيرة بيضاء ويرتدي ثوبا فضفاضا مهيبا. وضع الرجل كومة من الكتب القرآن، ومجلدات من تعاليم النبي محمد على الطاولة. السلاح الوحيد الذي كان يحمله هو الجمبية، الخنجر اليمني التقليدي الذي تدلى من حزامه.
هذا الزائر كان حمود الهتار، وهو قاض محلي تم تجنيده من قبل الحكومة اليمنية لمحاولة إصلاح الجهاديين الإسلاميين الذين تتنامى أعدادهم في البلد. كانت فكرة الهتار تقضي بإشراك السجناء فيما سماه ب"مناظرات دينية"، متحديا إياهم أن يبرروا معتقداتهم من خلال الاستشهاد بنصوص دينية. وبعد ذلك، كان الهتار يرد عليهم بتفسيره الأكثر اعتدالا عادة للنصوص نفسها. وإذا بدا أن الجهادي يحرز تقدما، كان القاضي يعرض عليه بعد بضع جلسات التوقيع على تعهد خطي بنبذ العنف. وفي المقابل، كان الجهادي الشاب يحصل على مئات الدولارات ويمنح الحرية. معظمهم، على غرار البحري، وضعوا قيد "الإقامة الجبرية" المتساهلة، مما يعني أن بإمكانهم التنقل بحرية في أنحاء صنعاء، شرط أن يزوروا بشكل منتظم المسؤولين عن مراقبة إطلاق سراحهم. وقد حضر نحو 400 سجين صفوف الهتار، وتابوا وأطلق سراحهم.
الآن وقد تعهد الرئيس باراك أوباما بإغلاق معتقل غوانتانامو في غضون عام، يريد بعض المسؤولين اليمنيين والأمريكيين الاستعانة بالهتار من جديد. نحو نصف المعتقلين في غوانتانامو - نحو100 من ال240 الذين لايزالون معتقلين - هم من اليمن أصلا. ومن شأن برنامج إعادة تأهيل يمني جديد أن يتيح لأوباما إرسالهم إلى موطنهم ويوفر له غطاء سياسيا, وكبش فداء إن ساءت الأمور. العام الماضي، أعلن الرئيس اليمني علي عبد الله صالح أنه أبرم اتفاقية مع الولايات المتحدة لبناء حرم للعائدين، بأموال أمريكية. وعندما التقيت صالح بعد ظهر أحد الأيام أخيرا، قال لي إن الأمريكيين وعدوه بتوفير 11 مليون دولار لبناء المجمع. وأصر الرئيس على الاستعانة بالهتار في إدارة البرنامج الجديد.

ثمة مشكلة واحدة في كل هذا: فبرنامج الهتار غير فعال. فبحلول عام 2004، كان بعض خريجي القاضي يظهرون في العراق، حسبما حذر المسؤولون الأمريكيون نظراءهم اليمنيين. وبين تلامذة الهتار، كان البرنامج يعتبر مهزلة. يقول سجين سابق اكتفى بتسمية نفسه "أبو حورية" لتجنب إعادة جذب انتباه الاستخبارات: "بصراحة، كان الجميع يستهزئون به. فهمنا جميعا أنها طريقة لابتزاز المال من الأمريكيين. كانوا يلعبون معنا". حتى صالح يقر بأن برنامج الهتار كان فعالا بنسبة 60 بالمائة فقط. عيبه الأساسي يبدو بديهيا: فالسجين مستعد لقول أي شيء من أجل الخروج من السجن. وقد قال لي البحري: "لو طلب إلي الشيطان نفسه أن أوقع، لفعلت ذلك"، مضيفا أن برنامج الهتار كان "عديم الجدوى بالكامل".
قصة القاضي والجهادي هي دليل آخر على مدى تحول مسألة غوانتانامو إلى قضية شائكة بالنسبة إلى إدارة أوباما. فالشهر الماضي، صوت الجمهوريون والديموقراطيون في الكونغرس بغالبية ساحقة ضد توفير 80 مليون دولار لإغلاق المعتقل، مطالبين بأن يقدم البيت الأبيض خطة أكثر تفصيلا بشأن المكان الذي سيتم إرسال السجناء المتبقين إليه. وقد استغل المعلقون اليمينيون هذا الجدال لتجييش الرأي العام ضد فكرة إحضار المعتقلين إلى الولايات المتحدة، حتى وإن وضعوا في سجون مشددة الحراسة. إن برامج إعادة التأهيل الأجنبية مثل برنامج الهتار تبدو ظاهريا على الأقل بديلا جذابا. لكن قلة من البلدان الأجنبية مستعدة لفتح أبوابها أيضا. وتلك التي ترغب في استعادة مواطنيها لديها تحدياتها الخاصة، لا سيما فيما يتعلق بضمان عدم عودة المعتقلين إلى ممارسة الإرهاب. بعض المسؤولين الأمريكيين قلقون الآن بشأن قدرة اليمن على استيعاب وإصلاح مواطنيها المسجونين في غوانتانامو، لدرجة أنهم يحثون البلدان الأغنى والأكثر استقرارا مثل السعودية على استقبال اليمنيين.
لايزال حمود الهتار يصر على أن برنامجه يشكل الطريقة المثلى للتعامل مع المعتقلين. عندما زرت الهتار في منزله في صنعاء ذات مساء، ذكرت له ما قاله تلميذه السابق البحري عن عدم فعالية برنامجه. القاضي الذي كان جالسا على وسادة على أرضية صالونه، بقي صامتا لبرهة طويلة وبدا أن مشاعره قد جرحت بعض الشيء. مضغ كرة من أوراق القات وهو منبه خفيف واسع الانتشار في اليمن - في فمه. ثم رفع حاجبيه اللذين يبقيهما مرتفعين عادة على طريقة أساتذة المدارس غير الراضين عن تلامذتهم، ونظر إلي من فوق نظارتين بلا إطار جاثمتين على منتصف أنفه. بدا مرتبكا. وقال لي بهدوء: "كان ناصر يبلي بلاء حسنا في البرنامج".
إذا كان الهتار حساسا فيما يتعلق بقيمة البرنامج، فقد يعود ذلك إلى ارتباط هويته الخاصة بنجاحه. ويمكن تقسيم شعب اليمن بشكل عام إلى ثلاث قبائل أساسية» وقبيلة الهتار مذحج هي الأقل نفوذا بينها. لقد ولد في مقاطعة يمنية صغيرة تدعى إب، حيث كان والداه يزرعان الذرة والسرغوم والقات. وخلال نشأته في أواخر خمسينات القرن الماضي، كانت إب لاتزال منطقة ريفية متخلفة. لم يكن فيها مدارس حقيقية، بل كانت مجموعة صغيرة من التلاميذ تجتمع في مسجد محلي. عندما أصبح الهتار مراهقا، أراد بلوغ مستوى علمي أكثر تقدما. وكان مجال القانون يجذبه بشكل خاص. قال لي: "شعرت بأن القضاء مميز. لم يكن بإمكان أحد أن يفرض رأيه عليك". وكان القاضي "قادرا على فعل ما يشاء". فقام الهتار برحلة إلى صنعاء دامت ثلاثة أيام، على ظهر حمار في جزء منها، من أجل بدء صفوفه.
اليوم، نادرا ما يبتعد الهتار عن شخصيته المكتسبة. فهو يلبس بشكل شبه دائم رداء القاضي التقليدي ويحمل الخنجر المرصع بالذهب الذي يشير إلى مكانته. لكن يسهل نسيان أنه اخترع هذه الشخصية المحترمة بنفسه بشكل عام. فالهتار، كما قال لي أحد الأصدقاء اليمنيين، "اخترع نفسه بنفسه".
هذه النزعة المستقلة تطال أيضا آراءه السياسية الشخصية. فعائلة الهتار، مثل معظم العائلات الريفية اليمنية، مسلمة ومتدينة. لكن عندما كان شابا، وجد الهتار نفسه مفتونا بجمال عبد الناصر، القائد القومي العربي المصري الساحر. يتذكر القاضي: "كان لدي نزعات إسلامية. لكن عبد الناصر كان جذابا جدا. وأعجبني وكنت أكن له التقدير. كان قادرا على تعبئة الجماهير". كان الهتار في ال12 من عمره فقط عندما هزم الجيش الإسرائيلي عبدالناصر وحلفاءه في حرب الأيام الستة عام 1967، مزعزعا هالة القائد القومي. الهتار، على غرار غيره من الشبان العرب والمسلمين آنذاك، بدأ يبحث عن أبطال جدد. وبعد خمس سنوات، عام 1972، التحق بالمجموعة المحلية من الإخوان المسلمين.
وفرت المجموعة للحيتار حسا بالانتماء ومنفذا لرغبته في خدمة المجتمع. "في ذلك الحين، شعرنا بأنها الحركة الوحيدة المناهضة للشيوعية. شعرنا بأن الشيوعية منافية للطبيعة البشرية"، كما يتذكر. ومع ذلك، أحس في النهاية بأن تنظيم الإخوان المسلمين متشدد دينيا وغير متسامح. وبعيد بدء مسيرته كقاض، في أوائل ثمانينات القرن الماضي، ترك الهتار التنظيم وانضم إلى الحزب الحاكم بقيادة الرئيس صالح.
بصفته قاضيا، تحدى الهتار التقاليد الاجتماعية التقليدية اليمنية. وترأس أبرز قضية في حياته المهنية عام 1984، عندما اتُهم مسلمان محليان بقتل يهوديين يمنيين. وبحسب تقليد ضمني قديم، لم يكن يحكم على المسلمين المدانين بقتل يهود بالإعدام. لكن ذلك بدا غير عادل لحيتار. "شعرت بتضارب بين ثقافتي وضميري. كان ضميري يقول لي إن كل البشر متساوون. وثقافتي تقول لي عكس ذلك. بحثت في القرآن والسنة وتاريخ الخلفاء. لم يميز أي منها بين المسلمين وغير المسلمين. فالروح هي روح"، كما قال لي. في الجلسة الأخيرة، حكم الهتار على المسلمين بالإعدام. فتعالت الهمسات في قاعة المحكمة تدريجيا متحولة إلى دمدمة. وفي النهاية تلقى القاضي تهديدات بالقتل بسبب الحكم الذي أصدره.
لا تصعب رؤية السبب الذي يجعل الهتار شخصية جذابة لصانعي السياسات الأمريكيين الذين يبحثون عن مخرج من ورطة غوانتانامو. فهذا القاضي جريء وعصامي ومستقل التفكير وعادل. "إنه رجل لطيف"، كما قال لي أحد الدبلوماسيين الغربيين. حاول الكثيرون تقليد برنامج الهتار الأصلي، بما في ذلك في السعودية، التي أدارت مرفقا خاصا بها وناجحا نسبيا لإعادة التأهيل طوال السنوات الخمس الماضية. ففضلا عن الجدالات الإيديولوجية، يستعين البرنامج السعودي بنظام معقد قائم على الترغيب والترهيب لإبقاء الجهاديين السابقين تحت السيطرة. وعندما يصل الجهاديون إلى مركز إعادة التأهيل، تقدم لهم ألواح شوكولاتة وتوفر لهم ألعاب فيديو للتسلية. لكن العقاب يمكن أن يكون قاسيا جدا إذا عادوا إلى ممارساتهم السابقة. فعندما يطلق سراح أحد الجهاديين، يطلب المسؤولون السعوديون من عائلة السجين أن تعدهم بأنها ستبقيه على المسار الصحيح. إذا عاد لممارسة العنف، يمكن معاقبة العائلة بأسرها.
من أجل الاهتمام بشؤون المعتقلين السابقين في غوانتانامو، بدأ المسؤولون الأمريكيون عن مكافحة الإرهاب بالتحدث مع مسؤولين يمنيين في بداية العام الماضي بشأن إعادة تفعيل برنامج إعادة التأهيل. يقول مسؤول يمني كبير، لم يشأ الكشف عن هويته لتكلمه عن محادثات مع الأمريكيين: "أرادوا اتباع النموذج السعودي. فقلنا لهم: اإذا كنتم تحبون هذا البرنامج، فسنتبعه بالكامل»".
حتى قبل انتخاب أوباما، بدأ يتضح بشكل متزايد أنه سيتوجب إغلاق معتقل غوانتانامو. ففي سلسلة من القضايا المرفوعة في المحاكم الأمريكية أتت الأحكام لمصلحة حقوق المعتقلين، بما في ذلك قضية سائق أسامة بن لادن السابق، سليم حمدان، وهو يمني. أعيد 15 معتقلا من غوانتانامو إلى اليمن، بمن فيهم حمدان» وستتوجب إعادة عدد أكبر بكثير. وقد بدأت الأحزاب الإسلامية المعارضة في اليمن باستغلال قضية المعتقلين للانقضاض على الحزب الحاكم، مطالبة بعودة السجناء. بعد الإعلان الذي أطلقه صالح في الربيع الماضي، خصصت الحكومة لهذه الغاية قطعة أرض في مدينة عدن الساحلية، وفقا لمسؤول يمني كبير، وصممت حرما واسعا يتضمن "مساجد ومدارس وغرفا مخصصة للقاء الرجال بزوجاتهم ومعاشرتهن".
لكن الأموال لم تصل قط. قال لي صالح فيما كنا جالسين في باحة قصره في صنعاء: "وعدنا الأصدقاء الأمريكيون بأنهم سيساعدون في التمويل، فالكلفة ستبلغ 11 مليون دولار. ونحن ننتظر الأموال". سألته عن سبب التأخير برأيه. فغاص الرئيس في كرسيه، وضرب ركبتيه الواحدة بالأخرى، وارتسمت على وجهه ابتسامة واهنة. ثم قال: "لعل الأمريكيين يفتقرون إلى المال الآن". أحد المسؤولين اليمنيين الآخرين الذين تكلمت معهم قبل بضعة أسابيع أجاب بشكل أقل دبلوماسية، متذمرا: "ما الذي يجري بحق السماء؟ هذه كانت فكرتكم!" (يصر المسؤولون الأمريكيون على عدم وجود اتفاقية حاسمة بشأن التمويل).
يحق للمسؤولين الأمريكيين أن يكونوا مترددين بشأن إعطاء الحكومة اليمنية مبالغ كبيرة من المال من دون الحصول على ضمانات بأن هذه الأموال ستنفق بالشكل المحدد. فالفوضى تزداد هناك. ففي أبريل، قال الجنرال ديفيد بترايوس، قائد القيادة الوسطى، للكونغرس إن اليمن ملاذ شعبي جديد لمقاتلي تنظيم القاعدة. في شهر مارس، فجر انتحاري نفسه في موقع أثري مكتظ بالسياح، مما أسفر عن مقتل أربعة كوريين جنوبيين. وبعد أسبوع، هاجم انتحاري آخر موكب مسؤولين كوريين أتوا للتحقيق في الهجوم السابق. (لم يقتل أحد في التفجير الثاني). بعض الأمريكيين اقترحوا فكرة إخضاع المعتقلين اليمنيين للبرنامج السعودي الأكثر نجاحا. وهذا الربيع، سافر جون برينان، مستشار أوباما لمكافحة الإرهاب، إلى صنعاء للقاء صالح، وقال للرئيس اليمني إن واشنطن قلقة بشكل متزايد بشأن قدرة اليمن على استيعاب المعتقلين. وعندما سألت صالح عن اجتماعه ببرينان، بدا الرئيس مستاء. وأجاب بحدة: "لسنا جنودا مطيعين للولايات المتحدة. لا نوافق على كل ما يطلبونه. لسنا موظفيكم".
هذا واضح. فلطالما كان للحكومة اليمنية علاقة معقدة مع تنظيم القاعدة. ففي السابق، استغل صالح الإسلاميين ضد خصومه السياسيين في الداخل. والجميع يعرفون أن صالح استعان بمقاتلين سابقين من الحرب الأفغانية في ثمانينات القرن الماضي لمقاتلة أعدائه الاشتراكيين في جنوب اليمن خلال الحرب الأهلية التي شهدتها البلاد في تسعينات القرن الماضي. الصيف الماضي، هدد عبد المجيد الزنداني، وهو إسلامي يمني مصنف بأنه إرهابي من قبل وزارة الخارجية الأمريكية، بحشد آلاف الرجال للقتال إلى جانب الجيش اليمني ضد رجال القبائل الحوثيين المتمردين في شمال البلاد، وفقا لدبلوماسي غربي.
نتيجة لذلك، تنظر الحكومة اليمنية إلى بعض عناصر القاعدة على الأقل على أنهم حلفاء لها أكثر منهم تهديدا وجوديا. التحدي الأكبر لاستقرار النظام، كما قال لي وزير الخارجية اليمني أبو بكر القربي، متأت من الاشتراكيين والحوثيين. صحيح أن جيلا جديدا من أعضاء تنظيم القاعدة الأكثر تطرفا يمثل مشكلة أيضا. لكن تنظيم القاعدة "لا يملك أجندة حقيقية" بحسب وزير الخارجية. وبالتالي، فإن المسائل والأسئلة التي يطرحها تنظيم القاعدة بشأن معتقلي غوانتانامو تقابل بعدم الاكتراث من قبل السلطات اليمنية. وقد قال أحد المسؤولين اليمنيين فيما يتعلق بالعائدين من غوانتانامو: "افعلوا بهم ما تشاءون. عذبوهم. اقصفوهم. أرسلوهم إلى بلد ينفذ حكم الإعدام".
هذا الموقف هو سبب إضافي يدعو المسؤولين الأمريكيين إلى توخي الحذر. فمراكز إعادة التأهيل، بما في ذلك البرنامج السعودي، ليست طوعية. إذا كان اليمنيون محقين في قولهم إن الولايات المتحدة وعدت بالمساهمة في دفع تكاليف مركز إعادة التأهيل، فإن إدارة أوباما ستمول بذلك سجنا أجنبيا في الوقت الذي تحاول فيه واشنطن إبعاد نفسها عن مسألة السجون السرية التابعة لوكالة الاستخبارات المركزية والترحيلات القسرية إلى بلدان تعذب السجناء لاستخراج المعلومات منهم. وقد قال لي خالد العنسي، مدير الهيئة الوطنية للدفاع عن الحريات والحقوق اليمنية (هود)، إنه بدأ في الخريف الماضي بالتذمر للمسؤولين الأمريكيين من أن مركز إعادة تأهيل غير طوعي سينتهك حقوق المعتقلين. "سجون صنعاء الشبيهة بغوانتانامو أسوأ بكثير من معتقل غوانتانامو الحقيقي"، كما يقول العنسي. أحد الحلول المحتملة يقضي بأن تحث الولايات المتحدة السعوديين بهدوء على تمويل البرنامج اليمني. ويقر وزير الخارجية اليمني بأن الفكرة قد تكون ناجحة، لكنه ينكر حدوث أي مناقشات بشأنها.
إن ثروة السعودية الطائلة مسؤولة بشكل جزئي على الأقل عن النجاح النسبي لمرفق المملكة. ويثنى على البرنامج السعودي لقدرته على الإقناع الإيديولوجي، لكنه قد يكون فعالا في الحقيقة لأن الحكومة تشتري المجاهدين. يحصل الخريجون على المال، وفي بعض الحالات على وظائف وسيارات ومنازل لمساعدتهم على الاندماج في المجتمع. اليمنيون، من جهتهم، يدعون أنهم لا يملكون الأموال الكافية لتوفير هذه الهبات السخية. اليمن هو أفقر بلد في الشرق الأوسط، ويبلغ معدل البطالة فيه 35 بالمائة. ويدعي بعض المسؤولين اليمنيين بأن بإمكانهم القيام بأمور أفضل من إنشاء مركز إعادة تأهيل ل100 رجل بكلفة 11 مليون دولار. يقول عبد الكريم الأرياني، وهو رئيس وزراء سابق ومستشار حالي للرئيس: "لا يمكن لليمن أن تنفق مالها الثمين على مركز كهذا". أفضل ما يمكن للحكومة أن تقدمه لخريجي البرنامج هو وظائف في الجيش, تدر نحو 100 دولار في الشهر. لكن إعطاء معتقلي غوانتانامو السابقين أسلحة وبزات عسكرية وتدريبهم يطرح مشاكل بحد ذاته.
أخيرا، حتى لو جرت الأمور على ما يرام فيما يتعلق ببرنامج الهتار إن توفر المال ولم تتم الإساءة إلى المعتقلين وكانت القدرات الإقناعية للقاضي فعالة بشكل غير اعتيادي ما من ضمانة بأن تعاليم الهتار ستتوافق مع المصالح الأمريكية. لقد أوقف برنامجه السابق عام 2005 جزئيا بسبب اعتراضات بعض المسؤولين الأمريكيين. قال لي رئيس الوزراء السابق الأرياني إن السلطات الأمريكية آنذاك كلمته وقالت له إنها متأكدة من أن خريجي برنامج الهتار يتم إلقاء القبض عليهم وهم يقاتلون الأمريكيين في العراق. حتى اليوم، لم يعتذر الهتار. فقد قال لي القاضي: "لم تكن مسألة العراق جزءا من الحوار. لست مسؤولا عن العراق. لم يعلمني أحد بضرورة إجراء حوار بشأن ذلك". وفسر لي الهتار أنه شخصيا يعارض سفر اليمنيين إلى العراق للقتال: "الجهاد تعبد. إنه مثل الصلاة. له شروطه". مع ذلك، "إذا أراد أحدهم الذهاب بصفة فردية، فلا يمكن منعه".
على الرغم من أسفاره مع بن لادن، يقول تلميذ الهتار المشاكس، ناصر البحري، إنه لم يذهب قط إلى العراق. وعندما سألته إن كان يوافق على سفر الشبان اليمنيين للقتال في الخارج، جفل قليلا ورفع عينيه قائلا: "بحسب خبرتي، من الخطأ إرسال شبان سذج. هؤلاء الرجال لا يفهمون الدين بعد. عليهم أن يعرفوا معنى الجهاد أولا". لكنه قال لي إنه لو كان أصغر سنا ولم يكن مراقبا، لربما ذهب بنفسه. وأضاف الجهادي السابق أن كل محاضرات الهتار لم تقنعه. "لا أزال أكره الغطرسة الأمريكية. لا أزال أكره الجيش الأمريكي". ثم ابتسم ورفع كوب الشاي مرددا: "لا أزال أكره".

* عن مجلة النيوزيك العربية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.