يتحدث عبدالعزيز جباري نائب رئيس الوزراء وزير الخدمة المدنية في هذا الحوار في الذكرى السادسة لثورة فبراير عن أحداث ومتغيرات السنوات الماضية وتفاعلاتها وعلاقة كل ذلك بمعركة التحرير واستعادة الدولة وهزيمة "الثورة المضادة" التي قال إن شهوراً قليلة تفصلنا عن ذلك. جباري.. البرلماني المعروف الذي انضم لثورة 11 فبراير في أيامها الأولى، واضطلع بدور بارز في مرحلة ما بعد الثورة كسياسي كثيرا ما يناور بصوت مسموع من خارج مكونات التأثير الرئيسية في البلد، وعارض بقوة مشروع المليشيات وانقلابها على الدولة في العام 2014.
حاوره/ عدنان الجبرني * بعد مرور ستة أعوام على الثورة بما فيها من أحداث ومتغيرات كانت مفصلية في تاريخ اليمن.. هل ترى اليوم أن المستقبل والمسار الذي يجري الآن يسير وفق الأهداف والقيم التي ارادتها ورسمتها ثورة فبراير أم أنا نبتعد عن ذلك؟ شكرا جزيلا.. معروف انه كان هناك ثورة مضادة لثورة 111فبراير وربما استطاع من قام بتدبير تلك الثورة المضادة أن يستولي على مقدرات البلد بشكل مؤقت وادخال البلاد في متاهات وخسائر فادحة في الممتلكات العامة والخاصة.. لكن ورغم ذلك تبقى ثورة فبراير ثورة عظيمة بكل المقاييس باعتبار أن الجميع خرج ينشد العدل والمساواة ودولة المؤسسات والحرية وتوزيع الثروة السلطة وتطبيق النظام الجمهوري بشكل صحيح ورفع المظالم ومحاربة الفساد.. هذه كلها كانت أهداف نبيلة خرج من أجلها شباب 11فبراير وناصرها أبناء الشعب اليمني من كل المؤسسات ومن المواطنين من كل المحافظات وحظيت بدعم من كل الاتجاهات، نظر اليها الإقليم والعالم بنظرة أنها ثورة نظيفة ثورة سلمية من أجل تحقيق مطالب، وكثير من الصحفيين وسياسيي العالم نظروا إلى ماحدث في اليمن على أنه شيء إيجابي ويجب أن تقتدي به الكثير من دول الربيع العربي لكن للأسف الشديد كان هناك من يتربص بهذه الثورة بالمرصاد منهم من كان جزاء من الثورة ...
* (مقاطعاً) البعض يقول ان بداية الثورة المضادة كانت من داخل الساحات نفسها عندما بدأ فصيل معين (الحوثيون) بالتنسيق سرا مع نظام صالح الذي ثار عليه الناس.. وبعدها بسنتين ظهر ذلك التحالف بشكل علني هل تؤيد هذا القول؟
طبعا اغلبية الشعب اليمني واغلبية الثوار كانوا ينشدون دولة المساواة والعدالة ودولة المؤسسات ما عدى هذا الفصيل الذي هو "الحوثي" كان له مشروع خاص ليس له علاقة بمبادئ وقيم أهداف ثورة 11فبراير فتحينوا الفرصة، وربما يعتقدون الآن أنهم استطاعوا أن يقطفوا الثمار لكن الشعب اليمني رفضهم بشكل صارم ورفض أفكارهم وممارساتهم.
* مع ما حققه الشعب اليمني حتى اليوم تعتقد أننا نسير باتجاه الأهداف التي رسمتها ثورة فبراير؟ في الحقيقة هناك صعوبات ومعوقات ولكنني موقن بأن الشعب سينتصر وبدون شك والشعب اليمني مرت عليه كثير من المشاكل والأزمات والحروب وفي نهاية المطاف تعافى وخرج منتصراً من 62 حتى 70 كان هناك تشابه في الحروب بين الجمهورية والملكية وفي نهاية المطاف انتصرت الجمهورية على الإمامة والمشروع الظلامي والآن ستنتصر الجمهورية وستعود المؤسسات بدون شك ولكن هناك ثمن فرض علينا أن ندفعه، والشعب اليمني لم يكن يرغب يوماً في الحرب ولا يريدها ولا يتمناها لكنها فرضت عليه بفعل المليشيات وما أقدمت عليه لكن اليمنيين أصرّوا الا ان يدافعوا عن أنفسهم وعن بلدهم وجمهوريتهم وحاضرهم ومستقبلهم.
* ثورة فبراير تعرضت لشيطنة كبيرة من قبل نظام الرئيس المخلوع صالح وتصويرها خطراً على المنطقة والإقليم... اليوم كل مكونات ثورة فبراير وشبابها يقاتلون في خندق واحد مع دول المنطقة ضد صالح الذي ينفذ أجندة إيرانية ضد الخليج والمنطقة.. ما المتغير هنا؟ ثورة فبراير بقدر ما كانت طموحة وسلمية وحضارية بقدر ما كان هناك قدر من الرشد في التصرف، وفي نهاية المطاف قبل الجميع بالمبادرة الخليجية وقبلت كل القوى السياسية وشباب الثورة كي لا يتعرض البلد للانهيار، وتم الانتقال السلمي للسلطة من الرئيس السابق علي عبدالله صالح إلى الرئيس الحالي عبدربه منصور هادي .. حصل ما حصل بعد ذلك وحاولت الثورة المضادة ونجحت جزئيا أن تستولي على المؤسسات ولكنها انكسرت وأصبحت الآن في موقف الدفاع، وفي تقديري هي أسابيع أو شهور وينتهي هذا الإنقلاب ويعود الوضع إلى ما كان عليه، ولكن بالطبع بعد أن أزهقت الكثير من دماء اليمنيين من هذا الطرف أو ذاك. والحوثي يتحمل المسؤولية عن تلك الدماء بكل تأكيد.
* حاليا، شباب فبراير ومكوناتها كلها في مقدمة المعركة ضد هذه المليشيات الانقلابية هل ترى أن رئيس الجمهورية والحكومة يقدرون هذه الأدوار لشباب فبراير دفاعاً عن الدولة ومؤسساتها؟ شباب فبراير وكل الشخصيات والمناضلين والواقفين ضد هذا المشروع الامامي المتخلف وهذه المليشيات ما قاموا ولا ثاروا ولا ضحوا لأجل شخص، اليمنيون كل اليمنيين لديهم مشروع يتمثل في الدولة الاتحادية وتنفيذ مخرجات الحوار الوطني وبالتالي هم بقدر ما يهمهم أن الشرعية تظل حتى تأتي شرعية أخرى، هذا لا يعني أننا مع شخص معين، الجميع مع مشروع ، مشروع الدولة ، مشروع تنفيذ مخرجات الحوار الوطني.
* لا أقصد أشخاصاً بعينهم ولكن كمؤسسات هل أنتم في الحكومة والرئاسة تلمسون هذا الحضور النوعي والكثيف لشباب الثورة؟ بدون شك الرئاسة والحكومة وكل الأحزاب السياسية بدون شك تقدر تقديراً عالياً وبشكل كبير تضحيات الشباب في 11 فبراير .
* اذا كان كذلك لما لا يعلن يوم 11 فبراير يوماً وطنياً ؟ كان هناك مؤتمر للحوار وجمع كل القوى السياسية وطرح الكثير أن يكون 11 فبراير يوماً وطنياً وتعرف طبيعة الحوار هناك طرف آخر متضرر من 11 فبراير رفض، وفي نهاية المطاف الجميع يريد أن يخرج بمشروع جامع، لكن مهما كان سواء كان يوم وطني او لم يصدر قرار بذلك، سيظل 11 فبراير علامة فارقة في حياة الشعب اليمني .
* لكن رئيس الجمهورية في خطابه بمناسبة الذكرى الخامسة وجه الحكومة باتخاذ الاجراءات اللازمة لاعتماد يوم 11 فبراير يوما وطنيا.. ذهب عام كامل ماذا عن توجيه الرئيس هادي ؟ أعتقد أن الأحداث التي نعيشها تفرض على الحكومة أولويات معينة ومن هذه الأولويات مواجهة هذه العصابة، لكن في نهاية المطاف تاريخ الشعوب والعلامات الفارقة لا يمكن أن تنسى وستظل محفورة في ذاكرة الناس.
* لم يتشكل حامل سياسي موحد وجامع لقوى ثورة فبراير لكي يكون قوة ضاغطة تمثل الثورة .. هل ترى أن هذا الأمر ساهم في تعثر تحقيق أهداف الثورة إلى حد ما؟ بالتأكيد بعد ثورة فبراير كانت هناك صعوبات كبيرة جداً تداخلت الاحزاب السياسية مع الأطراف الأخرى في نزاعات وخلافات حتى وصلنا الى الوضع القائم، لكن الثورات في حياة الشعوب لم تصل إلى أهدافها إلا بعد إرهاصات كما حصل في ثورة 62 ، و48 ، 55 ، وكذلك ثورة 11 فبراير كانت بكل المقاييس من أجل التغيير والعدالة.. ورغم حدوث الثورة المضادة لكن تستمر هذه الثورة والأهداف النبيلة تظل ثابتة وراسخة ودعاة الدولة ودعاة بناء مؤسساتها يظل مشروعاً نبيلاً وراسخاً، على العكس من ذلك فإن دعاة الطائفية والسلالية والقتل والدمار سيذهبون الى مزبلة التاريخ .
* في ظل الوضع الحالي.. هل تعتقد أن هناك حاجة لقيام تحالف أو ائتلاف من الأحزاب السياسية ومن مكونات الثورة وشبابها.. لاختصار الزمن والجهود والدفع لتحقيق أهداف الثورة واستعادة البلد ووضعها على المسار الصحيح للمستقبل؟ الشباب مثلاً، هم موجودون في كل الأحزاب، بلدنا نظامها السياسي نظام تعددي ليس كل الشباب مستقلاً.. نسبة كبيرة من شباب الثورة منخرطون في الأحزاب السياسية، وبالتالي ثورة 11 فبراير ستظل أهدافها ومبادئها وقيمها منارة لكثير من الشباب والشعب اليمني لأنها أهداف جامعة ومشروع وطني جامع، ما يحدث الآن أن الشعب اليمني خرج يدافع عن هذه الأهداف النبيلة من هذه المليشيات وممن تضرروا من ثورة 11 فبراير، مهما وجد الآن من إشكاليات وإخفاقات وحروب في نهاية المطاف ستنتصر الأهداف النبيلة، والشباب اليمني يجب أن يأخذ حقه ويتبوأ مكانة لائقة، لدينا شباب متعلم ومبدع وقادر على أن يعطي وأن يخدم بلده.
* هناك أصوات محسوبة على الشرعية تظهر أحيانا لتلقي اللوم على فبراير أو تهاجمها فيما شبابها هم رأس حربة معركة استعادة الشرعية والدفاع عن الجمهورية .. ما مبررهم برأيك؟
ثورة فبراير مثلها مثل أي ثورة في العالم هناك مناصرون، وهناك من يرى فيها أن بقاء النظام القائم مصلحة وطنية أو مصالح خاصة له.. شيء طبيعي أن هناك مؤيد ومعارض في كل الثورات وأي مشروع، لكن عندما تقارن ثورة 11 فبراير تجدها ثورة سلمية نقية خرج الشباب يخاطبون العالم أن اليمن الذي لا تعرفون عنه سوى أنه شعب مسلح غير متعلم وحديث عهد بالديمقراطية, خرجنا في ثورة سلمية غير مسلحة ولم نتعامل بالعنف ومطالبنا فقط هي الكرامة والتغيير بوسائل حضارية وسلمية, لكن في المقابل كان هناك من يرى نفسه أو مصالحة متضررة من الثورة وهؤلاء مجموعات أو أفراد ينتمون في الغالب لحزب المؤتمر الشعبي العام الحاكم أو دائرة النفوذ فيه , هؤلاء كانوا يعتقدون أن الثورة كانت سبباً في خروج هذا الحزب من الحكم وسوقوا هذا الوهم للناس, وهذا شيء طبيعي فهم يظنون أن بقاءهم في الحكم للأبد هو مصلحة وطنية بينما هي في الواقع مصالح حزبية أو شخصية، خروج شباب الثورة لم يكن ضد المؤتمر الشعبي العام ولا ضد أي حزب سياسي إنما بحثاً عن دولة المؤسسات والعدالة.
* كلمة أخيرة تودون قولها؟ أقول للشعب اليمني كل عام وأنتم بخير وبإذن الله ستزول هذه المحنة وتعود الأوضاع الطبيعية وأتمنى أن يأتي اليوم الذي يقف فيه نزيف الدم اليمني ولا يمكن أن تتحقق الأشياء بالأماني, لن يتحقق السلام ويتوقف نزيف الدم اليمني إلا باستعادة الدولة والمؤسسات التي احتلتها المليشيات وبالتالي علينا جميعا كشعب يمني أن نقف صفاً واحداً من أجل إنهاء هذا الوضع الشاذ ليعم السلام على الشعب اليمني.