تقدمت الحكومة الانتقالية في اليمن خطوات مهمة باتجاه المصادقة على قانون العدالة الانتقالية الذي تم إدراجه ضمن مخرجات الحوار الوطني في 25 يناير الماضي، لكن تطبيق القانون على أرض الواقع قد تكتنفه تحديات كبيرة . ويسعى القانون لتحقيق العدالة لضحايا القمع الحكومي وانتهاكات حقوق الإنسان خلال سنوات الحرب والنزاعات السياسية، كما يؤمل أن يحقق تطبيق القانون أيضاً مصالحة وطنية بين أبناء الشعب اليمني تمهد الطريق أمام استدامة السلام وتحقيق التنمية وسيادة القانون . ويشير التعريف القانوني لمفهوم العدالة الانتقالية إلى مجموعة التدابير القضائية وغير القضائية التي تقوم دول مختلفة بتطبيقها من أجل معالجة ما ورثته من انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان . وتتضمّن هذه التدابير الملاحقات القضائية، ولجان الحقيقة، وبرامج جبر الضرر، إضافة إلى أشكال متنوّعة من إصلاح المؤسسات . وبالنسبة للحالة اليمنية فإن العدالة التصالحية هي أنسب الحلول الممكنة، فالرئيس السابق علي عبد الله صالح تنازل عن الحكم بموجب تسوية توسط فيها مجلس التعاون الخليجي والأمم المتحدة بهدف حقن دماء اليمنيين ولم تتم إزاحته عن السلطة بالقوة مثلما حدث في ليبيا القذافي مثلاً، كما أنه مازال ناشطاً في الواقع السياسي عبر موقعه في حزب المؤتمر الشعبي بموجب قرار العفو الممنوح له من قبل الوسطاء، ولم يغادر بلاده مثلما كانت الحال مع الرئيس التونسي السابق زين العابدين بن علي . وفي المقابل فإن الحروب الطاحنة بين الشمال والجنوب في الأعوام 1972 و1979و1994 وتداعياتها علاوة على عنف السلطة الحكومية في مراحل مختلفة خلفت تاريخاً حافلاً بالانتهاكات الجسيمة التي لم تُعالج . ويصف الدكتور محمد المخلافي وزير الشؤون القانونية ورئيس اللجنة اليمنية للقانون بأنها تجمع بين العفو والعدل وتستهدف إنصاف الضحايا واتخاذ تدابير ملزمة غايتها تحقيق السلام والمصالحة، فهي عدالة تصالحية وليست عقابية أو انتقامية . والتحديات التي تواجه قانون العدالة الانتقالية تتمثل في محاولة قادة النظام السابق إسقاط القانون أو حرفه في المرحلة الأولى وعرقلة تطبيقه على الأرض في المرحلة الثانية . وفي الواقع فقد أشار المخلافي إلى طرفين يعملان على إعاقة إقرار القانون أحدهما الطرف الذي حصل على العفو، وليس لديه رغبة في حصول ضحاياه على العدل، والطرف الثاني من يريدون العفو على سبيل التمييز بحيث يحصلون عليه من دون غيرهم . ويسعى الطرفان لاستخدام نفوذهما في المجلسين التنفيذي والتشريعي لإسقاط القانون وعرقلة إقراره، لكن بالإمكان تجاوز هذه المعضلة عبر مصادقة الرئيس عبد ربه منصور هادي على قانون العدالة الانتقالية ثم يقدمه للبرلمان لإقراره وليس مناقشته . إن قضية العدالة الانتقالية أصبحت جزءاً لا ينفك من العملية السياسية في اليمن وهي تجري برعاية وحماية المجتمع الدولي الذي يملك الوسائل الضرورية لمعاقبة معرقلي أي جزء منها وتهديد اليمن بخطر العودة إلى شبح الحرب .