تطالعنا أجهزة الإعلام بمختلف أنواعها يومياً عن انتشار أنفلونزا الخنازير، ومن قبلها كانت أنفلونزا الطيور. وهاتان ظاهرتان توسعتا بسبب العدوى، فهل تغزو مدارسنا اليوم أنفلونزا الرسوب بين الطلاب، وهل هذه الظاهرة عدوى؟ وحيث تغدو مرحلتا التعليم الأساسي والثانوي من أهم المراحل التعليمية، كونها الأساس المتين الذي تبنى وترتكز عليه أعمدة العلم والمعرفة، وأي تدنٍ أو قصور يلحق بتشغيل هذا الأساس التعليمي والتعلّمي يعتبر مؤشرا على أن البناء العلمي والمعرفي لهؤلاء يقف على قاعدة هشة متزعزعة الركائز، وقد تؤدي إلى انهيار البنيان، فالمقدمات تؤدي إلى التوالي والأسباب تتبعها النتائج. هذا هو ما نلاحظه في مجتمعنا التعليمي حاليا من تدن في مستوى التعلم لدى طلاب التعليم الأساسي والثانوي، ونسبة الرسوب العالية في مختلف المواد الدراسية، وعلى الأخص منها اللغة العربية والرياضيات واللغة الانجليزية، حيث لا يشكل هذا الرسوب نسبة طبيعية في الفصل، لكنه يشكل نسبة غير طبيعية، قد تصل إلى نصف عدد الطلاب في الفصل الواحد (حسب ما شاهدته وسمعته من طلاب إحدى المدارس الثانوية)، وهذه تعتبر حالة غير صحية يعاني منها الطلاب والتعليم على حد سواء. ولكوني أعمل مدرّسة في إحدى مدارس البنات لم ألحظ نسبة رسوب تستحق أن تذكر، على العكس في مدارس الذكور، فسألت بعض طلاب المدارس الثانوية المجاورة للمدرسة التي أدرّس فيها وغيرها، عن سبب رسوبهم في مختلف المواد وتحديداً المواد سالفة الذكر؛ فأجابني الطلاب إن المواد الدراسية صعبه جداً، والمعلم يصعّبها أكثر، فقد يكون هو نفسه أحياناً غير مستوعب المادة، فيعمل على تعقيدها، وبالمقابل عندما سألت بعض المدرسين والمدرسات عن سبب نسبة الرسوب العالية بين الطلاب أجابوا بأن التلاميذ لا يريدون أن يدرسوا ذاتياً، ولا توجد لديهم طاقة تحمل وصبر للتعليم، وفعلا هذا ما لمسته من إجابة الطلاب بأن المواد الدراسية صعبة فكيف يكون ذلك؟ فإن كانوا صدقوا قد ينطبق هذا على اللغة الانجليزية، كونها ليست لغتنا، وإن كانت مهمة جداً، والرياضيات كونها تحتاج إلى قدرات عالية في التفكير المجرد ومنطق في الحل. أما بالنسبة للغة العربية لم يصدقوا فهي أولاً وأخيراً موروثنا اللغوي، واللغة التي نتحدث بها، فالرسوب بها- وبشكل ملحوظ- غير مبرر إلا بعدم المثابرة والاجتهاد، وهذا غائب لدى الأولاد. وعلى هذا اتضح لي أن رأي المدرسين هو التشخيص الصحيح لهذه الظاهرة غير الصحية المنتشرة بين الطلاب، وهذا يعني أن ما يحدث في مدارس الذكور هو ظاهرة حديثة لم تعانِ منها التربية والتعليم من قبل، وبالتأكيد لها أسباب، ومعروف أن علم التربية يهتم بالظروف الخاصة والفردية عندما يكون الرسوب في مقياس النسبة الطبيعية، أي عدد محدد جداً، ويمكن للأسرة والمدرسة التعاون في علاج هذه الحالة، إذا كانت فردية خاصة بحسب الأسباب المؤدية لها .أما إذا كانت ظاهر ة كما هو حاصل الآن في مراحل التعليم العام فبالتأكيد لها أسباب ينبغي على جهابذة الفكر التربوي الاجتماعي العمل على دراسة هذه الظاهرة، ووضع المعالجات لها لما يترتب عليها من أضرار قريبة وبعيدة المدى. وحتى لا تتفاقم المشكلة وتنتشر العدوى (عدوى الرسوب) لتصيب الفصل كاملاً، يجب تضافر الجهود من أجل الوقوف بجد وحزم مع هذه العدوى التي تكاد تلازم جيل المستقبل الذي ينظر إليه بعين الأمل والتفاؤل، سليم من أي عدوى وحتى إن كانت عدوى إنفلونزا الخنازير.